السعودية تنافس "مصر الفقيرة" على أطول الديون الدولية عمراً

السعودية تنافس "مصر الفقيرة" على أطول الديون الدولية عمراً

20 ابريل 2020
الديون الخارجية للسعودية تقترب من مصر (Getty)
+ الخط -
لم تعد مصر صاحبة لقب البلد الأطول في سنوات الاقتراض، بعد أن دخلت السعودية الغنية بالنفط سباق الاستدانة، لتتساوى مع "مصر الفقيرة"، على حد وصف رئيسها عبد الفتاح السيسي، في أطول مدة اقتراض على الإطلاق في المنطقة العربية وبلدان الشرق الأوسط.

حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2019 ، كانت مصر الدولة الوحيدة في المنطقة التي اقترضت لأجل 40 عاماً، لكن السعودية كسرت احتكار هذا الرقم بطرح سندات دولارية (أدوات دين دولية) في 15 إبريل/نيسان الجاري لمدة مساوية للسندات المصرية.

وأظهر مسح لـ"العربي الجديد" أن أطول مدة اقتراض للسعودية قبل الإصدار الأخير للسندات، كانت لأجل 35 عاماً، وجرى طرحها في يناير/كانون الثاني 2020، لكن سرعان ما ارتفعت آجال الديون إلى 40 عاما منتصف هذا الشهر.

ووفق بيانات صادرة عن وزارة المالية الخميس الماضي، بلغت قيمة السندات المطروحة والمستحقة السداد بعد 40 عاماً 3 مليارات دولار من إجمالي سندات بقيمة 7 مليارات دولار، بينما توزعت الأربعة مليارات دولار المتبقية على شريحتين أخريين بقيمة 2.5 مليار دولار لأجل 5 سنوات، و1.5 مليار دولار تستحق بعد 10 سنوات.

وتشير الخطط السابقة للسعودية إلى اقتراض 32 مليار دولار من الأسواق الدولية هذا العام، لكن الضربة المزدوجة التي تلقتها المملكة، جراء انهيار أسعار النفط وتداعيات فيروس كورونا الجديد، تزيد توقعات المحللين بمضاعفة هذا الرقم، فضلا عن ارتفاع كلفة الاقتراض بشكل كبير.

وبلغت أسعار الفائدة على السندات المصدرة في يناير/كانون الثاني 2.54 في المائة لسندات الخمس سنوات و2.88 للعشر سنوات و3.84 في المائة للفترة الأطول آنذاك والبالغة 35 عاماً.

لكن وثيقة، نشرتها وكالة رويترز، في 16 إبريل/نيسان الجاري، تظهر ارتفاع الفائدة على سندات الخمس سنوات ونصف في الإصدار الأخير منتصف هذا الشهر، بلغت 3.15 في المائة فوق الفائدة المحددة على سندات الخزانة الأميركية، و3.25 في المائة لسندات العشر سنوات ونصف، و5.15 في المئة لسندات الأربعين عاماً.

وتحددت أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأميركية بنهاية مارس/آذار الماضي، بواقع 0.758 في المائة لأجل عشر سنوات، و1.4 في المائة لأجل ثلاثين عاماً.

وقبل الطرح الأخير للسندات السعودية، نشرت "العربي الجديد" تقريراً في 14 إبريل/ نيسان الجاري، رجح فيه مسؤول في أحد بنوك الاستثمار الإقليمية ارتفاع وتيرة الاقتراض خلال الفترة المقبلة في ظل تداعيات جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط، مشيرا إلى أن الاقتراض لن يحد من السحب من احتياطي الممكلة الذي خسر ما يقرب من خُمس قيمته منذ عام 2015.

وتواصل أسعار النفط تدهورها، حيث سقط الخام الأميركي في أول المبادلات الآسيوية، اليوم الاثنين، إلى ما دون 15 دولاراً للبرميل، مسجلاً أدنى مستوى له منذ عقدين، فيما تراجع خام مزيج برنت العالمي بنسبة 1.5 في المائة إلى 27.64 دولاراً للبرميل.

وهوت أسواق النفط في الأسابيع الأخيرة لأدنى مستوياتها منذ نحو 20 عاماً، وسط عمليات الإغلاق ومنع السفر في العالم أجمع، والتي تؤثر بشدة على الطلب.

وتعقدت الأزمة بعدما أطلقت السعودية، ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، حرب أسعار مع روسيا، ثاني أكبر منتج بعد الولايات المتحدة، قبل أن يتوصل البلدان مطلع الشهر الجاري إلى اتفاق على خفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل في اليوم لتحفيز الأسواق، لكن الأسعار استمرت في الانخفاض بشدة، مع تقدير محللين أن الخفض غير كاف لتعويض التراجع القوي في الطلب الناجم عن تفشي الوباء.

