السوريون في بغداد ... مستجيرون من النار بالرمضاء

السوريون في بغداد ... مستجيرون من النار بالرمضاء

23 يونيو 2014
لاجئة سورية في العراق (أحمد الرباعي/الفرنسية/Geety)
+ الخط -
آلاف اللاجئين السوريين في العراق باتوا بين مطرقة اللجوء ومفرداته المريرة، وسندان الحرب الثانية التي تحاصرهم في مهجرهم، بعد اندلاع المواجهات بين المسلحين وجيش المالكي ومليشياته، في العراق الذي اختاروه وطناً بديلاً ومؤقتاً إلى أن تستقر أوضاع سورية المشتعلة.

إقامة محفوفة بالمخاطر

"الوضع في العراق كان أكثر أمناً من سورية، جئنا إلى بغداد أملاً في الاستقرار، إلا أن الحرب التي تركناها وراءنا أصبحت أمامنا"، تقول أم محمد اللاجئة السورية في بغداد.

فقدت أمّ محمد زوجها في قصف عشوائي على مدينة دوما بريف دمشق، واستطاعت دخول بغداد عن طريق إحدى قريباتها المتزوجة من عراقي، حيث وجدت عملاً بعد مجيئها بإحدى المنظمات الخيرية في منطقة الدورة جنوب غربي العاصمة، إلا أنها تشكو من صعوبة العيش وقلة الراتب الذي لا يكاد يغطي احتياجاتها مع أطفالها الثلاثة.

أمّ محمد شأن غيرها من السوريين الذين تدفقوا إلى بغداد بعد اندلاع الثورة عن طريق الخروج من مخيم "القائم" للاجئين على الحدود بين البلدين، أو عن طريق أقارب عراقيين استطاعوا استقدامهم لإنقاذهم من لهيب الحرب في بلادهم، التي يبدو أن نارها تقترب من بغداد بعد إحاطة المسلحين بالعاصمة العراقية.
"الوضع كان شبه مستقر خلال الفترة الماضية، كنت أحصل على قوت يومي عن طريق بيع أكلات شعبية على عربة متنقلة في منطقة الأعظمية التي يقصدها ويعمل فيها الكثير من السوريين، لا سيما الحرفيين منهم، حيث يعمل العديد منهم في ورش للنجارة والحدادة والكهرباء وغيرها من المهن" يقول أبو خالد – لاجئ سوري في بغداد - استطاع القدوم إليها عن طريق زوجته العراقية، لكنه الآن يخشى من التوتر الأمني المتزايد في الشارع العراقي وانتشار سيطرات (حواجز) الجيش في كل مكان، مما أدى إلى تقليل عدد زبائنه.

أوضاع مضطربة

في مقابل سوء حظ اللاجئين السوريين في بغداد، ممن يعانون الاضطرابات الأمنية، فإن نظراءهم في كردستان يشعرون أنهم أفضل حظاً، حيث يعيش في إقليم كردستان الأكثر أمناً ما يزيد على ربع مليون سوري، حسب آخر الإحصائيات الرسمية لحكومة الإقليم، فيما وجد لاجئو محافظتي دير الزور والرقة الحدوديتين مع العراق أنفسهم في قلب المعركة، عالقين بعدما اضطر بضعة آلاف منهم إلى الجوء إلى مدينة القائم غرب الأنبار، بسبب التداخل العشائري وتشابه العادات والتقاليد والأمان النسبي، الذي كانت تعيشه تلك المنطقة مقارنة بغيرها، حيث أقيم لهم مخيم يضم بين جنباته اليوم ما يقارب 10 آلاف لاجئ، حسب تقديرات منظمات إنسانية عاملة هناك.


