الجزائر: لا تعريب ولا تغريب

03 نوفمبر 2016
(محمد بوزورجي / إيران)
+ الخط -

أعادت تعليمة الوزير الجزائري الأوّل، التي تدعو المسؤولين إلى التقليل من عادة التحدّث باللغة الفرنسية، واستخدام اللغة العربية في المراسلات، خلال رده على سؤال شفهي في البرلمان الجزائري، إلى الواجهة قضية المواجهة بين ما يعرف بأنصار "التعريب" وأنصار "التغريب".

تعود جذور هذا الصراع النخبوي إلى بدايات الاستقلال، حيث تواجه أنصار التوجّهين خاصة في الجامعات، لاعتبارات سياسوية في الأساس. في مقابل ذلك حاول أحد التيّارات التركيز على الهوية الجزائرية في التعليم، ورفع شعار الثورة الاشتراكية المعروف: "لا شرقية ولا غربية".

لا شك أن الوقت قد حان في الجزائر للانفتاح على العلوم التي يتمّ إنتاجها باللغة الإنكليزية، وينبغي اليوم أن ننفتح على الإنكليزية لأسباب علمية بحتة، وإن اعتدنا في الجزائر على المرور عبر لغة وسيطة، وهي الفرنسية، للوصول إلى نظريات وعلوم أنتجت بالإنكليزية، وهذا لعدّة أسباب موضوعية، ولكن تلك الأسباب الموضوعية صارت من الماضي الآن وبالإمكان تغيير الوضع.

أضرب مثالًا بمراجع كبيرة في الاقتصاد؛ الكثير منا اطلع على كتابات كارل ماركس وجونكاينس وآدم سميث ودافيد ريكاردو، عبر مراجع باللغة الفرنسية، ولكن قراءة هذه المؤلّفات بلغتها الأصلية يعطي لمفهوم ما رد فيها عمقًا آخر.

أظن أن الأمر ينطبق على أغلبية العلوم المادية والتجريبية، ينبغي أن نتخلّص من لغة الوسيط عندما تصدر نظريات باللغة الإنكليزية، ويجدر بنا الاطلاع عليها بلغتها، وكذلك الأمر عندما تُطرح بحوث ونظريات جديدة باللغة الفرنسية.

النظر للأمر من زاوية أخرى قد يساهم في تخفيف هذا التوتر، فكثير من معارضي استخدام اللغة الفرنسية يرون في ذلك وسيلة للمعارضة والانتقام من فرنسا الاستعمارية، ولكن، إذا ما نظرنا لواقع الأمور بشكل برغماتي، فإن الفرنسية لغة عالمية مثل الإنكليزية وإن كانت ليست في مستواها، وتعلّم لغة قوم يعني الاستفادة من كل إنتاجاتهم المعرفية والأدبية.

المشكلة تبدأ حينما نكتفي بالفرنسية فحسب، على حساب لغة عالمية أخرى هي الإنكليزية، أو حينما نقارن بينهما. فلا الفرنسية لغة الشياطين، ولا الإنكليزية لغة الملائكة؛ فهي لغة دول إمبريالية في النهاية للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى.

ليس من صالح المشروع التنموي في الجزائر أن نفسح المجال للخطاب الشعبوي، ينبغي العمل على الاستفادة من العلوم بكلتا اللغتين واستخدام الترجمة كوسيلة للتنمية، مثلما اعتمدت الحضارة الإسلامية في العصر العباسي على ترجمة المؤلّفات الفارسية واليونانية والهندية، وهذا في انتظار أن نعود لصناعة العلم بلغتنا العربية ولمَ لا الأمازيغية في المستقبل القريب؟.

المساهمون