التسليح الغربي للجيش العراقي: ترقيع مؤقت بانتظار الحل السياسي

التسليح الغربي للجيش العراقي: ترقيع مؤقت بانتظار الحل السياسي

21 اغسطس 2014
التسليح يبقى دفاعياً (شيفان صديقي/الأناضول/getty)
+ الخط -

استمرت القطيعة الدولية شبه الكاملة لملف تسليح الجيش العراقي لمواجهة الجماعات المسلحة، نحو أربع سنوات، لجأ خلالها رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي إلى التحايل على العقوبات الدولية المفروضة على طهران، لتزويد الجيش بالذخيرة والأسلحة. غير أن كل ذلك لم يكن كافياً على ما يبدو لمنع انهياره بهذا الشكل المفاجئ الذي ظهر عليه في أحداث العاشر من يونيو/حزيران بسقوط عدد من المدن الشمالية والغربية بيد الفصائل المسلحة التي تحتل جماعة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الصدارة فيها.

تفتح اليوم الدول الغربية أبوابها مجدداً أمام العراق وجيشه، معلنة استعدادها لتزويده بالأسلحة اللازمة لتطويره، الذي يبلغ قوامه 680 ألف جندي، في مقابل شروط تفاوتت بين دولة وأخرى، واتفقت جميعها على ضرورة إعادة بناء هذا الجيش بشكل مهني وإيقاف تغلغل الميليشيات فيه، والتأسيس لمصالحة وطنية بين المكونات الدينية والعرقية، فضلاً عن العودة إلى الفقرة الثالثة من قانون الجيش الذي نص على أن تكون قرارات الحرب والسلم للدولة العراقية بيد البرلمان وبأغلبية الثلثين.

يثير توقيت الإقبال الدولي على تسليح الجيش العراقي، بالتزامن مع الإطاحة بالمالكي بـ"انقلاب أبيض"، جملة من علامات الاستفهام، وخصوصاً أن الهدف المعلن من هذا الدعم العسكري هو القضاء على "داعش"، في حين أن التنظيم وجد وتوسع في العراق قبل شهور من الإطاحة بالمالكي، واستولى على مدن إستراتيجية كاملة كالموصل وتكريت تضم حقول نفط وغاز تعتبر إستراتيجية للأسواق الأوروبية والأميركية، حيث تضخ إليها يومياً ما يقدر بمليوني برميل.

وتسارعت وتيرة الزيارات غير المعلنة لوزراء خارجية ورؤساء حكومات إلى بغداد خلال الأيام الماضية تعلن خلالها دعمها لبغداد عسكرياً. وأعلنت كل من الولايات المتحدة عزمها التسريع بإتمام الصفقة المبرمة في عام 2010 مع العراق والتي أجلت واشنطن تسليمها للعراق بقرار من الكونغرس، وتتضمن تلك الصفقة طائرات مروحية تقوم بمهام قتالية ونقل جوي للمشاة وصواريخ حرارية موجهة وذخائر وبنادق قنص وأسلحة مساندة للوحدات القتالية ومنظومات رصد ليلية حديثة، فضلاً عن برنامج تدريب يشمل اثني عشر ألف جندي عراقي في الأردن من قبل "المارينز" ويستمر لمدة عامين. أما روسيا وفرنسا والصين وألمانيا وبريطانيا، فأعلنت عن نيتها تزويد العراق بالأسلحة اللازمة لمواجهة تنظيم "داعش".

ويشرح عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، أحمد الجاف، عن خفايا الانفتاح الحالي على العراق عسكرياً، بالقول، لـ"العربي الجديد"، إن" المالكي بوصفه رئيساً للوزراء، وقائداً عاماً للجيش، كان العائق الوحيد أمام هذا الملف، فالسياسية التي اتبعها لم ترق للدول الغربية، خاصة فيما يتعلق بالملف الداخلي والطائفية الواضحة في الجيش، ومساندته النظام السوري، واقترابه من النظام الإيراني إلى حد الاندماج والتقارير الدولية التي تشير إلى انتهاكات بالجملة يرتكبها بمجال حقوق الإنسان.

ويرى الجاف أن "عملية التسليح للجيش لن تكون سهلة أو مفتوحة من دون شروط على الإطلاق، لكن ستكون هناك ضمانات بإعادة بناء الجيش العراقي بشكل مهني وطرد العناصر الميليشياوية فيه وإبعاده عن المؤسسة الدينية والسياسية، وهذا ما يعول على رئيس الحكومة الجديدة حيدر العبادي فعله، لكن حالياً هي عمليات ترقيع لصمود الجيش أمام تنظيم داعش".

