السياسة "المرتبكة" لأوباما: رمي المسؤولية على العراقيين

السياسة "المرتبكة" لأوباما: رمي المسؤولية على العراقيين

14 يونيو 2014
أوباما وجّه خطابين خلال يومين حول العراق(نيكولاس كام/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

وجّه الرئيس الأميركي باراك أوباما، يوم امس، ولليوم الثاني على التوالي، خطاباً إلى الأميركيين حول العراق. وفيما نفت الإدارة الأميركية، أنها ستتدخل في العراق عبر إرسال قوات عسكرية، طُرحت تساؤلات حول حجم ونوع التدخل الذي يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة للتجاوب مع طلب حكومة نوري المالكي بدعمها.

لقد تميز خطاب أوباما، يوم الخميس، بشيء من الحماسة، بينما بدا خطاب الجمعة متأنياً أكثر (ولعلّه جاء متراجعاً) في حماسته، غير أنه أبقى السيناريوهات مفتوحة بخصوص الخطوات الأميركية المتوقعة حيال العراق. تفاعل الرئيس الأميركي في خطابه الأخير مع عدة محاور رئيسية، تأتي بعضها للتعامل مع ردود الفعل الأميركية الداخلية، وأخرى خارجية إزاء سياسته تجاه التطورات الأخيرة في العراق خصوصاً، والشرق الأوسط عموماً.

ويتعلق أحد هذه المحاور الرئيسية بالانتقادات التي يواجهها أوباما، داخل الكونغرس، بسبب سياسته في العراق. ومن بين المنتقدين أعضاء في حزبه "الديمقراطي"، ولكن بشكل خاص من صقور الحزب "الجمهوري". ويرى المنتقدون أن ما يشهده العراق من صعود لتنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام" (داعش)، ما هو إلا نتيجة لسياسة أميركية فاشلة في العراق صمم فيها أوباما على الانسحاب من دون أن تكون حكومة المالكي جاهزة لذلك سياسياً أو عسكرياً.

وتُرجم جزء من هذه المواقف في الجدل الذي شهده الكونغرس الأميركي في الأيام الأخيرة. أبرز تلك الأصوات المنتقدة كان للسيناتور الجمهوري البارز جون ماكين، الذي طالب أوباما بإقالة مستشاريه للأمن القومي، لأن إدارته قررت الانسحاب الكامل من العراق وعدم الاستجابة لمطالب حكومة المالكي، قبل سنتين، بإبقاء عدد من القوات الأميركية في البلاد. وربطت الإدارة الأميركية، في حينها، الموافقة على طلب المالكي بموافقة من البرلمان العراقي على ذلك.

 وذهب ماكين إلى المطالبة بإعادة الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس إلى العراق للمساعدة في التعامل مع الوضع الحالي. وقال إن "المالكي يثق ببترايوس". وأدار الأخير الحرب على العراق وأفغانستان، ثم عُين بعد تقاعده مديراً لوكالة "الاستخبارات المركزية" (سي آي أي) لكنه استقال في عام 2012، بسبب فضيحة طالت علاقته بكاتبة سيرته الذاتية. وكان ماكين، حذراً بشأن المطالبة بعودة قوات عسكرية على الأرض؛ فهو يدرك جيداً، أن الرأي العام الأميركي لا يزال في غالبيته ضد تحرك من هذا النوع، وأن أوباما، بنى جزءاً من استراتيجيته للفوز بالانتخابات السابقة على مبدأ سحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان. وطالب ماكين بتقديم دعم لوجستي ومروحيات قتالية من طراز "آباتشي"، وتدريب القوات العراقية على استخدامها والتحرك في هذا المجال بصورة سريعة.

ولم يكن ماكين وحيداً في التصريحات اللاذعة والمنتقدة لسياسة أوباما، إذ انتقد رئيس مجلس النواب (الجمهوري) جون بويينر، سياسة أوباما في العراق، بقوله إن "أوباما، ينعم بالقيلولة في الوقت الذي بات فيه الإرهابيون على بعد 100 ميل من بغداد". ودعا الإدارة الأميركية إلى زيادة المساعدات الفنية للعراق.

