الخطّ العربي إلى تراجع في العراق

15 يونيو 2019
خطاط شعبي في بغداد (مروان نعماني/ فرانس برس)
+ الخط -

أكثر ما يسعد الخطّاطين، منهم خطّاطو العراق، مشاهدة الكلمات المخطوطة يدوياً بالحرف العربي حيثما وقع نظرهم، وذلك لأنّ الخطوط الإلكترونية المبتدعة، الخاصة بالحرف العربي، راحت تغزو الفضاء العام، لا سيّما في لافتات أسماء المحال والإعلانات وغيرها. بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ الحفاظ على الخطّ العربي باختلافه، في البلاد، جزء لا يتجزأ من عملية الحفاظ على الهوية والتاريخ والثقافة العربية، وهذا ما يجعلهم قلقين إزاء "الضعف" في كتابة الحرف العربي لدى الشباب واليافعين، فيؤكّدون أنّ من شأن ذلك أن يجعل الخطّ العربي "من التاريخ".

ثمّة خطّاطون عراقيون تغمرهم الفرحة حين يطلب منهم شاب أو يافع توضيحاً ما حول الخطوط العربية، وأكثر من ذلك يبدون استعدادهم لتقديم المساعدة من دون أيّ مقابل لمن يرغب في تعلّم الخطّ أو تحسين خطه. الخطّاط أحمد الراوي واحد من هؤلاء، يخبر "العربي الجديد" أنّه ينسخ مجموعة من المقرّرات التي كتبها خصيصاً لمساعدة الناس على تحسين الخط، "ولا أبخل على أيّ شخص يطلب منّي مشورة أو مساعدة أو دروساً لتقوية خطّه بالحرف العربي". ويشير الراوي إلى أنّه "من بين المشكلات التي نتحدّث عنها في لقاءاتنا ومجالسنا نحن الخطّاطين عدم اهتمام الشباب بالخطّ، وهذا أمر لم يكن معتاداً في السابق. لقد كانت الأجيال السابقة من المتعلمين تحرص على أن يكون خطّها جميلاً، والأهل كانوا يصرّون في الغالب على جعل أولادهم يكتبون بخطّ جميل". ويعبّر عن استيائه من "حالات عدّة شهدتها لدى تلاميذ في المرحلة الثانوية، إذ إنّه لم يكن من السهل قراءة خطّهم".

يشير كثيرون من أهالي تلاميذ في المرحلة الابتدائية إلى أنّهم يحاولون مساعدة أبنائهم على النجاح والتفوق، بالتالي لا يهمّهم إذا كان أبناؤهم يكتبون بخطّ سيّئ أم لا. أمّأ آخرون فيؤكدون أنّهم يحاولون مساعدة أبنائهم على تحسين خطّهم في الكتابة، ومن هؤلاء وفاء يعقوب. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها تلتزم بشراء كراريس خاصة لتحسين خطّ أولادها الثلاثة وقد نجحت في ذلك، موضحة أنّهم "يتفوّقون على زملائهم في جمال الخطّ". تضيف: "أدركت في وقت مبكر أنّ المدرسة وحدها لن تعمل على تحسين الخطّ، لذلك اعتمدت على نفسي في هذه المهمة التي أراها ضرورية. في كل دول العالم، ثمّة نظرة مميزة لأصحاب الخطّ الجميل، فجمال الخط يعبّر عن ثقافة الشخص وتحضّره".




