الراعي يتقمّص السادات: ذاهب إلى القدس

06 مايو 2014
الراعي يغلق أبواب بكركي بوجه معارضيه (موقع بكركي الرسمي)
+ الخط -

بدا بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق في مطار بيروت، الثلاثاء، فاقداً المنطق. البطريرك بشارة الراعي يصرّ على استقبال بابا الفاتيكان فرنسيس الأول في الأردن والانتقال معه إلى داخل فلسطين المحتلة. لا يجد حتى الساعة أيّ مانع من العبور إلى "الأراضي المقدسة" عبر حواجز الجيش الإسرائيلي وسلطته السياسية. لا بل يصرّ على حفلة التطبيع هذه. لم يفهم بعد أنّ إقدامه على هذه الخطوة من شأنها ضرب موقعه وهزّ رمزية الكنيسة المارونية.

حمل الراعي انفعاله معه إلى بيروت قادماً من لورد الفرنسية. سارع إلى الدفاع عن نفسه، فتحدث بحسرة عن اتّهامه بالتطبيع مع إسرائيل. كأنّ فعلة كهذه يجب أن يُستقبل على إثرها، بنثر الرز وتوزيع الورود. دخل صالة الشرف في مطار رفيق الحريري الدولي منفعلاً وشاحب الوجه. قال إنّ المرارة تتملكه جراء هذه الاتهامات. حاول قدر المستطاع توضيح الأمر، من دون أن يتمكن من ذلك. خذله موقفه ومنعه من إضافة أي جديد على كل ما سرّب من حوله طيلة الأيام الماضية. ينوي الدخول إلى إسرائيل، ومقاطعة اللقاءات السياسية مع مسؤوليها، ويودّ القول من القدس إنّ للفلسطينيين حقاً في هذه الأرض وفي هذا الوطن. يريد لقاء "أبناء رعيّته"، ويشعر بالمسؤولية تجاه شعبه الماروني الموجود في الأراضي المحتلة.


كل هذه التبريرات سبقت الراعي إلى بيروت عبر رجال الكهنوت في بكركي (مقرّ الكنيسة المارونية) والمقرّبين منه. فأضاف إليه المزيد من الانفعال الشخصي والكلام السياسي الذي لم يقله أيّ من "أسياد بكركي" قبلاً. إذ أعلن الراعي إقفال أبواب الصرح البطريركي في وجه المختلفين معه، قائلاً "على من يجد نفسه متضايقاً من تصرفاتي ألا يحضر إلى بكركي".

كان الراعي مساء الثلاثاء، وكأنه تقمّص شخصية الرئيس المصري أنور السادات. اقتبس عباراته وحدّته المزيّفة، وقال إنه ذاهب إلى القدس للدفاع عن القضية العربية. لم يفهم العارفون في شؤون بكركي بعد أسباب "إصرار الراعي على المشاركة في الزيارة". يعجزون حتى الساعة عن تفسير الأمر ولا يضعونه إلا في إطار الإصرار الشخصي. فمسيحيو القدس وبيت لحم والناصرة وكل الجليل، لهم مؤسستهم الكنسية ورجالها. لهم تواصلهم مع مقرّ الكنيسة ورأسها، ولم يلتقوا بطاركة أنطاكيا المتتالين منذ 1948. فما الذي ستقدمه هذه الزيارة لهم؟

لم يجرؤ البطريرك على القول علانية إنه ينوي اللقاء باللبنانيين الهاربين إلى إسرائيل، وهم عملاء جيش لحد في الجنوب اللبناني المحتل (بين أعوام 1978 و2000). مع العلم أن دوائر بكركي أكدت وجود هذا الملف على جدول أعماله، لكونه يطال لبنانيين موجودين في أرض العدو.

لم ينعكس انفعال الراعي أمام عدسات الكاميرات وإعلانه إقفال أبواب صرحه أمام المعترضين على زيارته، إلا في إضافة صعوبات على بعض الحلول والمقترحات المقدمة لتهدئة الأجواء اللبنانية. يقول أحد القيّمين على العلاقة بين بكركي وحزب الله لـ"العربي الجديد" إنّ "ما جاء على لسان الراعي أكد أن لا مجال للحوار أو النقاش في الموضوع". فاستبعد أن يقوم مسؤولو الحزب بزيارة إلى بكركي بعد هذا التصريح، ورجّح أن تمرّ الرسائل عبر السفارة البابوية.

رفض مسؤولو حزب الله التعليق رسمياً على الزيارة المفترضة وعلى المواقف الأخيرة الصادرة عن الراعي. هم بانتظار "اجتماع ما"، بحسب ما قال أحد نواب كتلة الوفاء للمقاومة، ليتّضح بعدها موقف الحزب وما ينوي القيام به حيال هذا الملف.

صعّب الراعي المعادلة على الجميع، بينما أكد أحد المطارنة الموارنة لـ"العربي الجديد" أنّ "الراعي على تنسيق تام مع رأس الكنيسة الكاثوليكية ودوائر الفاتيكان"، ما يعني مباركة الفاتيكان لخطوة الراعي وتأييدها لزيارته فلسطين المحتلة. ما يطرح علامات استفهام كثيرة على الموقف الذي كان ينتظره البعض من الفاتيكان، حرصاً على علاقات بكركي المحلية ودورها في لبنان.

وقع الراعي في مأزق الانقسام. لكن الخلاف اليوم ليس على قانون انتخابي أو اسم رئيس الجمهورية أو تعيينات إدارية، كما درجت العادة في البلد في العقدين الماضيين. بات الاختلاف واقعاً حيال خرق مقاطعة إسرائيل من عدمه. فأصبح التطبيع مع العدو وجهة نظر وأكثر من ذلك. أضحى التطبيع مع إسرائيل، مطلبا ونيّة رأس كنيسة، مدعوماً من رجال دين وسياسيين وجماهير تنادي "خذنا معك إلى الأراضي المقدسة"... أي إسرائيل.