التجمعات الفلسطينية بزمن كورونا: تأثير الانقسام وغياب القيادة الموحدة

25 ابريل 2020
أحد الأسواق في غزة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

يبدو العنوان مناسباً ومعبّراً جدّاً عن واقع الفلسطينيين في زمن كورونا فلم يواجه الشعب الفلسطيني الوباء كمجموعة واحدة بوسائل وأساليب موحدة متفق عليها، وإنما بعدة أساليب ووسائل بينما بقي نصف الشعب تقريباً وحده، تحديداً التجمعات الفلسطينية الكبرى في لبنان وسورية التي واجهت الوباء باجتهادات وجهود شخصية، في تعبير مباشر عن الانقسام وغياب المرجعية أو القيادة الموحدة التي تأخذ على عاتقها الدفاع عن مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني وحمايته.

يمكن الحديث عموماً عن خمسة تجمعات فلسطينية كبرى في الضفة الغربية وغزة والقدس، والأراضي المحتلة عام 1948 والخارج، وتحديداً اللاجئين في لبنان بعد التهجير المتعمد والمنهجي الذي تعرض له اللاجئون في سورية الذين يفتقدون، للأسف، الحماية والمساعدة زمن كورونا وقبله.

واجهت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية الوباء بشكل جيد ومبكر نسبياً، ونجحت بشكل عام في إجراءاتها، حتى الآن، إلا أنها تصرفت وكأنها قائدة أو مسؤولة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية فقط – دون القدس حتى – بينما تخلت تماماً عن غزة، ولم تسع لممارسة أي مسؤولية تجاهها أو حتى التفكير في تخفيف العقوبات التي يفرضها الرئيس محمود عباس على غزة وأهلها.

إلى ذلك فإن مواجهة الوباء أثبتت من جهة أخرى مدى ارتباط أو بالأحرى تبعية السلطة للاحتلال، وعودة التنسيق تحت الإطار أو العنوان الصحي، بينما استغلت إسرائيل الأزمة لمزيد من التواصل والتطبيع مع رام الله بعد قطيعة صفقة القرن، وحتى محاولة تبييض صورتها عبر ادعاء تقديم المساعدة للفلسطينيين.

السلطة تخلت كذلك عن العمال الفلسطينيين في إسرائيل، حيث ظلوا لأسابيع يعملون كالمعتاد دون حماية خاصة منها أو من سلطات الاحتلال التي تستفيد منهم كعمالة زهيدة التكاليف، وعندما تم اتخاذ قرار منعهم من السفر إلى إسرائيل منتصف نيسان/إبريل الجاري حصل ذلك دون خطة اقتصادية واضحة أو تفكير جدي في مساعدتهم وتعويضهم لو جزئياً.

في رام الله شهدنا أيضاً لهجة تفاخر لا تتطابق أبداً مع الوقائع على الأرض، حيث العشرات من معتقلي الرأي ما زالوا في سجون السلطة، وحيث الاحتلال مستمر بقتل المواطنين والتنكيل بهم، كما أن الوباء لم ينته وربما لم يصل إلى ذروته بعد، وبالتأكيد الاحتلال لم يرحل أيضاً، بموازاة فشل ذريع في الدفاع عن الأسرى في المعتقلات الإسرائيلية بشكل عام وفي زمن كورونا بشكل رغم تذكرهم الموسمي والتقليدي في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني 17 نيسان/إبريل من كل عام.

الانقسام السياسي -الجغرافي أدى إلى مواجهة الوباء بشكل منفصل في غزة، ولم يتم الالتزام التام والفوري بقرار السلطة - رام الله - وقف الدوام بالمدارس والجامعات، وفي غزة كان هناك تفاخر "في البداية" لخلوها من الفيروس، لا يليق أبداً بالواقع المأساوي الذي تعيشه، وأقيمت صلاة الجمعة (20 مارس) في أجواء احتفالية جماعية مع تحشيد إعلامي قبل أن يتم وخلال ساعات فقط الإعلان عن أول حالات الإصابة بالفيروس والحجر الصحي لآخرين، مع طلب المساعدة من الجميع، بينما بدا الحصار الإسرائيلي عاصفاً بمناحي الحياة المختلفة والمنظومة الصحية منهارة فعلاً، كما قالت الأمم المتحدة، مع استعداد بل نفاق معتاد من إسرائيل لحماية نفسها من التبعات الأخلاقية القانونية والسياسية وتبييض صورتها أيضاً.