حافظ ذنون يوافق وفاء يعقوب في الرأي، لكنّه لم يخصّص هو وزوجته وقتاً لتحسين خطّ أولادهما، أمّا السبب فيعيده إلى "ساعات عملي الطويلة في متجري الخاص بالمواد الكهربائية، وكذلك ارتباط زوجتي بوظيفتها الحكومية". يضيف أنّ "همّي وهمّ زوجتي يتلخّصان بتفوّق أبنائنا. وهو ما حصل بالفعل، إذ إنّهم جميعهم يحصدون علامات نجاح مرتفعة في كلّ عام"، مشيراً إلى أنّ "أصغرهم في السادس الابتدائي وهي مريم، وأكبرهم زيد في عامه الجامعي الثاني". ويلفت ذنون إلى أنّه هو وزوجته يتمتّعان بخطّ جميل في الكتابة، غير أنّ خطوط أبنائنا وبناتنا جمعيهم سيّئة". ويتابع أنّ "المشكلة تكمن في أنّ خطّ كثيرين من المدرّسين الشباب الذين يُعيّنون حديثاً في التعليم، سيّئ، وهذا أمر لم يكن شائعاً في السابق"، شارحاً أنّ "المدرّسين كانوا يتميّزون بخطّ جميل يشجّع التلاميذ على تقليده. وهذا أمر آخر يساعد في صقل خطّ هؤلاء، فيما كانت ثمّة دروس خاصة لتقوية الخطّ تُعتمد في الدراسة، لكنّها ألغيت للأسف".

من جهتهم، لا يأبه تلاميذ وطلاب كثر لجمال خطّهم في حال لا يجيدون الكتابة بخطّ حسن، غير أنّ آخرين يعبّرون عن أسفهم لذلك ويقرّون بأنّه كان يتوجّب عليهم أن يحاولوا تحسين خطّهم بجديّة. فراس حمد (22 عاماً) طالب جامعي يصف بتهكّم خطّه بأنّه "مسماري"، في إشارة إلى الخطّ المسماري الذي كان يعتمده البابليون. ويقرّ الشاب لـ"العربي الجديد": "أُحرجت كثيراً بسبب خطّي، ولعلّ أسوأ موقف كان في عامي الجامعي الأوّل". ويخبر: "أحببتُ زميلة لي، وقبل أن أصارحها بذلك استهزأتْ بخطّي في الكتابة بعدما شاهدت كرّاساً كتبت فيه بعض المقررات، فصرفتُ النظر عن ذلك. فهي كانت قد ضحكت باستهزاء حينها، قائلة إنّه لا بدّ من عودتي إلى مرحلة التعليم الابتدائية". على الرغم من ذلك، لم يتشجّع فراس لتحسين خطّه، قائلاً: "لا أعرف ما الذي يمنعني من ذلك، ربّما لأنّني لم أحبّ الخطّ أو لأنّ أحداً لم يحبّبني به منذ أيام المدرسة الابتدائية".




في السياق، يقول الباحث الاجتماعي نزار الحمداني إنّه "من بين أبرز المشكلات التي تمنع الأجيال الجديدة من تحسين خطّها في الكتابة هو التطوّر السريع الحاصل في التقنيات الحديثة"، شارحاً أنّ "الأطفال واليافعين مولّعون بالأجهزة اللوحية والألعاب الإلكترونية، وهو ما يبعدهم بطريقة أكبر عن القراءة التي تشمل تحسين الخطّ في فوائدها". يضيف الحمداني لـ"العربي الجديد" أنّ "المطالعة تجذب الشخص للخطّ، وبالتالي تساعده في تقليد طريقة كتابة بعض العبارات، فكثرة المطالعة تطبع في الذهن طريقة كتابة الحرف". ويلفت الحمداني إلى أنّ "هذا أمرٌ نفتقده اليوم للأسف الشديد. فالأجهزة الإلكترونية وما تقدّمه من ألعاب وأفلام تشدّ التلاميذ كما الطلاب باختلاف أعمارهم وتبعدهم عن المطالعة (من خارج المنهاج الدراسي) مثلما كانت الحال مع أجيال سبقتهم". ويتابع الحمداني أنّ "مدارس أهلية حديثة كثيرة تعتمد الأجهزة اللوحية في الكتابة والقراءة وتبتعد عن استخدام القلم، وهذا سبب خطير آخر يمنع تعليم التلميذ الخطّ الحسن". أمّا الحلّ في رأيه فهو أن "يركّز ذوو الأطفال على إبعاد أبنائهم عن الأجهزة الحديثة وتحبيبهم بالمطالعة"، مؤكداً أنّ "المكتبات تعجّ بالكتب والمجلات الخاصة بالطفل والتي تشتمل على رسومات تجذب الأطفال إلى قراءة الأحرف والكلمات التي تُكتب بخطّ واضح وملوّن وجميل وجذاب".