الخيار المرّ في انتخابات تونس

23 ديسمبر 2014
+ الخط -

انتخب الشعب التونسي يوم 21 ديسمبر/كانون أول 2014، أوّل رئيس جمهوريّة، انتخاباً تعدّديّاً ديمقراطيّاً، بعد ثورة 14يناير/كانون الثاني 2011، التي ثار فيها الشعب التونسي على الاستبداد، وبعد انقضاء فترة الانتقال الديمقراطي التي طالت على التونسيين، وذاقوا في أثنائها الأمرّين. حيث تدهور الاقتصاد وتفاقم الدين الخارجي، وأطلّ الإرهاب برأسه، محاولاً بثّ الرعب في صفوف التونسيين بشكل لم يعهدوه من قبل.
ولعلّ ما يلفت الانتباه في هذه الانتخابات، أنّها وضعت الناخب التونسي، بعد خروج 25 متنافساً من السباق، سواءً بالانسحاب أو بالهزيمة الانتخابية في الدور الأوّل، أمام خيارين أحلاهما مرّ. حيث يجد الناخب التونسي نفسه، اليوم، أمام مرشّحين غير أكفاء لتحقيق طموحاته بعد قيام الثورة التونسية.
فأمّا المرشّح المنصف المرزوقي، وهو الرئيس المنتهية ولايته، فقد أثبت بما يقطع الشكّ باليقين، خلال اعتلائه هرم السلطة ثلاث سنوات، أنّه غير أهل للرئاسة، إذ لم يسع، في حدود صلاحياته، إلى المساهمة في تحقيق الشعار الثوري الثالث، الذي يعنيه باعتباره محسوباً على الثوريين المناضلين ضدّ النظام السابق، وليس على من ساهموا في منظومة الاستبداد. كذلك ساهم في نفور المستثمرين الأشقّاء والأجانب، الذين يحقّقون نسبة مهمّة من القدرة التشغيليّة في البلاد، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة. كما أنّه فشل في تحصين الثورة ضدّ عودة منظومة الاستبداد، وفي استعادة حقوق شهداء الثورة الذين كان قد وعد أهاليهم بها.
أمّا الباجي قائد السبسي، الذي يدنو عمره من سنّ التسعين، والذي تقدّمه وسائل الإعلام المختلفة على أنّه رجل المرحلة، وينتمي إلى المدرسة البورقيبيّة التي بنت تونس الحديثة، وصاحب تجربة طويلة في دواليب السلطة، حيث تقلّد منصب الوزارة في عهد بورقيبة مرّات ورئاسة البرلمان في عهد المخلوع زين العابدين بن علي، ثمّ رئاسة الوزراء بعد قيام الثورة، فهو يعتبر من رجال النظام السابق، ومن الفاعلين الأساسيين في منظومة الاستبداد السابقة. كما أنّه متّهم بتعذيب أنصار المعارض صالح بن يوسف، أيّام تقلّده زمام وزارة الدّاخليّة في ستّينيات القرن الماضي. يضاف إلى ذلك، خذلانه بورقيبة وتنكّره له في عهد بن علي، وعدم زيارته له ولو مرّة في إقامته الجبريّة، بل من دواعي عدم الثقة فيه، أنّه لم يكلّف نفسه حتّى مجرّد حضور جنازة بورقيبة، ونراه فقط يتشبّه به اليوم، ويتقوقع في جلبابه، ويلتفّ بعباءته للتوظيف السياسي لا غير.
وحتّى، إن سلّمنا جدلاً بأنّه رجل دولة، فهو، اليوم، غير قادر على تحمّل عبء ملفّات رئاسة الدولة وفق الدستور الجديد. فكيف، إذن، يسمح له بالعودة للسلطة مرة أخرى؟

 

avata
avata
فتحي الحبّوبي (تونس)
فتحي الحبّوبي (تونس)