عموماً بدا تعاطي الاحتلال مختلفاً وانتهازياً مع غزة، سعياً لاستمرار التهدئة من دون دفع ثمنها واستحقاقاتها، وخشية انتقال العدوى إلى المستوطنات القريبة، إذ سارع في البداية لتقديم المساعدة، بما في ذلك تقديم أجهزة فحص الفيروس ومعقمات، من دون التفكير في رفع أو حتى تخفيف جدي للحصار غير الأخلاقي وغير القانوني المفروض ضدها. قبل ربط المساعدة الجدية وإرسال أجهزة تنفس صناعي بالحصول على معلومات عن الأسرى لدى حماس ما اعتبره المعلق في صحيفة هارتس جدعون ليفي قمة الوضاعة من قبل إسرائيل.

القدس واجهت الوباء منفردة، إذ استمر التنكيل بالمصلين والمواطنين من قبل جيش الاحتلال، وكما العادة اعتمد الناس على أنفسهم وعدالة قضيتهم، حين رفضوا إغلاق الحرم تماماً مع بقاء موظفي الأوقاف على رأس عملهم رغم وقف الصلاة فيه، كما جرت احتفالات الفصح في الكنائس ولكن على نطاق ضيق أيضاً بينما يفكر الاحتلال في فرض إغلاق شامل على حي شعفاط - وإحياء أخرى - رغم أنه يقع ضمن نطاق المدينة المحتلة، علماً أن أهل الحي والمدينة عموماً لا يتلقون أي رعاية صحية من السلطة، ولا حتى من الاحتلال الملزم بذلك حسب القوانين والشرائع الدولية.

في السياق كانت فتوى قانونية لافتة للأمم المتحدة تحمّل تل أبيب المسؤولية عن حياة الفلسطينيين وأوضاعهم في الضفة وغزة والقدس من دون إعفاء السلطة، بل السلطتين من المسؤولية طبعاً، هو الأمر الذي غاب جدياً للأسف عن الأجندة السياسية والإعلامية للسلطتين تحت ظل التفاخر المصطنع وعديم الجدوى.

الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1948 تعرضوا للتمييز العنصري من قبل السلطات الإسرائيلية رغم جهودهم الجبارة واللافتة في مواجهة الوباء-كمواطنين- خاصة ضمن القطاع الصحي الذى يمثلون فيه نصف الصيادلة وربع الممرضين وخمس الأطباء تقريباً.

أما بالنسبة للتجمعات الفلسطينية في الخارج فقد تركت وحدها مع تهميش، بل تهشيم منظمة التحرير، وتصرف السلطة وكأنها ممثلة لفلسطينيي الداخل، وحتى فلسطينيي الضفة فقط. فلسطينيو لبنان مثلاً واجهوا الوباء بأنفسهم بجهود تطوعية ذاتية مع مساعدات متواضعة من منظمات أهلية ومن "أونروا" التي تعاني أزمة مالية وبدت عاجزة عن تقديم الخدمات اللازمة والضرورية لهم حتى قبل الوباء وطبعاً تخلت عنهم الدولة اللبنانية ومعظم الطبقة السياسية مع تصريحات عنصرية ضدهم.

فلسطينيو سورية للأسف حالهم أسوأ، فقد دمر النظام بشكل متعمد معظم مخيماتهم وهجرهم عن سبق إصرار، لأنه لا يراهم كمواطنين في سورية الأسد الطائفية المتجانسة، وللأسف لا يتلقون المساعدة اللازمة قبل الوباء وبعده، وما من جهة استعدت لمساعدتهم جدياً مع استثناءات بسيطة هنا وهناك.

أما التجمعات الفلسطينية الجديدة نسبياً في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية فحالها أفضل بالتأكيد كونها منظمة جيداً وتأقلمت مع غياب المرجعية والقيادة الفلسطينية الموحدة، واستفادت كذلك من المواجهة الناجعة للوباء في الدول التي تعيش فيها، تحديداً الأوروبية منها.

عموماً، أثبتت جائحة كورونا مرة أخرى الحاجة الملحة إلى قيادة جامعة للفلسطينيين في الداخل والخارج، قيادة لا بد أن تكون بالضرورة منتخبة ديمقراطية شابة وخالية من الفساد، تضع الاستراتيجيات اللازمة لإدارة الصراع مع إسرائيل، والاستفادة من طاقات الفلسطينيين وإمكانياتهم العالية على كل المستويات والدفاع عنهم وعن مصالحهم، وتحميل الاحتلال والدول المستضيفة المسؤولية عنهم، مع عدم وضعهم طبعاً في السلة نفسها، حيث تستمر مقاومة الاحتلال في زمن كورونا من دون توقف، ويستمر سقوط الشهداء كما التظاهرات ضده وضد ممارساته التهويدية والاستيطانية في القدس والضفة بشكل عام.