الجدار المصري: فصول في حصار غزة

21 يوليو 2014
بحر غزة (تصوير: "احتفالية فلسطين للأدب")
+ الخط -

ظلت غزة تحت الحصار بدرجة أو بأخرى منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في خريف عام 2000، إلا أن إسرائيل وحلفاءها قاموا بفرض حظر على الاستيراد بعد فوز حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في عام 2006. وقد تم تشديد هذا الحظر بدرجة كبيرة في يونيو من عام 2007، بعد انتزاع مقاتلي حماس قيادة الجهاز الأمني والإداري للسلطة الفلسطينية في غزة من الموالين من فصيل فتح المنافس.

إن حصار غزة لن يكون ممكناً بدون التعاون المصري. قامت إدارة بوش، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة عام 2005، برعاية اتفاقية يتم بموجبها اشتراك مصر والحرس الرئاسي للسلطة الفلسطينية في مراقبة معبر رفح، الذي يمثل البوابة الوحيدة التي لا تقع على الحدود "الإسرائيلية" لغزة، إلا أن مصر والسلطة الفلسطينية استمرتا على أرض الواقع في تقبل تحكم إسرائيل في المعبر عن بعد عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.

قامت السلطة المصرية بإغلاق معبر رفح عند قيام حماس بعزل الحرس الرئاسي في عام 2007، زاعمة أنها لا تستطيع فرض تنفيذ اتفاقية غاب أحد طرفيها، ولم تقم بفتحه منذ ذلك الحين إلا بصورة متقطعة.

وفي يناير من عام 2008 قام مجاهدون من حماس بتفجير جزء من الجدار القائم منذ زمن فوق الأرض على طول الحدود بين مصر وغزة، وتدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى بلدة رفح. واندفع سكان غزة في نوبة تسوّق مرحة لمدة أحد عشر يوماً تاركين رفوف المتاجر عارية، إلى أن تمكنت السلطات المصرية من إغلاق الحدود ثانية.

خلافا لذلك، استطاع أهل غزة تحمل الحصار بفضل الأنفاق التي يقوم الفلسطينيون عبرها بتهريب الطعام والسجائر والوقود و- كما يُزعم- المخدرات والأموال والأسلحة. وبحسب مدير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فإن ستين بالمائة من اقتصاد غزة يعتمد على الأنفاق.

الغاية من بناء السلطة المصرية للجدار الجديد هي قطع شرايين الحياة تحت الأرضية. وقد ذكر خبير بناء الجدار للمرة الأولى في صحيفة هآرتس الإسرائيلية في مقال أورد أن طول الجدار سيزيد عن خمسة أميال، وسيتم دفع ألواح فولاذية إلى عمق مائة قدم تحت الأرض. وهناك مزاعم بأنه سيتم توصيل الحاجز بأنابيب تضخ مياه البحر لتغطي الأرض على طول الحدود مما يجعل الأنفاق عرضة للانهيار.

وقد برر المسؤولون المصريون بناء ما يفضلون تسميته بـ"الإنشاءات" أو "التعزيزات" الهندسية بسوق حجة تتعلق بالأمن القومي، وهي أن مصر كدولة سيادية من حقها ومن واجبها كذلك أن تحمي حدودها. وعند ظهوره على التلفاز الوطني، ضرب وزير الداخلية حبيب العدلي مثالاً على ذلك بالمواطن البسيط الذي يتساءل قائلاً: "هل أترك باب بيتي مفتوحاً طوال الليل بينما أطفالي وزوجتي بالداخل؟ أين حسي الوطني إذن، أين إخلاصي لبيتي؟"

تتهم الصحافة المصرية والعربية النظام المصري بأنه أداة في أيدي الإسرائيليين والأميركيين لتنفيذ الحصار على غزة نيابة عنهم. ومن المؤكد أن إسرائيل والولايات المتحدة قد قامتا لسنوات بالضغط على السلطة المصرية للقضاء على التهريب. وقد شرط الكونغرس الأميركي في عام 2008 تمرير مساعدات بقيمة مائة مليون دولار بملف تلك القضية. ومن المؤكد كذلك أن تعاون مصر في الإبقاء على الحصار هو جزء مما يجعلها شريكاً إستراتيجياً معتبراً للولايات المتحدة.

ليس لدى الحكومة المصرية ثقة بحماس، كحركة إسلامية مسلّحة تعتبرها مفوضة لإيران وحليفة لجماعة الإخوان المسلمين المصرية التي تعتبر أهم معارضيها وأكثرهم تنظيماً. وتخشى الحكومة المصرية من أن تصبح البوابة الأساسية المفتوحة للعالم الخارجي على غزة، وأن تتورط بشكل أكبر في إدارة القطاع المحاصر الذي يتسم بفقره وكثرة سكانه ومشاكله. علاوة على أن هذا التورط قد يسهم في تيسير تنفيذ الخطط الإسرائيلية لفصل الضفة العربية عن غزة، أو تحقيق طموحات حماس المفترضة في تأسيس "إمارة إسلامية" مستقلة، طبقاً لما كتبه أحد مثقفي النظام المصري.

ويمثل بناء الجدار العازل تحت الأرض ذروة تخلي السلطة المصرية عن القضية الفلسطينية لعقود طوال وتزايد تعاونها الأمني مع إسرائيل، وهو الأمر الذي تفاقم بشدة بانتخاب حماس. كما أن الاتجاه الرسمي بأن مصر قد ضحت بما يكفي من أجل فلسطين منذ عام 1949 وحتى اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 يلقى قبولاً عند بعض المصريين، إلا أن الكثيرين في الوسط السياسي يشعرون بالانزعاج الشديد بسبب التحول في السياسات التي حولت الفلسطينيين من إخوة تاريخيين إلى ما يشبه الأعداء.

بعد أيام من الإعلان عن بناء الجدار العازل تحت الأرض، أقدم الناس في العالم العربي على عقد مقارنات مستنكرة للوضع بين "إنشاءات" مبارك "الهندسية" ومشروع الرئيس جمال عبد الناصر التاريخي - أي السد العالي في شمال أسوان- لاعبين على المعنى المزدوج لكلمتي "العالي" و "الواطي" في العربية. وقد علّق خفيفو الظل: "العالي بنى السد العالي والواطي بنى السد الواطي".


* مقطع من مقال نشر بالإنجليزية في شباط/ فبراير 2010.
** الكاتبة صحافية وباحثة تقيم في القاهرة منذ 2002. تنشر مقالاتها في "نيويورك تايمز"، و"بوك فورام"، ومدونة "لندن ريفيو أوف بوكس" وغيرها من المواقع والمطبوعات.

(ترجمة: رغداء صابر)

المساهمون