السياسة التركية في عين العرب: استنزاف الأكراد و"داعش"

السياسة التركية في عين العرب: استنزاف الأكراد و"داعش"

09 أكتوبر 2014
المدنيون السوريون يدفعون ثمن المواجهات (أورهان سيسيك/الأناضول)
+ الخط -

تسعى الحكومة التركية حيال المعارك العنيفة الدائرة في مدينة عين العرب (كوباني)، أقصى الشمال الشرقي لمحافظة حلب، بين مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وعناصر "وحدات الحماية الشعبية" الكردية، إلى أن تمسك العصا من الوسط. واتّضح ذلك جلياً في كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء زيارته أحد مخيمات اللاجئين السوريين في ولاية غازي عينتاب، جنوبي تركيا، والذي أكد فيه أن "تركيا تقف ضد تنظيم داعش الإرهابي، وحزب العمال الكردستاني الإرهابي أيضاً".

لا تريد الحكومة التركية أن تقف مكتوفة الأيدي أمام سقوط مدينة عين العرب لمصلحة "داعش"، لكنها في المقابل، لا تريد أن يظهر التفوق الكردي هناك، ويتحول الأكراد بفعل دعم التحالف الدولي إلى قوة تربك الحسابات من جديد، وتجدد أطماع حزب "العمال" الكردستاني في إقامة دولة كردية تمتد إلى الأراضي التركية، ولذا لجأت إلى منح الجيش تفويضاً عبر البرلمان لمدة عام للقيام بما يلزم، والرد الحاسم على كل تهديد يتعرّض له.
وضمن هذه الإستراتيجية ستقرر أنقرة الحالة التي تتدخل فيها، في ظل وجود عدو متمثل بـ"داعش" يحارب عنها ضد عدو آخر قديم متمثل بـ"العمال".

وتبدو الحسابات التركية في عين العرب ناجحة حتى الآن، في سياق المعارك. فبعد التهديد الحقيقي بسقوط المدينة، صباح الثلاثاء، إثر سيطرة "داعش" على الجهة الشرقية للمدينة، وتداعي الجهة الغربية عبر الوصول إلى المخفر الخاص بقوات "الأسايش" (قوات الأمن الداخلي الكردية)، فضلاً عن احتدام المعارك في القسم الجنوبي، والتقدم باتجاه منطقة البلدية وسط المدينة، بعد يومين من السيطرة على مساحات واسعة من جبل مشته نور، وأيام على سيطرة شبه مطلقة على ريف المدينة، استعاد مقاتلو وحدات "حماية الشعب"، مناطق عدة في المدينة وجبل مشته نور، لتبقى معارك الاستنزاف بين الطرفين قائمة.

وفي السياق، يتبّين من غارات التحالف الدولي على عين العرب تحديداً، أنها تسير وفق الخطة التركية، إذ شنّت غارات التحالف الدولي فجر الثلاثاء 12 غارة على مناطق "داعش" في محافظة دير الزور، في وقت كانت فيه مدينة عين العرب على وشك السقوط، لتكتفي بشنّ ثلاث غارات فقط على الجهة الغربية للمدينة.

مع العلم أن مقاتلي التنظيم كانوا يتقدمون على الرغم من الغارات، ليستهدف التحالف بعدها في المساء بـ17 غارة مواقع "داعش" عند أطراف ومحيط عين العرب، وشوهدت الطائرات حينها وهي تحلّق للمرة الأولى على ارتفاع منخفض من المدينة، فيما يشير ربما إلى قرار سياسي بوقف تقدم "داعش" عند هذا الحدّ، وطرده إلى مناطق سيطرته الأولى في محيط المدينة.

والجدير بالذكر أن الغارات كانت مدعومة بقوات نخبة اشتركت مع بقية الفصائل في غرفة عمليات "بركان الفرات"، وهي قوات خاصة خاضت معارك ضد التنظيم في حلب وريفها، وكانت قد أنهت أخيراً آخر تدريباتها العسكرية الشاقة، لتتوجه بعدها إلى عين العرب.

ويدعم السيناريو الأخير، ما ذهب إليه أردوغان في خطابه، حين أكد أن "الضربات الجوية وحدها لا يمكنها القضاء على الإرهاب، وأن عين العرب على وشك السقوط، ولا يمكن إنهاء هذا العمل بعمليات جوية بدون التعاون مع من يقوم بعمليات برية على الأرض". ليختم مطالباً بـ"تدريب وتجهيز المعارضة المعتدلة في سورية والعراق".

وتعتمد الحكومة التركية هذا الحل المؤقت، بينما تحاول إقناع التحالف بوضع إستراتيجية لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد مع "داعش"، عبر الحديث المتكرر عن إعلان منطقة حظر طيران، وإقامة منطقة آمنة، وتدريب وتجهيز المعارضة المعتدلة في سورية والعراق.

كما تلوّح أنقرة بأن تدخّلها إن تم، فيجب أن يكون لإسقاط الأسد و"داعش" على حدّ سواء، والضغط في الوقت عينه على "العمال" بهدف إيقاف أطماعه ووقف تنسيقه مع النظام، والانضواء تحت قيادة "الجيش الحرّ"، وإلغاء الإدارة الذاتية التي أعلنها عبر حزب "الاتحاد الديمقراطي" في الشمال السوري.

ومع أن "داعش" قد لا يكون طرفاً آمناً لتركيا، إلا أن التفاهمات الأخيرة بين الجانبين، ومن بينها مبادلة الرهائن الأتراك الذين كانوا محتجزين لدى تنظيم "الدولة الإسلامية" في مقابل الإفراج عن نحو 180 عنصراً كانوا محتجزين لديها، قد تدفع تركيا إلى المغامرة أكثر في هذه السياسة.