الجنّة الأخرى.. من التهريب إلى "داعش"

13 نوفمبر 2014
يكبر رعب المغاربة القادم من "أرض الشام" (أ.ف.ب)
+ الخط -

تتشابه مصائر "مغاربة داعش" أو "الدواعش المغاربة"، مع غيرهم من جنسيات عربية وغير عربية اختاروا أن يلتقوا هناك في "الشام"، أولاً، ثم في العراق استجابة لما سمّوه "نداء النفير العام لأرض الشام لمَن يقدر". شعار الثورة السورية في بدايتها، الذي بحّت حناجر السوريين الذين خرجوا إلى شوارع درعا وحلب وهم يرددونه بعد قمع شديد ووجهت به مسيراتهم: "يا الله ما لنا غيرك يا الله"، ظل صداه يتردد على أسماع الملتحقين المفترضين بسورية، كما يقول أحد هؤلاء المغاربة الذين اختاروا أن يلتحقوا بـ"أرض الشام"، التسمية الأثيرة لهؤلاء، مضيفاً: "وقد ساهمت مقاطع الفيديو التي تظهر معاناة الشعب العربي السوري من التعذيب والإساءة والاغتصاب وحرق للأحياء وإجبار الناس على الشرك من زبانية الأسد وشبيحته، في تبديد ترددي في الالتحاق بأرض الشام".

منهم مَن بيّت النيّة على أن مقصده في سورية تنظيم "داعش" دون غيره. "داعش" الإسم الذي لا يرضونه بديلاً عن "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، قبل أن يعلنها البغدادي خلافة وينصّب نفسه أميراً لمؤمنيها. كما في حالة جواد الجازولي ذي العشرين عاماً من مدينة الفنيدق، أقصى شمالي المغرب، على الحدود مع سبتة التي تسيطر عليها إسبانيا.

إذا كانت مصائر "الدواعش" الشباب العرب تتشابه، فإن بداياتهم ليست كذلك. في أقصى شمال المغرب حيث الساحل المطل على الضفة الأخرى من الأطلسي، وحيث أوروبا على بعد أقل من 20 كلم، وعلى غير عادة أبناء المنطقة الذين كانت الضفة الشمالية "جنتهم"، اختار عدد من الشباب المغاربة الالتحاق بـ"داعش" والبحث عن "جنة" أخرى في أرض "الشام". اشتهر شباب هذه المنطقة المجاورة لمدينة سبتة المحتلة، بل وحتى نساؤها وشاباتها، بالعمل في مجال تهريب السلع والبضائع بين الفنيدق وسبتة، مستفيدين من سهولة الدخول إلى هذه المدينة الواقعة تحت السيطرة الإسبانية منذ 1580 والتي يصفها المغاربة بالمحتلة. فيكفي أن تكون من أبناء المنطقة وحاملاً لجواز سفر فقط للدخول إليها. وضع استغله شباب مدينة الفنيدق والمدن المغربية المجاورة لها للعمل في "التهريب".

من هنا مر الكثير من الشباب الذين التحقوا بـ"داعش"، والذين يقدّر عددهم بـ120 شاباً معظمهم عازبون أو حديثو عهد بالزواج، بوظائف محدودة الدخل وشبه مستقرة، فجواد الجازولي مثلاً كان يتلقى 20 درهماً في اليوم من عمله كمساعد تاجر، لكن بعضهم كان وضعه أمْيَل إلى الثراء كفؤاد الحدوشي ومصطفى أوشن وغيرهما. مدينة الفنيدق الصغيرة المعروف شبابها بامتهان التهريب، أهدت "داعش" قائد كتيبة اسمه عبد العزيز المجدالي.

ويعتقد أن مغاربة، مقيمين في سبتة أو في إسبانيا، جرى توقيفهم، كان لهم تأثير في "تجنيد" شباب الفنيدق وإرسالهم نحو سورية، بينهم مصطفى ناصر، الذي كان يعمل في سبتة، وأيوب الشعيري الرحوي، وعمر الشعيري الصلعي وغيرهم، وذلك لسهولة اللقاء بهم سواء في الفنيدق أو سبتة أو حتى إسبانيا.

منذ اندلاع المواجهات المسلحة في سورية، والمغاربة يتناقلون باندهاش أسماء وصور شباب مغاربة إما يسقطون صرعى، أو يتباهون في فيديوهات على الانترنت بـ"حصيلتهم" ممّا يعتبرونه "جهاداً" في أرض تبعد عن بلادهم آلاف الكيلومترات. بل منهم مَن يتوعّد صراحة بلاده، المغرب، في حال رجوعهم بالويل والثبور، ويتوعّد الأشخاص والمؤسسات.

فيديوهات "مغاربة داعش" تتوارد ومعها يكبر رعب المغاربة القادم من "أرض الشام"، ومعها تتناسل الأسئلة كيف استطاع هؤلاء المغاربة الوصول إلى "دولة البغدادي"؟

قبل أقل من شهرين، أقرّت الحكومة المغربية تعديلاً في قانون الإرهاب والقانون الجنائي المغربي، يعاقب بموجبه على الالتحاق أو محاولة الالتحاق بمعسكرات التدريب بـ"بؤر التوتر الإرهابية"، أو تلقي تدريبات داخل المغرب أو خارجها، بقصد القيام بأحد الافعال الارهابية، بعقوبة تصل إلى 15 سنة سجناً.

مشروع القانون الآن في البرلمان لمناقشته والتصويت عليه، وحكايات الشباب، "مغاربة داعش"، ما زالت تتوارد على المغاربة في الصحف وفيديوهات تثير الرعب والتساؤل عن كيفية تحوّل شباب مغاربة يصارعون الزمن من أجل لقمة عيش ولو كانت هي التهريب، إلى قادة كتائب وجنود في محرقة كبرى في "أرض الشام"؟

المساهمون