التحالف ضد "داعش" مرهون بنجاح العبادي وحكومته

التحالف ضد "داعش" مرهون بنجاح العبادي وحكومته

10 سبتمبر 2014
قلق أميركي من فشل الرهان على العبادي وحكومته (الأناضول/Getty)
+ الخط -

تنفست الإدارة الأميركية الصعداء بمجرد الإعلان عن إقرار تشكيل حكومة عراقية طال انتظارها، لما لهذه الحكومة من أهمية قصوى في إنجاح التحالف الدولي الإقليمي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، وبالتالي في الحفاظ على سمعة وتاريخ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، من التلطخ بالفشل في تحجيم خطر "داعش" واضطراره لاحقاً إلى التسليم بأن الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، كان أكثر دراية منه في كيفية حماية مصالح بلاده وحماية مواطنيه وحلفائه على حد سواء من الأخطار الخارجية.

ولكن القراءة السريعة لما كُشف من مضمون الاتصالات التي جرت بين كبار رجال الإدارة الأميركية وقادة العراق، والبيانات الأميركية المتلاحقة الصادرة عن أوباما ونائبه، جو بايدن، ووزير الخارجية، جون كيري، وآخرين بعد ساعات من الإعلان عن تشكيل الحكومة العراقية، تُمكّن من الاستنتاج بأن القلق الأميركي لا يزال قائماً من فشل الرهان على العبادي وحكومته، وما قد ينجم عن ذلك من عودة إجبارية الى المربع الأول والبحث عن بول بريمر الثاني، واللجوء الى القوة البرية مرة أخرى.

فما يجري حالياً في واشنطن هو صراع فكري بين عقيدتين سياسيتين؛ تؤمن الأولى التي يتبناها الجمهوريون بأن القوة الكاسحة وحدها هي القادرة على فرض الإرادة وحماية المصالح في حين أن الثانية التي يتبناها الديمقراطيون، تحت قيادة الثلاثي أوباما وبايدن وكيري، تحاول تنفيذ الأهداف نفسها عن طريق الدبلوماسية الناعمة والوكلاء المطيعين أو الشركاء المخلصين.

ومن هذا المنطلق، يُمكن تفسير الإفراط الأميركي في البيانات والتصريحات والاتصالات الهاتفية المعبّرة عن الابتهاج بإقرار تشكيل الحكومة العراقية، رغم أن أكثر من سيتعامل الأميركيون معهما من أعضاء الحكومة هما وزيرا الدفاع والداخلية اللذان لا يزالان غائبين عن التشكيلة الحكومية.

وقد يُجهد بعض المحللين أنفسهم في التحري عن الأسماء والسير الذاتية لأعضاء الحكومة العراقية الجديدة باحثين بينهم عن علاقات قديمة أو جديدة تربط بعضهم بواشنطن، في محاولة تحديد رجال واشنطن في هذه الحكومة ومقارنة العدد برجال إيران أو رجال السعودية. ولكن مثل هذه الطريقة على أهميتها فإنها لن تفيد في التوصل إلى استنتاجات مفيدة في شأن ما تريده واشنطن من الحكومة العراقية، لأن واشنطن لا يهمها من هذه الحكومة وجود من يمثلها فيها بقدر ما يهمها الوجود القوي للسنة العرب في الحكومة وفي النظام ككل، ووجود تمثيل مقبول للطوائف الأخرى، ونسبة من الرضا تكفي للتعاون ضد "داعش".

عندما اتصل أوباما هاتفياً بالعبادي، أول من أمس الاثنين، لمناقشة سبل التعاون بين الولايات المتحدة وحكومة بغداد الجديدة في محاربة متشددي "داعش"، قال البيت الأبيض: إن الرئيس الأميركي طالب رئيس الوزراء الجديد باتخاذ خطوات ملموسة سريعاً للتعامل مع التطلعات والمظالم المشروعة للشعب العراقي، أي أن أوباما بطريقة أو بأخرى يبدي قلقاً من احتمال استمرار نهج رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، في تهميش الطائفة السنية وعدم الاستجابة لتطلعات السنة المشروعة.

طلب أوباما ليس انحيازاً منه بالطبع للسنة أو رغبة في مجاملتهم، ولكن لأن لديه قناعة يبدو أنها أصبحت راسخة، وفقاً لما تعكسه تصريحاته وخطبه، بأن حجر الزاوية في هزيمة "داعش" هم أهل السنة من عرب وأكراد، عراقيين وغير عراقيين، داخل العراق أو خارج العراق، دولاً وأفراداً.

ورغم أن من بين المحللين العرب من يستخف أو يستهجن ذكر الهوية المذهبية في التعامل السياسي، إلا أن الأميركيين يدركون أن "داعش" في الأول والأخير تنظيم سياسي قائم على العصبية الدينية، وأن مواجهته بالشيعة وحدهم لن ينجم عنه إلا ترسيخ قوته. ويدرك أوباما أن تنظيم "داعش" يستمدّ قوته من المظالم التي يتعرض لها السنة العرب والتي يطالب العبادي باتخاذ خطوات سريعة تطمئن هؤلاء، وهم وحدهم في نظر أوباما قادرون على دحر "داعش" وسحب البساط من تحت مقاتلي التنظيم.

