السنّ لم تقتل حلم عائشة بالعودة

السنّ لم تقتل حلم عائشة بالعودة

16 مايو 2014
حلم العودة لا يشيخ مع الزمن (العربي الجديد)
+ الخط -
الحاجة عائشة عبيد (77 عاما) يرافقها المرض على كرسي متحرك، لم يفارقها حلم العودة  منذ تهجيرها وأسرتها من قرية بيت عطاب من الداخل الفلسطيني- 15 كيلومترا جنوب غربي مدينة القدس- وهي بنت تسع سنوات، تحتفظ بكل ذكريات طفولتها البعيدة، قائلة: "لن أنسى بيتي وأسرتي وأحلامي التي أجبرت على تركها للعيش في مخيم مؤقت".
تقول في الذكرى 66 للنكبة: "مازلت أحتفظ بخريطة فلسطين مطرزة في انتظار العودة حتى ولو على الكرسي المتحرك"، وتتمنى لو أن عافيتها تعود لتناضل من جديد.

عائشة هي نموذج للفلسطينية المناضلة، قدمت خمس سنوات من عمرها للقضية الفلسطينية نتيجة الاعتقال المتكرر. تروي قصتها قائلة: "التحقت بصفوف الثورة بعد ثلاث سنوات من اندلاعها عام 1965، وبقيت أناضل حتى تقدمت بي السنّ، وأصبحت قعيدة كرسي متحرك"، على الرغم من حالة السكون التي تعيشها الحاجة عائشة على كرسيها المتحرك، إلا أنها تصف حالها: "أشعر أنني مازلت شابة عندما التقي بالمناضلين".

مشاركة أسرة عائشة في النضال شجّعها على الالتحاق بالثورة والعمل ضمن قطاع الداخل الذي كان يشرف عليه أبو جهاد وأبو يوسف النجار في ذلك الوقت، تتذكر موقف والدتها حينها قائلة: "كانت أمي تؤيد هي الأخرى التحاقي بصفوف الثورة، وكانت تتمنى فعل ذلك، إلا أن تقدمها في السن وقتها منعها، فقد كانت تبلغ 80 عاما".

"لست أول ولا آخر امرأة تُعتقل، وربّنا معك، ومن حقنا أن ندافع عن فلسطين" كلمات ودعت بها والدة عبيد ابنتها في أول اعتقال لها، وهي ذات 34 عاما والتي تصفه عبيد قائلة: "فعلت ذلك لأن فلسطين حق للفلسطينيين ويجب الدفاع عنها"، مشيرة إلى النظرة السلبية في تلك الآونة للمرأة المناضلة، فقد كانت النساء الكبيرات في السنّ يفضلن أن يظل النضال حكرا على الرجال".

تصف حالها مع الاعتقال: "في أول مرة اعتُقلت فيها أجلسوني على مقعد الحمام لمدة أربعة أيام، وكانوا يضعون الكيس على رأسي، بالإضافة إلى رائحة المكان الكريهة، وكان القمل يسبح في رأسي وجسدي، وكنت أعتقد أنها صراصير تسير عليّ، وبقيت في التحقيق لمدة شهرين، وحُكم علي بالسجن مدة عام، أضيف إليها عام آخر ثم ستة أشهر".

أضافت: "كانوا يضربونني حتى يغمى عليّ، ومن ثم يرسلونني إلى المستشفى، وعندما أفيق من الغيبوبة كانوا يعيدونني إلى التحقيق، وهناك كنت أتعرض للضرب مجددا، وأُهدد بالاغتصاب لإخافتي.. لكنني لم أعترف بشيء". خياران أحلاهما مُرّ كانا أمام عبيد في السجن، إما إبعادها عن بلدها أو البقاء في السجن، إلا أنها فضلت السجن.

عائشة، هي الآن لاجئة في مخيم الدهيشة قضاء بيت لحم، حالها كحال كل اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا أراضيهم، وعددهم يقارب 750 ألف فلسطيني، تسبب تعرضهم  للتهجير القسري على يد الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 في تحويلهم إلى لاجئين في المخيمات، فضلاً عن هدم أكثر من 500 قرية، وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسة وتحويلها إلى مستوطنات إسرائيلية.

ووفقاً للإحصاءات الصادرة في فلسطين، فإن نسبة اللاجئين الفلسطينيين في فلسطين تشكل 44.2% من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين في فلسطين نهاية العام 2013، بالإضافة إلى أن عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث في الأول من يناير/كانون الثاني للعام 2013 هو حوالى 5.35 مليون لاجئ فلسطيني.

كما يعيش حوالى 29.0% من اللاجئين الفلسطينيين في 58 مخيما تتوزع بواقع عشرة مخيمات في الأردن، وتسعة مخيمات في سورية، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، وثمانية مخيمات في قطاع غزة.

كانت عائشة عبيد تعمل في الخياطة والتطريز، فقد طلبت فتيات المخيم أن تعلمهن هذه المهنة، ليشترين آلات خياطة تساعدهن في توفير لقمة العيش، حتى انقسم يومها بين تعليم الفتيات في النهار ومع المناضلين ليلا.

عائشة تنام أحيانا عطشى، لأنها لا تجد من يسقيها، تحتاج إلى الدواء باستمرار، ولكن ما يصرف لها من مخصصها الشهري لا يكفيها لشراء دوائها كاملا. في المخيم تعاني عائشة الآن الإهمال والوحدة قائلة: "تقدم سني يجعلني في حاجة إلى من يخدمني، أعيش وحيدة ومصابة بأمراض عدة وأجلس على كرسي متحرك"، تشعر مع تقدمها في العمر بعدم حصولها على الاهتمام اللازم من قبل المؤسسات التي تتابع شؤون الأسرى والأسيرات الفلسطينيات.
 
اللاجئة الحاجة عائشة عبيد نموذج من النساء الفلسطينيات اللواتي تعرضن للأسر وتحررن منه قبل الانتفاضة الأولى، لم تُنصَف سياسيا ولا اجتماعيا، وتصف ما جرى في حياتها بأنه نكبات متتالية، لكنها مازالت تنتظر العودة، على كرسيها المتحرك، إلى بيت عطاب في الداخل الفلسطيني.