الجرائم في الدراما:من اين أتى هؤلاء القتلة؟

10 يونيو 2016
منى زكي في "أفراح القبة" (الشركة المنتجة)
+ الخط -
فوجئ المشاهدون مع بدء متابعة الحلقات الأولى من مسلسلات رمضان بجرائم القتل المتكررة في أكثر من عمل، شكلت لغزاً بالنسبة للمشاهدين، لغزاً سيستند إليه المخرج، للحبكة المفترضة التي ستقوم عليها القصة مدة 30 حلقة والبحث عن إجابة "من القاتل؟"، وأحياناً أخرى كجريمة تحدث أمامنا ويقوم عليها جزء من خيط الأحداث أو تفصيلة نعرفها عن الشخصية الرئيسية.

مسلسلات "الميزان" و"الخروج" و"سقوط حر" و"جريمة شغف، كلها تبدأ بالجريمة.
الميزان، جريمة قتل فنانة، وزوجة سياسي مشهور في بيته واتهامه بقتلها، لأسباب مجهولة في حين ينفي هو ذلك، لتبدأ الأحداث، وسط ذهول الممثلين، وضعف الأداء.
ومن المشهد الأول لمسلسل "الخروج" يُستدعى مُقدم في المباحث الجنائية، للتحقيق في جريمة قتل جرت في قاعة فنون تشكيلية بوسط البلد، أما سقوط حر فتبدأ أحداثه أيضاً بعثور المباحث على جثة رجل وأخت زوجته، في غرفة النوم، وفي نفس موقع الجريمة تجلس الزوجة وبجانبها السلاح في حالة صدمة نفسية، وكل الدلائل تذهب باتجاه الزوجة التي تُنقل إلى مصح نفسي بعد أن فقدت النطق، لتبدأ مرحلة علاج ما بعد الصدمة النفسية ، ويُصار إلى التحقيق ومعرفة أسباب الجريمة المتهمة بها.

أما في مسلسل "جريمة شغف"، فتبدأ المشاهد الأولى مع أوس (قصي خولي) زير النساء، الذي يجد نفسه محاصراً بجريمة حصلت أمامه وهو هارب من منزل عشيقته، صدفة، وتبدأ الأحداث دون ترابط، مقنع، أو مبرر لهروب خولي إلى القاهرة، بحثاً عن ملجأ آمن، بعد أن تتهم والدة المقتول زوجته (نادين الراسي) بمقتل ولدها وتدّعي عليها أمام النيابة، فيما تنكر الزوجة التهمة وتؤكد أن زوجها أطلق النار على نفسه.

في الجهة المقابلة، تقوم بطلة مسلسل "فوق مستوى الشبهات" في نهاية الحلقة بقتل الطبيب النفسي، والذي يعالج شقيقتها، لأنه يعرف الكثير من أسرارها الشخصية، وفي مسلسل "يونس ولد فضة" تحدث جريمتي قتل لبداية خيط الأحداث، وفي "أفراح القبة" تتحدث الشخصيات عن جريمة قتل حدثت لبطلة المسلسل "تحية" وأن هناك لغزاً مرتبطاً بموتها. وكذلك يجد عمرو يوسف نفسه في مأزق في مسلسل "غراند أوتيل" الذي يصله باحثاً عن شقيقته العاملة في الفندق والتي يتبين لاحقاً أنها قتلت لأسباب سيحاول شقيقها اكتشافها داخل أروقة الفندق الفخم الذي تديره عائلة حفظي.

كل ذلك، يطرح علامات استفهام، وأسئلة حول الأسباب التي تدفع الكتّاب إلى دخول عالم الدراما من باب الجرائم، والقتل، كبنية أساسية في الأعمال الدرامية لهذا الموسم، وكيفية تحول الجريمة إلى الحصان الرابح والقاعدة الحماسية المفضلة للمسلسلات؟ وتراجع في المقابل للأشكال الاجتماعية أو الكوميدية الأخرى للدراما الرمضانية المعتادة؟
هناك أكثر من سبب يمكن النظر إليه، كمبرر لهذا الانفجار الدموي على شاشات التلفزيون في رمضان، أولها هو تغير المزاج العام للمتفرجين عما كان عليه قبل سنوات طويلة، تغير يبدو واضحاً في الأفلام السينمائية، والميل للألغاز والحبكات المشابهة لدراما هوليوود، نفس الأمر يحدث هنا.. حيث لم تعد شريحة المتفرجين هي (الأسرة المتجمعة حول التلفزيون) كي تشاهد "ليالي الحلمية" أو "المال والبنون" أو غيرها من أعمال الدراما الاجتماعية ذات النجاح الساحق قديماً، بقدر ما أصبحت الشريحة المستهدفة أكثر شباباً (على اليوتيوب ومواقع المشاهدة؟)، وأصبح التعامل نفسه مع عنصر فردي (الشاب الذي يشاهد الحلقة على الإنترنت وسيغلقها حالاً إن لم تعجبه) بعيداً عن اجتماع الأسرة في سهرة واحدة، وبالتالي فعنصر (التشويق والجذب) هو الأساس، ومن بين أكثر من 30 مسلسلاً.. ما هو الجاذب للاهتمام أكثر من جريمة قتل؟


السبب الثاني هو أن عدداً كبيراً من المسلسلات الناجحة في السنوات الأخيرة بدأت بجريمة قتل وغموض، مثل مسلسلات الكاتب محمد أمين راضي مثلاً، في "نيران صديقة" أو "السبع وصايا" أو "العهد".. دائماً ما تحمل الحلقة الأولى جريمة قتل كبرى وصادمة، كذلك المسلسل الناجح جداً بتناول اجتماعي ودرامي ذكي مثل "موجة حارة" بدأت حلقته الأولى بجريمة قتل لم تعد مهمة بعد ذلك، ولكنها فتحت الباب لجذب المتفرج، وكذلك "الكابوس" في العام الماضي، لغادة عبد الرازق التي تفقد ابنها في ظروف غامضة قامت عليه أحداث المسلسل، لشهر كامل، وغيرها من الأعمال، لذلك ومع تكرار النجاح في مسلسل أو إثنين في كل موسم.. يتحول النجاح، إلى ظاهرة واضحة في أكثر من عمل درامي، ستشغل بال المشاهدين طوال فترة الشهر الفضيل، ولو اختلفت مجريات الأحداث بين مسلسل وآخر.

السبب الثالث له علاقة بطبيعة المُنتج والمتلقي للدراما التلفزيونية حالياً، أغلب كتاب الجيل الجديد من منتجي الدراما هم شباب، يحتكمون بالعالم المفتوح، خارجياً وداخلياً، ونسبة كبيرة من المتلقين كذلك، ولهذا ومع وجود مسلسلات عالمية ناجحة جداً (أشهرها وأهمها Game of Thrones بالطبع) تقوم على محو الخط الفاصل بين الخير والشر، وجعل كل الأشخاص عرضة للموت، والاعتماد بشكل أساسي على العنف والجريمة والمفاجأة في كل حلقة تقريباً.. فإن لذلك أثره المؤكد على الحكايات والفرضيات الدرامية التي يصنعها كتاب المسلسلات في عوالمهم.
نتيجة لهذه الأسباب، وربما أسباب أخرى على صلة بالمزاج العام العنيف في مصر بعد ثورة يناير وما تلاها، فقد نشأ كل هؤلاء القتلة واحتلوا الحلقات الأولى من مسلسلات رمضان.
المساهمون