التطرّف في المغرب: وصاية على المواقف أو القتل

29 يناير 2015
أعضاء من حركة ضمير الحقوقية المغربية(العربي الجديد)
+ الخط -

قبل أشهر، تلقت ممثلة مغربية معروفة، هي لطيفة أحرار، تهديداً بالقتل بسبب لبسها قفطاناً كشف عن أعلى ساقيها، واعتبر الأمر "فتنة يجب وقفها"، وبعدها تم تهديد مجموعة فنانين دفعة واحدة بالقتل أيضاً لأنهم ظهروا في فيلم "ابن الرب" الأميركي.

وسرى التهديد أيضاً على برلماني من الحزب الأغلبي في المغرب، المقرئ أبو زيد الإدريسي، حيث أُعلن عن جائزة مالية لمَن يقتله، والتعليل لقوله نكتة "عنصرية" تجاه الأمازيغ. من جهة أخرى، وصلت رسائل إلكترونية تهديدية لقادة الحزب اليساري المغربي، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بينها من أعلنت إهدار دم كاتبه الأول إدريس لشكر لـ"وقوفه في وجه المشروع الإسلامي".

ويتواصل الأمر اليوم بالتهديد بالقتل لكل من زينب الغزوي، صحافية في مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية، وزوجها جواد بنعيسى، العضو المستقيل من اللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الاشتراكي، على خلفية أحداث "شارلي إيبدو" الإرهابية الأخيرة بالعاصمة الفرنسية باريس، وهو التهديد الذي أدانته خديجة الرويسي، البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، لتتعرض بدورها لتهديد مماثل على صفحتها على موقع "تويتر". فهل على الفنان أو السياسي أو أي كان وضع رقابة ذاتية على مواقفه المعلنة حتى يتفادى التهديد بالقتل؟

يرد جواد بنعيسى، العضو المستقيل من اللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الاشتراكي، وأحد ضحايا التهديد بالقتل السالفي الذكر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "الأمر غير ممكن وغير وارد، لأن المواقف الشخصية تدخل ضمن حرية التعبير، الحق المشروع لكل فرد".

ويضيف بنعيسى: "الأفكار مهما كانت طبيعتها ودرجة اختلافها مع الآخر لا يمكن أن تبرر القتل، ولا يمكن مواجهة الأفكار بممارسة العنف، وحدها الدولة تمتلك الحق في ممارسة العنف الشرعي وفق ما ينظمه القانون".

وشدّد المتحدث نفسه على أنه "لا يجب الخوض في البحث عن تفسير للعنف أو عن أسباب تمنحه الشرعية. يظل المتطرفون متطرفين مهما كانت الأسباب"، مطالباً بضمان حرية الأشخاص في إطار القانون، "الحرية التي لا يجب التفاوض بشأنها".

التهديد بالقتل سطو معنوي على الفضاء العام

ويرى صلاح الوديع، رئيس حركة ضمير الحقوقية المغربية، في التهديدات المتوالية بالقتل والعنف "محاولة للسطو المعنوي على الفضاء العام من خلال خلق جو من التوجس والتحفظ والوصاية حتى يتمكن الإرهابيون من وضع يدهم على الفضاء العام"، ويشمل ذلك برأيه حرية التفكير كما حرية التظاهر وغيرهما.



وشدّد الوديع على أن مسؤولية حماية "فضاء الإبداع وإنتاج المعنى" من السطو تقع على عاتق الحكومة المغربية، مطالباً إياها بأن لا تقف مكتوفة الذراعين أمام الأمر "لأن صمتها تكريس له". وهو ما ذهب إليه بيان أصدرته حركة ضمير التي يرأسها الوديع، حذرت فيه "الحكومة المغربية من أي تراخ في التعامل بكل جدية ومسؤولية مع التهديدات الإرهابية وعدم استصغارها وملاحقة مصادرها التي تسعى لاغتيال حرية الفكر والإبداع وجرّ المغرب إلى دوامة عنف تأتي على الجميع"، مؤكدة بـ"أن الحفاظ على الأمن لا ينفصل ولا يتعارض مع احترام أسس الدولة الديمقراطية والنهوض بحقوق الإنسان".

ما يثير الحيرة بين المغاربة في مسلسل التطرف والتهديد بالقتل، هو غرابة هذا الفكر عن مجتمع عرف بتراحمه وتآزره وتعايشه مع الآخر والمختلف، والذي تكونه روافد أكثر من حضارة، فمن أين تسرب الفكر المتطرف إلى هذا المجتمع؟ أو في أية تربة نشأ حتى صرنا نسمع عن رقم 2000 مقاتل مغربي ضمن تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق، وتفكيك خلايا إرهابية كانت تعد لإرسال مقاتلين آخرين إلى سورية؟

الإحباط واللاعدالة وضياع الهوية يخلق متطرفين

وبرأي مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاضي عياض، في تصريح لـ"العربي الجديد"، هناك صلة وصل بين التطرف بخلفية دينية والتربية من جهة وبين التمثلات السائدة أو المكتسبة عن الله من جهة ثانية، بحيث "يمكن لأسلوب التربية المتشدد أن يخلق إنساناً يبحث عن صرف الرغبة في الانتقام المتولّدة عن تراكماته الحياتية، وعندما يفشل يوجه ذلك نحو جهات أخرى".

وأضاف السعليتي، إن التمثلات التي يرثها الفرد عبر أجيال عن الذات الإلهية تبلغ في حالات كثيرة "حد تصور الله على هيئة إنسان، ويعمد بعد ذلك إلى إسقاط صفات إلهية عليه، ما يخلق خللاً يتبلور في  تصور نفسه خليفة لله على الأرض".

من جهة أخرى، يرى أستاذ علم النفس الاجتماعي أن "وقوع الشباب في الإحباط والإحساس بعدم عدالة العالم مع التمزق على مستوى الهوية، يخلق متطرفين أيضاً"، وبالتالي فمعالجة التطرف يجب أن تنبع من فصله عن مجاله ومضمونه "سواء كان تطرفاً دينياً أو سياسياً أو شيوعياً حتى".