التهرّب من ضريبة الفرح

التهرّب من ضريبة الفرح

05 سبتمبر 2016
+ الخط -
أفرع النور تتصدر المشهد، الفرحة تعم أرجاء المكان، الكلّ يرقص على نغمات الدي جي، التهاني تنهال على أسرة العروسين، زغرودة تشق هذه الضوضاء المبهجة تتبعها مجموعة من الزغاريد، الجميع يلتفت إلى باب القاعة الذي دخل منه المأذون وهو يشعر أنه أصبح مركز الحدث، يصل إلى منضدة فرشت بالبياض حيث ينتظره والد العروسة ووكيلها، يقوم العريس من الكوشة ويبدأ كتب الكتاب، فجأة وفي ذروة مراسم كتب الكتاب، تهجم الشرطة إلى القاعة باندفاع شديد، ويتجه قائدهم إلى العريس ويلقي القبض عليه وسط ذهول وذعر الجميع، وهو يقول له: أنت مطلوب القبض عليك لأنك متهرّب. سرت همهمة بين الجميع في حين سأل العريس: متهرّب من ماذا؟ فيجيبه الضابط بلهجة خطيرة: أتدعي بأنك لا تعرف؟ يبيّض وجه العريس، ويصرخ قائلا: والله لا أعرف متهرب من ماذا؟ ينظر إليه الضابط بازدراء: خلاص ستعرف في النيابة، ويشير للعساكر بأن يأخذوه.
يذهب والد العروسة التي فقدت الوعي إلى الضابط ويترجاه أن يبلغه بتهمة عريس ابنته لكي يحدّد موقفه منه، ولكن الضابط أبى إلا أن يأخذ لذته كاملة غير منقوصة، وذلك بزيادة نبرة الخطورة في صوته، قائلا: كيف تركته يقوم بما قام به يا حاج، فقال الرجل المسكين متسائلاً: وماذا فعل الرجل يا ابني؟ ثم استدرك قائلا: يا باشا، بعدما لمح نظرة غاضبة من الضابط، فرد الباشا قائلا: ستعرف في النيابة يا حاج، أما أنا فلا يجوز لي أن أعلمك بجرم زوج ابنتك؟
ركب العريس في سيارة الشرطة، وكلّ ما يسيطر على ذهنه مشهد القبض على حسن الهلالي من فرحه في فيلم أمير الانتقام، وأخذ يفكر في ماذا فعل؟ هو متأكد أنه لم يفعل شيء، هو مواطن أغلب من الغلب يسير بجانب الحيطان إن لم يجد مكاناً بداخلها، أيكون أحد المرشدين قد سمعه، وهو يجادل عم حسنين صاحب عربة الفول في ثمن ساندويش الفول، الذي برّر الزيادة وقتها بارتفاع سعر الدولار، وعندما أبدى هو تعجبه من ارتفاع الدولار، وتأثيره على كل شيء لم ينبهه لهفوته إلا رعب عم حسنين وتلفته حوله.
أيكون خطيب عروسه السابق قد دبر له هذة المصيبة، طرد الفكرة من ذهنه، وهو يقول يبدو أنني ما زلت تحت تأثير الفيلم .
ذهب العريس إلى القسم، وبات في زنزانة القسم لعدم وجود نيابة مسائية، استيقظ على هزات قدم الحارس، وهو يوقظة قائلا له بتهكّم: صباحية مباركة يا عريس قم من النوم فوكيل النيابة يريد أن يبارك لك؟
ذهب العريس إلى النيابة، وكله أمل في أن يكون هناك خطأ ما، هو الذي أودى به إلى هذا المصير، واستسلم لهذا الأمل، وأخذ يتخيّل وكيل النيابة، وهو يتساءل مستنكراً، عما أتى بهذا المواطن المحترم إلى هنا، وأخذ في غمرة تخيّلاته يتصوّر أنّ وكيل النيابة، أصدر له جواب اعتذار رسمي عما بدر من سلطات الدولة تجاهه هو وعروسه وأسرتيهما، وابتسم وهو يتصوّر اعتذار الضابط الذي قام بنهره أمام أهله، وتصوّر كيف أنه سيعفو عنه عند مقدرته .
خرج العريس من تخيّلاته بدخوله إلى الطرقة المؤدية لمكتب وكيل النائب العام، والتي وجدها مكتظة عن أخرها بمجموعة من العرسان الذين يرتدون مثل بذلته مع تفاوت الأشكال، وإن كانوا في أغلبهم من طبقته، وبسؤاله لأول من اقترب منه عما أتى به إلى هنا، وجده يجهش بالبكاء ويحدثه عن ظروف القبض عليه من وسط حفل زفافه بطريقة تكاد تكون مطابقة لطريقة القبض عليه .
ذهل العريس، وانتظر وهو واجم عن السر الذي يجعل الشرطة تقبض على معظم العرسان، وأخذ يحدث نفسه متسائلاً: ما الذي يحدث، هل منعوا الزواج في البلد؟ هزّ العريس رأسه قائلا: وهل هذا معقول؟ ولكنه سرعان ما راجع نفسه قائلا: أليس من الممكن أن يكون البرلمان قد أصدر تشريعاً منع فيه الزواج، وهو لم يعرف، لأنه لم يقرأ جريدة الأمس ولا اليوم لانشغاله بترتيبات الزواج؟ كل شيء جائز، أخذ يؤنب نفسه قائلا: أنا أكيد اللي غلطان، كيف أحاول الزواج، والبلد تمر بهذة المرحلة المحورية، ألم تكن البلد أولى بتكاليف زواجي، ولكن من أين لي أن أعرف أنّهم منعوا الزواج؟
دخل العريس إلى وكيل النائب العام الشاب الذي سأله عن اسمه وسنه وصنعته ومحل سكنه بصورة آلية، ثم قال له: أنت متهم بالخروج على النظام العام، وإشاعة الفوضى والبلبلة وتكدير السلم العام والسعي إلى إسقاط الدستور ومخالفة أحكام القانون لتهربك من دفع ضريبة الزفاف؟
دهش العريس من كم الاتهامات التي وجهت إليه، ولم يتفوّه بكلمة واحدة، فقال له وكيل النيابة: هل تنكر أنك كنت ستتزوج؟ احتار العريس بما يجيب، ولكنه وجد نفسه يهز رأسه بعلامة النفي، فبادره الوكيل بالسؤال الثاني على الفور: وهل دفعت ضريبة الزفاف؟ فكان سكوته أعمق. قال الوكيل: سؤالي واضح دفعت الضريبة أم لا؟ فقال العريس: أنا لا أعرف بوجود مثل هذة الضريبة لأني لم أقرأ جريدة الأمس ولا جريدة اليوم. قال الوكيل: أنت إذن معترف... يحبس أربعة أيام، ويحال إلى المحكمة بالتهم المذكورة عليه.
ملحوظة: أحداث هذة القصة قد تكون غير حقيقية، لكنها واقعية ومتوقعة الحدوث بعد فرض ضريبة على الزفاف بمصرنا المحروسة.
015049DB-96A2-4A1C-B7A9-AAAE061DD525
015049DB-96A2-4A1C-B7A9-AAAE061DD525
علي خيري (مصر)
علي خيري (مصر)