الدنمارك في الانتخابات الأميركية: صورتان إعلاميتان

الدنمارك في الانتخابات الأميركية: صورتان إعلاميتان

09 مارس 2016
تحول ساندرز إلى محبوب الدنماركيين فجأة (Getty)
+ الخط -
عدا عن الافتتاحيات والمقالات، التي ذهب بعضها إلى انتقاد لاذع لسياسات كوبنهاغن في قضية تعاطيها مع اللجوء، ظهرت الدنمارك في أكثر من مناسبة على ألسنة المرشحين الرئاسيين داخل أميركا.

المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز تحول فجأة في الإعلام الدنماركي، والإسكندنافي عموما، إلى محبوب مع تقدم رحلته الانتخابية واستمرار اتخاذه النموذج الإسكندنافي بقوله للتلفزيون الدنماركي: "إذا لم أنجح هنا فسأنتقل إلى الدنمارك". المراسل الأولى الدنماركي يعرض عليه "رئاسة الدنمارك" وقد نسي بأن بلده مملكة لا نظام رئاسي. حماسة كبيرة يشعر بها أي شعب تسلط الأضواء الإعلامية على بلده، ولكن تفصيل صغير يغيب في غمرة تلك الحماسة، فالدنمارك وجهها مشوه كما في المقالة المشار إليها للكاتب هيو ايكين في نيويورك ريفيو أوف بوكس برسم كاريكاتوري دنماركي يحمل ملامح بشاعة لتلك السياسات المتبعة لوزيرة الأجانب والدمج انغا ستويبرغ؛ وهي تعلق اللاجئين على شجرة الميلاد حاملة عود الثقاب لتشعل شمعة الشجرة.

وفي نقاش آخر ذهب المرشح المحافظ تيد كروز لذكر الدنمارك في منافسته لدونالد ترامب بالقول: "ربما نستيقظ في صباح أحد الأيام وإذ بدونالد في موقع الرئاسة قرر فجأة قصف الدنمارك بقنابل نووية". هيلاري كلينتون لم تخف إعجابها بالدنمارك، لكنها قالت له "إن الولايات المتحدة ليست الدنمارك وعلينا العمل للحد من تجاوزات الرأسمالية".
ثمة حماسة إعلامية عند "اليسار الدنماركي" لمرشح كساندرز يراه هؤلاء يساريا؛ وهو ما ذهب إليه رئيس حزب البديل (الخضر) اليساري أوفه إلبيك، حين صرح للتلفزيون الدنماركي من أمام مبنى الكونغرس بواشنطن: "إن ما يجري وبحسب اعتقادي عملية ترويج رائعة للدنمارك، فساندرز يقوم الآن بتغيير معادلة التفكير بكيفية المشاركة السياسية".

يحتفي الدنماركيون في إعلامهم بهذا التسليط على بلدهم، فرددت بعض الصحف ووسائل الإعلام ما قاله ساندرز عن بلادهم وهو يصرح لتلفزتهم الوطنية: "لدى الدنماركيين الكثير مما يمكن أن يفتخروا به، وفي بلدنا (أميركا) لا يفهم الكثيرون ما وصلتم إليه بالنسبة لنوعية الحياة المتقدمة، وخصوصا لمن هم في سوق العمل وبالنسبة لأطفالكم وكبار السن أعتقد بأنه على الناس أن ينظروا إلى بلدكم كنموذج".

لكن الحكاية ليست ببساطة ما يروى في الإعلام، فجاءت نيويورك ريفيو أوف بوكس عبر 4 آلاف كلمة لتشرح واقع البلاد تشريحا دقيقا مع حكم أقلية يمينية، وتقدم لحزب الشعب المتطرف وسياسات تصل حد التمييز بين الإثنيات وبحق اللاجئين والمهاجرين. استخدم خصوم ساندرز حديثه عن النموذج الدنماركي عبر الإعلام لاتهامه بأنه "اشتراكي".

وسائل إعلام أميركية رفضت "تبني دولة عظمى وكبيرة لنموذج الرفاهية الدنماركي"، بينما رد ساندرز بأن القضية "لا تتعلق بتبني النموذج، أعرف بأننا دولة كبيرة. لكن الهدف هو أن يكون للمواطنين جميعا الحق في العلاج والسكن ورعاية الأطفال بأسعار رخيصة، وحق الوالدين في الحصول على إجازة رعاية عند حصولهما على مولود جديد، وأن تكون هناك رعاية لكبار السن. ما أريده من الدنمارك هو القيم الإنسانية التي جرى التأسيس لها وه ما يمكن التعلم منه".

في زيارته الأخيرة لأميركا راح رئيس وزراء الدنمارك اليميني يحذر وسائل الإعلام الأميركية من أن تردد بأن الدنمارك دولة اشتراكية: "بلادنا بعيدة عن أن تكون دولة اشتراكية". في لقاء مع مراسل التلفزيون الدنماركي بواشنطن بـ"هيو ايكين" صاحب مقالة "الدنمارك الليبرالية القاسية" يشرح الرجل بأن "تكرار اسم الدنمارك إعلاميا وسياسيا في أميركا "يرتبط بفترة مهمة لأوروبا، حيث أن القارة تهتز تحت وقع تدفق اللاجئين، ويبدو أن الاتحاد الأوروبي في سبيله نحو التحلل وتلك قضية كبرى؛ ومن هنا تبدو الدنمارك بقعة سهل التسليط عليها لفهم ما يجري في بقية أوروبا، حيث استطاعت الحفاظ على دولة الرفاهية ومستواها رغم عولمة أزمة اللاجئين".

بحسب ما يقول هيو ايكين لصحيفة بوليتيكن الدنماركية عن هذا التركيز الإعلامي والسياسي على بلادهم في الحملة الانتخابية بأن القضية تتعلق "بتناقض الصورة، فهو بلد يعتبر مثلا أعلى من جهة ومخيفا في الجهة الأخرى. فالنقاش الذي جرى حول اللاجئين كان ولفترة طويلة بنبرة قاسية، وبذات الوقت اختار هذا البلد حلولا تغلق الأبواب بأكبر قدر ممكن، لكن بنفس الوقت التمسك بقوة بنموذج النظام الاجتماعي القائم. فأوروبا كلها تقف الآن في مواجهة البحث عن حلول". ايكين تعرف على الدنمارك بتفاصيل كثيرة منذ اندلاع "أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد" منذ 10 سنوات وقضى أسابيع فيها ليخرج في مقال مطول بانطباع يتفهم كيفية قراءة الأميركيين لبلد إسكندنافي كان البعض يظنه "عاصمة السويد"، وهي قضية "جهل" تسبب إشكالية في المجتمع الأميركي، وفق كثير من الصحافيين الإسكندنافيين والأميركيين الليبراليين.


اقرأ أيضاً: جدل تونسي - ليبي على مواقع التواصل:ليبيا تصدر الإرهاب؟

المساهمون