وتوقعت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، يوم الخميس الماضي، انهياراً في الطلب العالمي خلال 2020، بسبب الشلل الاقتصادي العالمي، مشيرة إلى تعرض السوق إلى "صدمة تاريخية وقاسية".

وتعمل الأسعار الرخيصة على جر الموارد المالية للبلدان المنتجة للنفط إلى الانهيار، حيث كشف تقرير لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني العالمي، في وقت سابق من هذا الشهر، عن أن السعودية صاحبة الوزن الثقيل في أوبك، وأكبر مصدر للنفط الخام في العالم، بحاجة إلى سعر 91 دولاراً للبرميل لتحقيق نقطة تعادل في موازنتها.

وفي مارس/آذار الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من اندثار ثروات السعودية في عام 2035، إذا لم تتخذ "إصلاحات جذرية في سياساتها المالية" التي ترتكز بشكل أساسي على عائدات النفط مثل باقي دول الخليج، التي توقع أن تندثر أيضا ثرواتها في سنوات متفاوتة، لتكون البحرين الأقرب إلى هذا السيناريو عام 2024.

ولم تكن على السعودية ديون خلال 2013 و2014، لكنها سجلت منذ 2015 بداية مرحلة جديدة من الديون. وأظهرت بيانات، نشرتها وزارة المالية على موقعها الإلكتروني مؤخرا، أن الديون المباشرة القائمة على الحكومة في 31 ديسمبر/كانون الأول 2019 بلغت 677.9 مليار ريال (180.8 مليار دولار)، منها 372.8 مليار ريال ديون محلية و305.2 مليار ريال (81.4 مليار دولار) ديون خارجية، مقابل ديون كلها محلية بلغت 142.2 مليار ريال نهاية 2015.

وتتصاعد نسبة الدين من الناتج المحلي بمستويات قياسية لتبلغ 50 في المائة هذا الشهر، مقابل 24.1 في المائة بنهاية 2019، بينما لم تتجاوز 1.6 في المائة في 2014.

وتتزامن الديون غير المسبوقة مع سحب كبير من الاحتياطي المالي، فقد أظهرت بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) الصادرة نهاية الشهر الماضي، والتي اطلع عليها "العربي الجديد"، تراجع الأصول الاحتياطية إلى 1.86 تريليون ريال بنهاية فبراير/شباط  (497 مليار دولار)، مقابل 2.31 تريليون ريال (616 مليار دولار) بنهاية عام 2015.

وتريد السعودية، بوتيرة متسارعة، دخول نادي الدول المقترضة في المنطقة، لتنافس مصر التي وصفها رئيسها السيسي في إحدى المناسبات، العام الماضي 2019، بأنها " فقيرة أوي (بشدة)".

وفتحت مصر أبواب الاقتراض على مصاريعها منذ نحو ست سنوات، لتمويل عجز مزمن للموازنة ازداد تفاقماً بتوجيه السيسي لتنفيذ مشروعات ضخمة تستنزف مئات مليارات الجنيهات من دون جدوى اقتصادية، وفق تأكيد خبراء اقتصاد، على رأسها إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة في صحراء شرق العاصمة التاريخية القاهرة، والتي يطمح السيسي للانتقال إليها.

وقفز الدين الخارجي لمصر، وفق بيانات البنك المركزي الصادرة مطلع العام الجاري، بنسبة 18 في المائة على أساس سنوي، بنهاية الربع الأول من العام المالي الحالي 2019/ 2020 (نهاية سبتمبر/أيلول)، إلى 109.36 مليارات دولار، كما ارتفع الدين المحلي بنسبة 8 في المائة إلى 4.18 تريليونات جنيه (270 مليار دولار).

ووفق رصد لـ"العربي الجديد"، قفز الدين الخارجي بنسبة تصل إلى 138 في المائة، منذ وصول السيسي إلى الحكم، حيث لم يكن يتجاوز 46 مليار دولار منتصف 2014.

ولا يبدو أن المنافسة على الاقتراض ستكون آمنة، فقد تشتد وتيرة الصراع على جذب أموال المقرضين بفوائد مرتفعة، ما يحمل الأجيال القادمة إرثا ثقيلا من الديون، فقد بلغت نسبة الفائدة على السندات المصرية لأجل 40 عاما 8.5 في المائة، وفي السعودية تقترب من 7 في المائة، بينما تتجاوز في سلطنة عمان هذه المستويات.

ودخلت دول الخليج قاطبة في عمليات اقتراض واسعة، حيث اقترضت أبوظبي هذا الأسبوع 7 مليارات دولار، بالتزامن مع حصول البحرين على قرض بمليار دولار، ومن قبلها قطر 10 مليارات دولار، بينما تسعى الكويت لتمرير مشروع قانون يسمح لها باقتراض 65 مليار دولار خلال عشر سنوات.

المساهمون