الخوف واستغلاله سياسيا

05 يوليو 2015
+ الخط -
كتب الراحل خالد محمد خالد، في أحد مقالاته في أخريات حياته، أنه سيعطي صوته لحسني مبارك في انتخابات الرئاسة. وخالد محمد خالد لا أستطيع اتهامه بمداهنة السلطة أو التربح منها، فهو من الكتاب القلائل أصحاب المواقف في الحقبة الناصرية، فضلاً عن أنه سخر قلمه للدفاع عن الحرية والديموقراطية، منذ صدور كتابه في أواخر الأربعينيات (مواطنون لا رعايا)، وحتى وفاته .
لماذا إذاً يتخذ هذا الموقف؟ أغلب الظن أنه بدافع غريزة الخوف. كيف، وهو صاحب الكلمة الجريئة؟ هذا موضوع آخر، فهو، في النهاية، إنسان شأنه شأن الناس جميعاً، لهم أرواح تشدهم إلى الأعلى، وتدفعهم إلى الطموح والحلم والأمل والتغيير، ولهم غرائز منها الخوف، وحب البقاء، ويزيد من عمق غريزة الخوف البعد الثقافي للشعب، فهناك شعوب موروثها الثقافي يقوم على المغامرة والمخاطرة .فالرئيس الأميركي السابق، بيل كلينتون، يخاطب الشعب الأميركي قبيل انتخابات الرئاسة للفترة الثانية لولايته في كتاب (بين الأمل والتاريخ) (للتاريخ عادة في اختبارنا كأفراد وكأمة، إذ اعتاد أن يطلب منا أن نختار بين آمالنا ومخاوفنا ولقد قدم التاريخ أميركا غالباً، وهي تختار الأمل على الخوف). إنه يُسَّوِق نفسه بهذه اللغة، لأنه يخاطب شعباً تكَّون من مهاجرين مغامرين طموحين، يسعون دائماً للتغيير والمخاطرة من أجل الربح. هذه هي ثقافة مجتمعه .
أما حسني مبارك فحين يقدم نفسه لشعبه يرتكز على ركيزتين أساسيتين: الأولى، أنه صاحب الضربة الجوية الأولى، (يعني بطل وقوي ودكر" .). والثانية، الاستقرار .والاستقرار، هنا ليس المفهوم المستقر في العلوم السياسية، القائم على بناء دولة المؤسسات، والفصل بين السلطات، وسيادة القانون، وإرساء قواعد الحرية والمساواة، والعمل على التنمية والتقدم والبناء.
كلا يا عزيزي، مفهوم الاستقرار المباركي أن مصر لا تكون مثل العراق والصومال وأفغانستان، مفهوم ولغة خطاب تغازل غريزة الخوف، وتدعو الشعب إلي الركون والجمود والسكون، خوفاً من حركة أو تغيير لا تدري إلى أين ستأخذنا. فالشعب تربى زمناً على أن "الحيطان لها ودان" .. " ومن خاف سَلِم " ....
ويستوقفني مثل ريفي عجيب غريب، يقول "امشي سَنَة ولا تعدي قناة".
والقناة عند أهلنا في الريف هي أضيق مجري مائي، بحيث لا يتجاوز عرضها متراً واحداً. يا سلام، يا سلام.
يعني تضيع من وقتك سنة، وتخسر الفرص وتضيع الجهد والوقت، حتى لا تخاطر وتغامر وتعبر قناة.
شيء يفقع المرارة. يعني نفترض أنك وقعت وأنت تقفز فوق القناة. عادي يعني، ستقوم مرة أخرى وتستأنف السير، ومع تكرار التجربة ستحترف القفز. هذه الثقافة تم استغلالها جيداً ممن يريدون بقاء هذه الأمة في حال من الجمود والركود والسكون، أو باللغة العسكرية (الجري في المحل). ومازال وتر الخوف هو الوتر الحساس الذي يعزف عليه قادةٌ لا يمكن بأي حال أن يكونوا أهلاً للقيادة، أو يكون معهم أي أمل في التحرك سوى (للخلف دُر).
avata
avata
محمود صقر (فلسطين)
محمود صقر (فلسطين)
The website encountered an unexpected error. Please try again later.