التطرف.. القنبلة الموقوتة

التطرف.. القنبلة الموقوتة

11 اغسطس 2015
+ الخط -
التطرف في معناه البسيط هو مجاوزة حد الاعتدال والمبالغة في اتخاذ موقف يتسم بالجمود والتصلب تجاه المجتمع، عبر التقولب ضمن إطار فكري وعقدي، مغاير لما يعتنقه المجتمع من قِيَم ومعتقدات، مخالفاً سماته الحضارية والثقافية السائدة فيه، فينجرف المتطرف إلى حالة من القطيعة والسلبية مع محيطه وبيئته الاجتماعية، منحرفاً عن العقلانية والاتزان، إلى ما يتوهمه على أنه المثالية المطلقة. ولعل أكثر أشكال التطرف خطورة، اليوم، ومحط التأمل والاستبصار هو التطرف الديني الذي يبلغ بالفرد مرحلة إصدار حكم على المجتمع والدولة بالكفر والردة، مقدمة لشرعنة العنف المسلح، إيماناً منهم أنّ ذلك طريق الخلاص والتقرب إلى الله، حيث يرون أن قتال مجتمعهم (المرتد) أولى من مواجهة العدو، وتتمظهر حالة التطرف بوضوح، حين يعكف أولئك الأفراد على صياغة مجتمعه الخاص، بزعم البُعد عن المحرمات، وضرورة فرض أفكارهم بالقوة، فالدوغمائية التي يعيشونها تجعلهم يرفضون أي رأي آخر أو موقف مختلف عنهم، فيتحول التطرف، حينئذٍ، إلى عمل سياسي، تحركه العاطفة الدينية المتأججة في ظل تأويل خاص للنص الشرعي. 
إرجاع مسببات التطرف، وما يمارسه من إرهاب إلى مؤامرة خارجية، منطق غير مقنع، فالتطرف ظاهرة اجتماعية تفرزها التناقضات الثقافية والسياسية في بنية المجتمع، يُعبر عنها المتطرف بحالة التعصب، فالتخلف الحضاري وغياب الديمقراطية والقانون، وفقدان العدالة الاجتماعية تفضي إلى حالة من السُخط والإحباط للشباب، وخصوصاً في البلدان النامية، حيث تتحطم آمالهم وطموحاتهم، حين تصطدم بضيق الواقع وخيباته، حيث يغلب على هذه الفئة العمرية النزوع إلى التعبير عن نفسها، بعيداً عن القِيَم السائدة التي يفرضها الكبار. لذا، يكون فقر التجربة الحياتية وشح المخزون المعرفي لدى هؤلاء الشباب سبباً جوهرياً لسقوطهم في براثن الإرهاب، وجعلهم أداة طيعة لتنفيذ جرائمه الوحشية.
مثل ذلك، الذين نفذوا عمليات انتحارية في مساجد في السعودية والكويت كانوا من صغار السن، ممن لم ينخرطوا في أي عمل مسلح، أو نشاط تنظيمي من قبل، وهو ما يعول عليه منظرون ومحرضون كثيرون من أرباب الفكر الملوث بالتطرف. الهدف الرئيسي لتنظيم داعش من خلال ما ينفذه من عمليات هو ضرب المجتمعات، والعمل لتشظيها عبر إثارة الفتنة المذهبية، والنّيْل من كيان الدولة وإضعاف هيبتها، باستهداف المؤسسات الأمنية، لأن ذلك، في اعتقادهم، هو السبيل الأنجع لميلاد دولتهم المزعومة. فما يجري سياسي بامتياز، ليس للإسلام علاقة به، فالشرع الحنيف عبّر عن التطرف، محذراً منه بألفاظ مثل التنطع، والغلو، والتشدد، حيث جاء في الحديث النبوي الشريف التحذير من الغلو في الدين، لأنه سبب هلاك الأمم السابقة، كما رفض أي مظهر للرهبانية وإهمال الحياة المادية فيه، فاحتمال التورط الخارجي في استغلال مثل تلك الجماعات الأصولية أمر محتمل ومرجح. ولكن، من المبالغة أنْ نعزو جميع مشكلاتنا إلى الآخرين، ونتبرأ من المسؤولية عنها، فمآلات الإرهاب خطيرة، قد تقود إلى انهيار الدول، ولن تفي الحلول الأمنية بالغرض، بل الإقرار بأمراضنا الحضارية والثقافية والسياسية هو أول مراحل العلاج الذي يقتضي التحول نحو الديمقراطية ودولة القانون وتكافؤ الفرص والعدالة في توزيع الثروة، فالقمع والاستبداد إن إستطاعا شل حركة الإرهاب والقضاء على بضعة متطرفين، في الوقت الراهن، فسيخرج من هم أكثر تطرفاً ودموية وعدمية في المستقبل، فقبل أعوام كانت القاعدة متسيدة لساحة الإرهاب قبل أن تخبو جذوتها، والتي حين تقارن بداعش، اليوم، تبدو معتدلة مع كل ما تحمله من ظلاميّة .
ستبقى المواجهة مفتوحة، تنذر بنزيف بشري واقتصادي، مادام العقل السياسي العربي لا يؤمن إلا بالجبر والطاعة العمياء للحاكم، مهما اقترف من خطايا، حيث أمسى القاتل والمقتول ضحايا واقعٍ مأزوم وأنظمة سياسية لا تريد سماع الحقيقة، بل تعمد إلى ترويج دعاية تخدم الإمعان في الاستبداد ولجم أي رأي، يمس سلطتها المطلقة، فمنذ إطلاق ما يسمى (الحرب على الإرهاب)، عقب هجمات "11 سبتمبر"، لم يتحقق إلا مزيد من الموت المجاني والخراب والفوضى، فالمستنقع الآسن يغوص أكثر بتلك الأقدام التي وقعت فيه.
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
أحمد القثامي (السعودية)
أحمد القثامي (السعودية)