الحرب وعُنصريَّةُ الفقرِ

14 فبراير 2017
+ الخط -
يعاني الإنسان اليمنيُّ الأمرَّينِ، ويُصارَعُ بطشهما لهُ بكُلِّ الوسائلِ المُتاحةِ أمامهُ من أجلِ البقاء وإثباتِ الوجود على هذه الأرض.
ديمومةُ الحربِ وعُنصريَّةُ الفقر، هما الأمرَّانِ اللذانِ يذوقُ أساهما ويتجرَّعُ وبالهما الإنسانُ هنا، في أرضٍ كانت موصوفةً بسعادتها، وخصوبةِ أرضها، وحِكمةِ أهلها ... إلى آخر ذلك من أدبياتِ العرب واليونان، وما ذكرهُ المؤرخون عن اليمن الحزين البائس غير السعيد، كما عرَّفوهُ وبما كان يُعرَف، لتتلاشى الإنسانية بخفوتٍ وضمورٍ شديدين، ولتُصبحَ بعدها في محِلِّ غائبٍ لا رجعةَ فيه.
أحمدُ شابٌ يمني في مقتبلِ العمر، يكفُلُ أسرتهُ المُكوَّنةَ من خمسةِ إخوةٍ وأُختين مع والدته المُسنَّة، بعد أن دمَّرتْ الحرب منزلهم الكائنَ في إحدى مناطق محافظة صنعاء المحيطة بأمانة العاصمة، وذلك قبل ثمانية أشهر من الآن.
جاء في تقريرِ إحصائيٍ نشرتهُ منظمةُ بيت الحُرية للدفاع عن الحقوق والحريات، قبل شهرين بأنَّ أكثر من مئةٍ وأحد عشر تجمّعا سُكانيا قصفتها طائرات التحالف السعودي العربي، نالت العاصمة صنعاء منها نصيب الأسد، حيث قُصفَ فيها ما يقارب تسعةً وسبعين تجمّعا سكانياً، بالإضافة إلى مئتين وسبع عشرة (217) منزلاً في العاصمة تمّ تدميرها على ساكنيها، ناهيك عن عمليات القصف الجديدة التي لم يتضمنها التقرير.
صار أحمدُ يبحث عن ملجأٍ أو كوخٍ يأوي إليهِ مع أسرتهِ، وأصبح العائلَ الوحيد لأمِّهِ وإخوانه، والفارسَ الذي يترجونَ على يديهِ الإنقاذ.
وبعد التنقُّل من مكانٍ إلى آخر، يُفتش فيه عن مأوًى يحفظهم من شمسِ البؤسِ الحارقة وظُلمةِ الجَورِ الحالكة، هجروا أنقاضهم وحيَّهم الذي ترعرعوا فيه وعاشوا فيه مُنذ ولادتهم، وتركوا مرغومين مسقطَ رأسهم الذي أضحى رُكامًا، ليرحلوا إلى منطقةٍ بعيدةٍ نسبيا عنه، إذ يقبعُ في إحدى المحافظات الأخرى، محافظة ذما، بمنطقةِ (معبر)، وذلك لقربها من عمله الجديد الذي سيُعينه على أن يكفلَ أسرته ويسدُّ الفجوتين: تدمير منزله ورحيل والده.
وفي أحدث تقريرٍ لمنظمة هيومان رايتس ووتش، تلقي باللوم فيه على الأطراف المشاركة في الحرب في اليمن كلها من دون استثناء، إذ أوغلت هذه الأطراف في تعنتها في حرب معقدة لا يهتم لأمرها كثيرون.
أصبحت المناطق المجاورة للعاصمة والبعيدة عن أماكن القصف ومناطق الحرب بشكل عام ملجأً للعديد من الأسر النازحة من محافظات مختلفة طِبقًا لإحصائياتٍ صادرةٍ عن بعض منظمات المجتمع المدني المحلية، فعلى سبيل المثال يذكر مسؤول الشؤون الاجتماعية بمديرية بني الحارث المجاورة والتابعة لأمانة العاصمة، أنَّ هنالك أكثر من ثمانية عشر ألف أسرةٍ نازحةٍ تسكن المنطقة، وأوضح أنها توافدت إلى المنطقة خلال السنتين الماضيتين جرّاء الحرب المستمرة بمناطق مختلفة في الجمهورية اليمنية حتى اللخظةِ.
الحصيلةُ والناتج في هذه البؤرة المفزعة نحو أكثر من عشرة آلاف، ونحو أكثر من أربعين ألفَ جريح إلى جانب مئات الآلاف من المشردين والنازحين، وذلك بالاستناد إلى آخر تقديرٍ أمميٍ عن الحرب في اليمن.
ليحُثَّ أحمدُ في الأخير غيرهُ من البائسين على الإصرار والتفاؤل أيًا كان نوع الخصم (الحرب وديمومتها، الفقر وعنصريته) بقوله: سأُكافحُ من أجلِ البقاء.
0B6DDFF2-3E33-46CF-B12A-A7DD268CDE41
0B6DDFF2-3E33-46CF-B12A-A7DD268CDE41
منيرمحمد العمري (اليمن)
منيرمحمد العمري (اليمن)