الحذاء والسلطة...

الحذاء والسلطة...

17 ديسمبر 2017
+ الخط -
جرى قبل أسابيع تمرّدٌ عفويٌّ محدودُ الزمن، واسعُ الطّيف، في حيّ السلم اللبناني، فتحوا خلال دقائقه القليلة ملفات مليشيا حزب الله أمام الكاميرات.
ليس عاديّاً أن يُهاجم الحزب من معقله ومن حاضنته الشعبية، ولم يكن أمين عام الحزب، حسن نصر الله، نفسه لم يكن يتوقع أن يتجرّأ سائق التكسي اللبناني، علي شمص، ويقول له بنبرةٍ قاسية: "يا سيد، حاجة تبعت شباب الحزب تقاتل بسورية...".
مشهدٌ آخر لسيّدة تشرح للكاميرا كيف يعاملُ بعض مسؤولي الحزب زوجات "الشهداء".
ما حصل في الحي ليس ثورة، بل فورة غضب، دعونا نعتبرها زلّة لسان، ألم يجزُم عالم النفس، سيغموند فرويد، بأنَّ زلّات اللسان من مصادر كشف الحقيقة باعتبارها خللا إجرائيا يحدث حين يطيح اللاوعي الوعي المحكوم قسراً؟ لكن ما هو السبب في حصول زلّة لسانٍ تودي بلسان صاحبها في أحسن الأحوال وأرحمِها؟
الخللُ الإجرائيُّ كان بسبب تغاضي حزب الله أو تعاونه مع البلدية والأجهزة الأمنية اللبنانية في إزالة المخالفات من الحي. المخالفات كانت أكشاكا، وبسطات، تشكّل لأصحابها "باب رزق" وحيد، وهي بمنأى عن البلدية وجرافاتها وقراراتها، كون الأهالي دفعوا أبناءهم إلى الانخراط في صفوف الحزب، وعادوا في توابيته، مقابل التغاضي عنهم وحمايتهم.
كان الثمنُ بخساً كما عبّرت زلات الألسن التي استحضرت كلَّ ممارسات الإذلال والاستلاب والعبودية الممارسة بحقّهم من قبل سماحة السيّد ومريديه.
كسوريين ذاقوا الأمرّين من كلّ العصابات والقتلة المأجورين بمن فيهم حزب الله، نطرحُ سؤالاً على أهالي الضاحية الجنوبية، الذين توجّعوا حدَّ البكاء والفجيعة وحدّ زلات اللسان المميتة، ونقول لهم: لم يدمّر الحزب بيوتكم فوق رؤوسكم وأطفالكم، ولم يشردكم في بلادٍ أهانتكم، ولم يستحلّ بيوتكم في حين لم تجدوا بدّاً من الخيام الحقيرة وكراتين الإغاثة، لم يقطّع أوصالكم، ورغم ذلك فاضت بكم الكأس وبحتم بما بحتم به.
ماذا عن السوري المذبوح قرباناً للحسين؟ جعل النائب عن حزب الله، علي عمار، حذاء سيّده حسن نصرالله مركبةً فضائية توفّر لمقبّلها رحلةً مجانيةً من الناسوت (العالم الدنيوي) إلى الملكوت (عالم الغيب).
علي عمار، كرجل دين ومسؤول في الحزب بالغ في تمجيد نصرالله. وقبل أشهر، خرجت الفنانة السورية أنطوانيت نجيب على قناة الجديد اللبنانية، وعبرت عن حبها وشغفها بالبوط العسكري لقوات الأسد، حتى قالت: "بحطوا فوق راسي".
سألها مقدم البرنامج وماذا عن "بوط حزب الله"، أجابت على الرحب والسعة، جمهور الفنانة القديرة غضبوا لكرامتها لكن هي أشياء تباع وتشترى.
القصّة ذاتها حصلت في وقت سابق مع الفنان زهير عبد الكريم الذي قبّل حذاء أحد شبيحة الأسد، ثمّ شرح على شاشة تلفزيون الأسد أيضاً كيف صار هذا الحذاء رمزاً للوطن، شأنه شأن الأسد.
وبالعودة إلى أبناء حي السلم، نجدُ مقاطع فيديو توثّق اعتذارهم من "غبرة صباط السيّد". الشاتمون والفاضحون واللاعنون له، أُجبروا على الاعتذار.
لا أدري لماذا تذكّرت حين رأيت مقاطع الفيديو تلك، مشهداً سورياً لشبيحة الأسد يحيطون بمدنيين عُزّل، شيباً وشباناً ونساءً وأطفالا، كلّهم يهتفون "بالروح بالدم نفديك يا بشار"، ويحملون صوره، في حين تبكي قلوبهم على أولادهم القتلى بأمر بشار.
165B0B66-588A-49C9-AE3E-C6205413CAF9
165B0B66-588A-49C9-AE3E-C6205413CAF9
أحمد عليّان (سورية)
أحمد عليّان (سورية)