الرباط... كثير من السياسة قليل من الثقافة

الرباط... كثير من السياسة قليل من الثقافة

07 نوفمبر 2014
تعدّ الرباط قبلة السياسيين (فيديل سينا / فرانس برس)
+ الخط -

على بُعد أمتار قليلة من بوابة البرلمان المغربي يحتج عدد من الشباب، يضعون صدريات زرقاء وخضراء إشارة إلى هوياتهم كحاملين لشهادات عليا وعاطلين عن العمل. غير بعيد منهم تقف ناشطات تصدح حناجرهن بمطالب حقوقية، فيما تضم الشوارع الخلفية مسرحاً ومتاحف ومآثر تاريخية.

هكذا تبدو أيام العاصمة المغربية الرباط، التي تحاول جاهدة أن تتخلص من جلبابها السياسي الذي خِيط على تفاصيل جسدها الإسمنتي منذ سنوات خلت، إذ ترنو إلى أن تصبح مدينة للأنوار وعاصمة المملكة للثقافة، مثلما حاولت أن تكون ذات يوم عاصمة للبيئة الخضراء، ولم تفلح.

قبلة السياسيين

الرباط عاصمة السياسة والسياسيين بامتياز، فهي مقر القصر الملكي، الذي يقيم فيه رأس أعلى سلطة في البلاد، كما تضم أهم المؤسسات الدستورية والسياسية من وزارات وبرلمان بغرفتيه مجلس النواب ومجلس المستشارين، فضلاً عن مجالس عليا في الاقتصاد وحقوق الإنسان.

وفي السياق، يقول الناشط الحزبي عبد الله تافروخت لـ"العربي الجديد" إن "القرار السياسي يُطبخ هنا"، مضيفاً أن "ضمّ الرباط لأهم المؤسسات السياسية والتشريعية والدستورية يجعل منها "الترمومتر" السياسي للبلاد، فإن صحت المؤسسات صحّ جسد المملكة، وإن أصابها زكام عطست المملكة".

بهذا الحضور الكثيف للمباني الإدارية والسياسية، ولمساكن ذوي السلطة والنفوذ وأصحاب العلاقات والوساطات، "فرضت الرباط نفسها لتكون قبلة رئيسة لمعظم سياسيي البلاد، الذين يفدون إليها من كل حدب وصوب، حتى إن من يريد أن يكون وزيراً عليه أن يحل بالرباط" وفقاً لتافروخت.

يتذكر الناشط كيف "أن شاباً، رثّ اللباس وضعيف الحال، قدم من بادية نائية في أقاصي البلاد إلى الرباط، محملاً بملف تخرجه، يطلب ودّ شخصية سياسية هامة تنتمي إلى قبيلته، تحوّل إلى وزير بعد سنوات عدة، جرّب الجلوس على كراسي العديد من الوزارات وما يزال".

 عاصمة الاحتجاج

من جهته، يؤكد العضو في إحدى مجموعات الأطباء العاطلين عن العمل والمطالبين بوظائف حكومية، شمس الدين بزوي، لـ"العربي الجديد"، أن "الرباط عاصمة الاحتجاج عن جدارة واستحقاق". ويضيف "لا يكاد يمر يوم من دون أن تشهد الرباط معارك فيها الكر والفر بين طالبين للشغل أو الكرامة وبين قوات الأمن".

كلام هذا الطبيب العاطل عن العمل تؤكده دراسة حديثة حول خريطة الاحتجاجات في المغرب، جاء فيها أن المغرب شهد 17 ألف فعل احتجاجي سنة 2012، نسبة كبيرة منها نُظمت في مدينة الرباط، احتل فيها مطلب الشغل نسبة 42 في المائة والسكن 27 في المائة، والإصلاح السياسي 5 في المائة.

وزاد حجم الاحتجاجات بعد نشوء حركة 20 فبراير، التي رأت النور إبان الحراك المغربي الموازي للثورات العربية، إذ دأبت على تنظيم مسيراتها المطالبة بالديمقراطية ومحاربة الفساد كل أسبوع تقريباً.

وفيما يؤكد شباب حركة 20 فبراير، أنهم لن يغادروا شوارع الرباط، التي يحتجون فيها بين الفينة والأخرى إلى أن تتحقق مطالبهم بالحرية والكرامة، يرى منتسبون لما يُسمّى "الشباب الملكي" المعارض لـ"20 فبراير" أن هذه الحركة "تخدم أجندات خارجية تعمل على استنساخ ما حدث في مصر وتونس في المغرب".

 عاصمة الأنوار

وكأن الرباط ضاقت ذرعاً بجلبابها السياسي وبموجة الاحتجاجات، التي لا تكاد تفتر في شوارعها الرئيسية وخصوصاً أمام مقر البرلمان، فقد حاولت أن تجد لها عباءة جديدة أخرى، من خلال تحولها إلى مدينة للأنوار وعاصمة المغرب للثقافة، من خلال مخطط يدوم خمس سنوات من 2014 إلى 2018 المقبل.

ويرمي المخطط الجديد، وفق عمدة الرباط فتح الله ولعلو، إلى تحويل هذه المدينة إلى أحد أجمل وأرقى العواصم العالمية، من خلال العناية بالإرث الثقافي والحضاري لهذه المدينة التاريخية، والتي غلب فيها الطابع السياسي على غيره من المزايا الثقافية والبيئية التي تتمتع بها.

وبناءً على مخطط "عاصمة الأنوار" الذي أشرف عليه أخيراً الملك محمد السادس، ستشهد الرباط تدشين مسرح كبير يُضاهي أشهر مسارح العالم ومتحف كبير لعلوم الأركيولوجيا وعلوم الأرض، وعدد من دور الثقافة، علاوة على الحفاظ على الفضاءات الخضراء والبيئة.

عدد من سكان الرباط، بالرغم من سرورهم بهذه المخططات التنموية التي تهدف إلى تطوير الرباط، يخشون أن تكون مجرد دعاية سياسية وسياحية أكثر منها واقعاً معاشاً يُحسن حياة الرباطيين، كما يتمنون أن يتحول الظلام الذي يسود معظم أحياء الرباط ليلاً إلى أضواء وأنوار تبعد عنهم وحشة العاصمة.

دلالات

المساهمون