الحرب الكلامية في الجزائر: انقلاب 1992 بلسان الجنرالات

الحرب الكلامية في الجزائر: انقلاب 1992 بلسان الجنرالات

16 يناير 2016
قانون أقره بوتفليقة منع فتح ملفات الأزمة(فايز نوالدين/فرانس برس)
+ الخط -
يعود ملف الأزمة التي عاشتها الجزائر في عام 1992 بقوة إلى الساحة الجزائرية، مع تبادل جنرالات الجيش الذين كانوا في موقع المسؤولية في تلك الفترة، الاتهامات حول ما جرى في يناير/كانون الثاني منذ ذلك العام، من إلغاء للمسار الانتخابي في البلاد بعد فوز الجبهة الإسلامية في الجولة الأولى من الانتخابات.

لم تمر بهدوء التصريحات التي أطلقها القائد السابق للجيش الجزائري، الجنرال خالد نزار، المهندس الرئيسي للانقلاب الذي أوقف المسار الانتخابي في 11 يناير/كانون الثاني 1992، إذ تبعتها تصريحات مضادة أطلقها الجنرال محمد بتشين، وهو المسؤول الأسبق عن جهاز الأمن والاستعلام (الاستخبارات) في مرحلة حكم الرئيس السابق، اليمين زروال، والمسؤول الأول عن الملف الأمني قبيل انقلاب الجيش في يناير/كانون الثاني 1992، وفاعل عسكري أساسي في تلك الفترة.

ويرى متابعون للشأن السياسي في الجزائر أن تلك الفترة تشوبها ضبابية في الحقائق، وأن بقاء بعض الملفات محجوزة في الأدراج لا يخدم مستقبل البلاد، مشيرين إلى أن الكشف عن تفاصيل جديدة تتصل بالوضع والظروف التي شهدتها البلاد في التسعينيات يُعدّ خطوة إيجابية، لأنها "تؤرخ لمرحلة شهدتها الجزائر على الرغم من مآسيها وضحاياها الذين تجاوز عددهم الـ200 ألف، وأُطلق عليها مرحلة المأساة الوطنية" أو "العشرية السوداء". وتكشف تصريحات الفاعلين العسكريين في تلك الفترة وخصوصاً الجنرالين السابقين نزار وبتشين، عن حقائق مهمة، وتزيح الغبار عن ملفات شائكة لكبار العسكر في الجزائر والفاعلين في جهاز الجيش الجزائري.

غير أن أصواتاً أخرى ترى أن طرح الجنرالات السابقين لعدد من الملفات الساخنة على الرأي العام الجزائري في هذه المرحلة الحادة، من شأنه إعادة فتح جراح سنوات التسعينيات في الجزائر ومحاولة لترسيخ الفتنة وخلق فتنة جديدة وإثارة مشاكل في الجزائر، عبر فتح ملفات من قبيل ملف المفقودين خلال الأزمة الأمنية والذين وصل عددهم إلى ثمانية آلاف مفقود، وكشف الحقائق المتصلة بالمفاوضات بين الجيش و"الجبهة الاسلامية للإنقاذ" المنحلة، والتي قال عنها الجنرال بتشين إن هناك أطرافاً أفسدت المفاوضات ودفعت بالبلاد نحو الهاوية، وهو ما نفاه الجنرال نزار.

اقرأ أيضاً: 24 عاماً على انقلاب الجزائر: مسيرة الدم والمصالحة

يشير الناشط السياسي عبد الوكيل بلام، إلى أن مناسبة الحادي عشر من شهر يناير/كانون الثاني من كل عام، تعيد إحياء الجدل حول "انقلاب عسكري عمره ربع قرن"، إلا أنه يلفت في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن هذا الجدل أخذ هذه السنة بُعداً آخر ومساراً آخر ومنحى أكبر من حيث طبيعة التصريحات ونوعية المصرّحين. ويرى أن الجديد في التلاسن الجديد القديم هذا العام، تمخّض عنه إخراج بعض الملفات المستترة إلى العلن، حيث دارت تصريحات نزار حول تكذيبه لأقوال الزعيم التاريخي الراحل حسين آيت أحمد حول عرض الرئاسة عليه، وكذلك ملف فض اعتصامات يونيو/حزيران 1991 وما ترتب عنه من قتلى، إضافة إلى ملف تعذيب المتظاهرين.

ويعتبر بلام أن "اللافت للانتباه في هذا الصخب هو توجيه سهام الاتهام من قِبل الجنرال نزار إلى رئيس الحكومة الأسبق، مولود حمروش، في مقابل دفاع الجنرال بتشين عنه"، لافتاً إلى أن "بعض التحليلات تقول إن هناك محاولة لتشويه صورة حمروش، قد تكون لها صلة بالأخبار التي تحدثت عن احتمال اتفاق بعض الأطراف النافذة في النظام الجزائري حوله كمرشح إجماع يُمكن أن يُخرج البلد من الانسداد الحاصل بين معارضة تطالب بانتقال ديمقراطي، وسلطة تتعنت، وسط بحث عن طرق لتسيير المرحلة المقبلة".

يُذكر أن قانون السلم والمصالحة الوطنية، الذي أقره الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وعرضه في استفتاء في الجزائر عام 2005، قد أقر تدابير تنصّ على عدم "تقليب المواجع" (إعادة تحريك الخلافات) للفترة الأمنية التي شهدتها الجزائر. وتضمّن القانون مادة تحظّر إعادة فتح ملفات الأزمة الأمنية في سياقها السياسي، وتُغلق الباب أمام أية دعاوٍ قضائية أو اتهامات أو إعادة فتح ملفات لها صلة بآثار الأزمة أو حقائق يمكن أن تعيد فتح الجرح الذي لم يندمل بعد.

وفي هذا السياق، كانت السلطات قد سارعت إلى وقف بث قناة تلفزيونية محلية، بسبب عرضها حواراً مع القائد السابق لـ"الجيش الإسلامي للإنقاذ" مدني مزراق، تطرّق فيه إلى بعض القضايا والأحداث المرتبطة بالأزمة. لكنها لم تبادر في المقابل إلى ما يمكن أن يوقف تبادل الاتهامات بين عسكر يناير/كانون الثاني 1992، خصوصاً أن هذه الاتهامات بدأت تأخذ حيزاً واسعاً، وتتطرق إلى ملفات كانت تُصنف في الفترة السابقة ضمن الملفات المحظورة إعلامياً وسياسياً.

ويبدو أن جنرالات العسكر الذين قادوا انقلاب 1992، يحاولون عبر موجة التصريحات والتصريحات المتبادلة، تبرئة ذمتهم من نتائج الأزمة الأمنية التي عاشتها الجزائر، وهي تصريحات نابعة من خوف قيادات الجيش في تلك الفترة من فتح ملفاتهم القديمة التي قد تترتب عنها محاكمتهم، في ظل المحاكمات التي طالت بعض قادة الجيش في التسعينيات، ومحاولة النظام الحصول على صك براءة لتدشين عهد جديد والاستمرار في الحكم بالمرحلة المقبلة.

اقرأ أيضاً: بوتفليقة ينقل مسودة الدستور الجديد إلى المجلس الدستوري

المساهمون