"معظم هؤلاء اللاجئين فضلوا عدم القدوم إلى بغداد بسبب أوضاعها الأمنية المضطربة والإجراءات الرسمية المعقدة الخاصة بتسوية أوضاعهم القانونية فيها، لا سيما وأن السلطات العراقية تنظر بعين الريبة لاستقرار شبان سوريين في المدن العراقية خوفاً من التبعات الأمنية المحتملة، كما يؤكد المسؤولون العراقيون باستمرار" يفسر ناشط عراقي – رفض ذكر اسمه - الأمر، ويضيف أن الظروف أجبرت العديد من اللاجئين السوريين على التوافد للعاصمة، وتحديداً شريحة الفقراء ومحدودي الدخل الذين لم يستطيعوا تحمل غلاء المعيشة في إقليم كردستان، أو ممن لديهم أقارب أو معارف من العراقيين الذين وفروا لهم مأوى أو فرص عمل، وإن شحيحة أو محدودة، وفي الوقت الذي تغيب الإحصائيات الدقيقة لأعداد هؤلاء في بغداد، إلا أن البعض يقدرهم بالمئات.

التسول وسيلة لكسب العيش

الحرب الطاحنة في سورية أسهمت في تدفق فئة أخرى من السوريين من المتسولين، الذين ينحدر معظمهم من فئة الغجر أو (النور) كما يعرفون هناك، حيث ينتشرون على أبواب المساجد وفي شوارع العاصمة، ويستخدمون لهجة مختلطة بين العراقية والسورية، وتثير معاناتاهم تعاطف الكثير من الناس، إلا أن التسول ليس محصوراً بين المنتمين للغجر، فهناك عائلات فقدت كل ما تملك اضطرتها الظروف للجوء إلى التسول، حاولنا الاقتراب من بعضهم في منطقة المنصور التجارية، غربي بغداد، للحديث معهم إلا أنهم سرعان ما لاذوا بالفرار رافضين الحديث خوفاً من الملاحقة الأمنية. وبعد ما يشبه المطاردة وافقت إحداهن على الحديث معنا، حيث قالت إنها تكسب يومياً ما يقرب من 50 ألف دينار عراقي (40 دولاراً تقريباً)، وهو ما يضمن لها معيشة مريحة، إلا أنها تتخوف كما تقول من الأوضاع الأمنية السيئة والمفخخات التي تضرب الشوارع، وتقول المتسولة التي عرفت نفسها باسم – هدية - إنها تعيش مع نظيراتها ممن يعملن في المهنة في بيت صغير بحي شعبي رفضت أن تسميه، وتمضي يومها في التسول من الساعة الثامنة صباحاً حتى العصر، لتعود بعدها إلى المنزل الذي تقطنه.


"الخوف المنتشر في الشوارع أثر على عملنا، حيث لم تعد الشوارع مزدحمة كما السابق، وهو ما قلل حصيلتنا اليومية" تقول هدية التي تتمنى أن تساعدهم جهة حكومية أو دولية لمواجهة ظروف المعيشة الصعبة والتي تزداد صعوبة يوماً وراء يوم.


المستقبل الغامض

وزارة الهجرة والمهجرين العراقية أطلقت بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خطة إقليمية لتقديم المساعدات للاجئين السوريين في العراق، منذ أشهر عدة كما قال وكيل الوزارة، سلام الخفاجي، بعدما توقعت الحكومة العراقية أن يصل عدد اللاجئين السوريين في العراق إلى 500 ألف داخل إقليم كردستان وخارجه، إلا أن العديد من اللاجئين يشتكون من غياب الدعم وعدم وصوله لمستحقيه، كما تقول الأرملة - أم رأفت - التي لم تتلق أية مساعدة من الحكومة العراقية، أو الأمم المتحدة، منذ وصولها لبغداد قبل عام ونصف حيث تكابد، هي ومعارفها من اللاجئين، ظروفاً بالغة السوء، زادت مؤخراً بعد اندلاع المواجهات العسكرية في العراق.

مستقبل اللاجئين السوريين في العراق يبدو غامضاً، في ظل تصاعد موجات العنف التي تضرب المدن العراقية وشبح الحرب الأهلية الذي بات يطرق الأبواب، لكن ما يضاعف مأساتهم هو غياب الدعم الرسمي والأممي في بلد منكوب، هو نفسه، بالصراعات، بينما أعداد النازحين تتزايد يوماً بعد آخر، فيما تبدو خيارات السوريين المقيمين في بغداد محدودة للغاية.