وعندما يتحدث رئيس الولايات المتحدة عن أمر كهذا فليس لأنه استقى هذه القناعة من مقال عابر في صحيفة أو نصيحة من صديق، بل لا يمكن أن يتحدث بمثل هذه الثقة لولا أن هذا الاستنتاج هو خلاصة سيل التقارير والتحليلات اليومية التي يتلقاها من أجهزة جمع المعلومات التي تعلمت الكثير خلال وجودها في العراق.

ولهذا حرص البيت الأبيض على تأكيد أن العبادي أعرب خلال اتصال أوباما به "عن التزامه العمل مع جميع الطوائف في العراق فضلاً عن الشركاء الإقليميين والدوليين لتعزيز قدرات العراق لمحاربة هذا العدو المشترك".

وليس من قبيل المبالغة القول، إن أوباما عندما يتحدث عن الشركاء الإقليميين فإنه يقصد بالدرجة الأولى الدول السنية، مثل تركيا والسعودية والإمارات والأردن التي ذكرها في مقابلة تلفزيونية هذا الأسبوع، لأن ما ينطبق على السنة المحليين يمكن أن ينطبق على الحكومات السنيّة المجاورة. ومن الصعب الاستعانة بإيران في إقناع السنة العرب بالتعاون ضد "داعش"، ولكن من السهل على السعودية والإمارات والأردن وتركيا مجتمعة أو منفردة التأثير بالإقناع والتطمين للزعامات السنية في العراق بأن حقوقهم محفوظة ولن يحتاجوا لانتزاعها عن طريق "داعش" من مالكي آخر.

من جهته، أشاد وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي بدأ، أمس الثلاثاء، جولة في المنطقة، بتشكيل الحكومة الجديدة في بغداد، معتبراً أن ذلك "حدث مُهم وكبير" للعراق، لكنه كان يقصد على الأرجح للعراق وللولايات المتحدة، وإلا لما احتاج الحديث عنه لو لم يكن مهماً للولايات المتحدة. وقال كيري للصحافيين في وزارة الخارجية "من خلال التغلب على عقبة الانقسامات العرقية والطائفية أقرّ البرلمان العراقي حكومة جديدة لا تقصي أحداً، لديها القدرة على توحيد جميع طوائف العراق من أجل عراق قوي وعراق موحد وإعطاء هذه الطوائف الفرصة لبناء مستقبل ينشده ويستحقه العراقيون جميعاً".

فها هو كيري يتحدث عن الطوائف مثلما تحدث بها أوباما، وقد لا تهم كيري مصالح السنة أو الشيعة في العراق أو غير العراق إلا بالقدر الذي تساهم فيه الطائفتان في القضاء على خطر مشترك.

وتأتي زيارة كيري مع اقتراب الذكرى الثالثة عشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول التي أعاد تنظيم "داعش" إثارة مخاوف حقيقية داخل أميركا من احتمال تكرارها.

ويهدف كيري من جولته الجديدة في المنطقة إلى "بناء تحالف أوسع من الشركاء في مختلف أنحاء العالم لمواجهة الدولة الإسلامية وهزيمتها في نهاية المطاف" وفقاً للتصريحات الأميركية.

وحسب المعلومات المتوافرة لـ"العربي الجديد"، فإن جولة كيري في المنطقة ستشمل الدول ذات الغالبية السنية على أمل أن يقنع قادتها بثلاثة مطالب أساسية للولايات المتحدة من تلك الدول.

الأول هو التعاون مع حكومة العبادي وفتح صفحة جديدة مع بغداد في ظل الحكومة الجديدة. أما المطلب الثاني فهو التعاون ضد "داعش" وتضييق الخناق على مصادر تمويله وحركة عناصره، بما يعني الانخراط في التحالف الدولي ضد التنظيم. وفي ما يتعلق بالمطلب الثالث، فهو استخدام هذه الدول نفوذها في مناطق العراق ذات الكثافة السنية لإقناع شيوخ العشائر المؤثرين فيها والشخصيات الاجتماعية بالتخلي عن "داعش" ونزع عناصر قوته في تلك المناطق.

ومن المؤكد بأن كيري سيحصل على استجابة إيجابية من معظم الدول، لكن الأميركيين سوف يصرّون هذه المرة على تحويل الأقوال إلى أفعال، وفقاً لما قاله لـ"العربي الجديد" دبلوماسي في الخارجية الأميركية لا يود التصريح باسمه. وتبدي بعض الدول العربية السنية مخاوف من أن يؤدي استئصال "داعش" التام من العراق وسورية إلى تقوية إيران وحلفائها في المنطقة على حساب السعودية وحلفائها.