وعلت في الحزب "الجمهوري" أصوات أخرى تبدو أقل حدة في انتقادها لسياسة الرئيس أوباما، آخذة بعين الاعتبار الرأي العام الأميركي الذي لا يريد العودة إلى العراق، وخصوصاً أن الانتخابات البرلمانية النصفية على الأبواب، وأي مواقف غير شعبية في هذا الصدد ستؤثر على نتائجها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وبدت هذه الأصوات أقرب إلى سياسة أوباما، بحيث قال السيناتور الجمهوري، بوك ميكون، إنه "كان عندهم (أي العراقيين) فرصة وإمكانية للاستفادة من وجودنا، نحن خسرنا الكثير من الدماء والأموال وأعطيناهم فرصة وهم لم يرغبوا بتوقيع اتفاق لبقائنا، والآن يريدوننا".

من جهته، حاول أوباما، في خطاب، الجمعة، الرد على كل هذه الأصوات المنتقدة لسياسته، وإن كان بصورة غير مباشرة، عن طريق تحميل الجهات العراقية وحكومة المالكي، والخلافات الطائفية الداخلية مسؤولية ما يحدث. وقال "استثمرنا الكثير من المال والتدريب في القوات الأمنية العراقية. إن ترك الجنود العراقيين مقراتهم ومن دون أن يقاتلوا مجموعة من الإرهابين لا يتفوقون عليهم في العدد لهو مؤشر على تدهور في المعنويات". وأضاف أن أحد العوامل وراء الوضع الحالي هو "عدم رغبة العراقيين في الاستفادة من المساعدة التي أرادت أميركا تقديمها".

ويواجه أوباما انتقادات أخرى من حزبه لعدم ضغطه على المالكي، بعد انسحاب القوات الأميركية، كي تكون حكومته جامعة لكل أطياف العراقيين. وأفاد بعض المحللين السياسيين بأن أوباما، لم يضغط منذ الانسحاب حتى اليوم بما فيه الكفاية على المالكي، حتى عندما بدا واضحاً أن أولى الخطوات التي اتخذها الأخير بعد انسحاب قوات الاحتلال هي ملاحقة خصومه السياسيين وفي مقدّمتهم إياد علاوي. كما أن الإدارة الأميركية التي اتسم احتلالها للعراق بالفساد وهدر الأموال، ليس فقط من قبل الحكومات العراقية بل من قبل قوات الاحتلال، لم تفعل ما فيه الكفاية عند خروجها للضغط على المالكي، في سبيل مكافحة الفساد السياسي والإداري للبلاد.

واعتبر أوباما أن تهديدات (داعش) مشكلة إقليمية أيضاً، وقال إن على "جيران العراق أن يتحملوا المسؤولية في الحد من تقدم قوى الإرهاب في المنطقة وسيطرتها على أماكن واسعة، ودعم بعض الدول لهذه القوى". وهكذا، تملّص أوباما من اللوم والمسؤولية عن تدهور الأوضاع التي تتحمل الولايات المتحدة وسياستها جزءاً كبيراً منها، بتفكيك مؤسسات الدولة الأساسية في العراق من دون بناء دولة أو نظام مستقر.


ولعل ما قاله مندوب روسيا في مجلس الأمن الدولي فيتالي تشوركين، يوم الخميس، في مؤتمر صحفي عقده بعد جلسة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع في العراق، يلخص السبب الرئيسي الذي أدت تطوراته وتشعباته إلى وصول الوضع إلى ما هو عليه في العراق، حين قال إن "مهمة مجلس الأمن لم تكتمل في العراق". وأوضح أن "ما يحدث في البلاد اليوم، أبعاده متعلقة بعام 2003، فما حدث في حينه لم يكن فقط إسقاط حكم ديكتاتور". وأشار إلى أنه "تمت محاولة تغيير بنية الدولة العراقية، وهذه المحاولات أظهرت فشلها".