غير أن العميد الركن فاضل عباس النداوي من قيادة الفرقة السادسة المرابطة حول بغداد، يرى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التقرير الأميركي الميداني الصادر حول وضع الجيش العراقي، هو السبب الرئيس لهذا الانفتاح، إذ أثبت التقرير أن الجيش يحتاج إلى مساعدة، وإلا سيبتلع داعش العراق من شماله إلى جنوبه"، بدليل أنه "قبل عام فقط، كان لدى الجيش ألفي دبابة، واليوم لا نتملك إلا 513 منها".

وعن نوعية الأسلحة التي وعدت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى بتزويد الجيش العراقي بها، يلاحظ أنها أسلحة دفاعية بحتة تتمحور حول صواريخ جو ــ أرض أميركية "الهل فاير" وصواريخ حرارية موجهة من منصات ثابتة، إضافة إلى قذائف صاروخية محمولة على الكتف وبنادق "m16" وقنابل مضادة للأشخاص، وأخرى ضد الدروع والعجلات المصفحة وأسلحة مساندة للوحدات القتالية ورشاشات من عيار 162 ملم المخصصة لقتال الشوارع والمدن، وطائرات مروحية من طراز تشينوك وبلاك هوك ودبابات من طراز A21 التي لا يصل مدى مدافعها إلى أكثر من أربعة كيلومترات. ولا تحتوي أي من الصفقات التي ينتظر العراق تسلمها من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى على أي أسلحة هجومية كالصواريخ بعيدة أو متوسطة المدى والدبابات المستخدمة في الحروب التقليدية بين الدول.

وحول ذلك، يقول عضو جمعية المحاربين العراقيين اللواء الركن المتقاعد عبد الله مشكور أن "جميع تلك الأسلحة التي ينتظرها العراق مخصصة لحفظ الأمن الداخلي لا غير". ويضيف أن "عملية تسليح العراق يجب ألا تشكل تهديداً مستقلبياً على دول الجوار أو الدول الغربية التي ترى في الواقع السياسي العراقي مجالاً مفتوحاً للانقلابات العسكرية أو الحروب الطائفية الداخلية التي بالتأكيد سيكون الجيش الحالي على وضعه الطائفي منحازاً فيها إلى فئة أو طائفة دون أخرى".

إنّ ملف تسليح الجيش العراقي في الوقت الحالي، يقتصر على منح تلك المؤسسة جرعات إنعاش أمام ضربات "داعش"، تغض خلال ذلك القوى الكبرى الطرف على العيوب الفاضحة فيه حالياً، من خلال منحه القدرة على البقاء بوضع دفاعي، ومحاولة عدم خسارة مناطق أخرى، أهمها بغداد، ريثما يضع رئيس الحكومة الجديدة الخطوط العريضة لسياسته الداخلية والخارجية، والتي ستكون المحدد الرئيس لاستمرار الدعم الغربي للجيش من عدمه.

وتضغط الدول الغربية على رئيس الحكومة الجديدة، بضرورة فتح حوار مع الفصائل المسلحة التي انتفضت في وجه المالكي من أجل عزل "داعش" ليحظى الجيش بدعم وطني في قتاله. وهو ما بدا واضحا في خطاب نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، في زيارته الأخيرة إلى بغداد، مطلع الشهر الحالي، والذي أكد حرص واشنطن على مساعدة العراق من خلال "حكومة جديدة تؤمن بالتعددية وتؤسس لمصالح وطنية حقيقية وتحترم القرارات الدولية".

وعلى هذا، سيكون العبادي المضطرب بتركة المالكي الثقيلة، مضطراً للرضوخ لإملاءات الدول الكبرى التي شمّرت عن ذراعيها لتسليح الجيش العراقي، في ما يتعلق بملف المصالحة والميليشيات الشيعية، وتسوية المشاكل مع الأكراد والعرب السنة وعلاقات العراق بمحيطه الإقليمي والملف السوري، مقابل مساعدته في إعادة بناء الجيش ودعمه بشكل يكفل وصول البلاد إلى مرحلة الهدوء النسبي. هكذا، فإنّ ملف تسليح الجيش أو ما تبقى منه، بات سلاحاً فعالاً بيد القوى الكبرى لإعادة بوصلة العراق التي تعتبر تلك القوى أنها انحرفت بشكل كبير، وتلقي باللوم على الأخطاء السياسية بما آل إليه العراق اليوم أمنياً.

المساهمون