التجربة الألمانية: الطفل القارئ عماد مجتمع مثقّف

التجربة الألمانية: الطفل القارئ عماد مجتمع مثقّف

30 ابريل 2015
حلقات ترفيهية في معرض فرانكفورت للكتاب (Getty)
+ الخط -
لم تزل ألمانيا من الأمم الرائدة فيما يتعلق بالكتاب، من حيث أعداد الإصدارات وحجم المبيعات السنوية للكتاب المطبوع، ونسبة الاستعارة من المكتبات العامة وعدد القراء والمهتمين، وأيضاً العناية بأدب الأطفال. لكنها تتميز عن غيرها من الدول بالاهتمام الحقيقي بإدخال الأطفال في عوالم القراءة والأدب، بطرق مبتكرة بعيدة عن الإجبار والتلقين. وذلك من خلال احتفاليات ومهرجانات متنوعة للكتاب، مخصصة في جزء كبير منها لتشجيع الأطفال على القراءة وترغيبهم بها، كعادة يعتبرها الألمان من أهم عاداتهم وأكثرها مدعاة للفخر.

وسيكون للعرب، والخليج العربي تحديداً، فرصة لاختبار هذه التجربة وملامسة نتائجها، عبر المشاركة المتميزة لألمانيا هذا العام في معرض أبو ظبي للكتاب، الذي سيقام بين 7 و13 مايو/أيار القادم. إذ يعتبر الجناح الألماني أحد أكبر الأجنحة المخصّصة للدول الأوروبية، التي تشارك في هذا المعرض منذ سنوات.

وتأتي المشاركة الألمانية المدعومة من معرض فرانكفورت للكتاب، متميّزة شكلاً ومضموناً، سواء من خلال نوعية الكتب المشاركة أو حجمها أو النشاطات المرافقة لها، إذ تشارك ألمانيا في عدة فعاليات تقام ضمن المعرض وعلى هامشه. حيث سيتم عرض مئات الكتب، التي تتضمن أحدث الإصدارات من الكتب الخيالية المعاصرة، كذلك الكتب المصوّرة، الأكاديمية، التعليمية، العلمية، الرياضية والتقنية، علاوة على الكتب المتعلّقة بالتصميمات وكتب الأطفال والشباب. إضافة إلى مشاركة فنانين ألمان في "ركن الرسم" التابع للمعرض، وذلك من خلال ورش العمل التي تستعرض طيفاً واسعاً من القضايا والمدارس الفنية، التي تمّ تصميمها لتعزّز فرص الأطفال في التعبير عن إبداعاتهم وقدراتهم الفنية، وتدعوهم للمشاركة في أنشطة فنية عملية.

هدايا الكتب
وتأتي هذه المشاركة بعد أيام قليلة من فعاليات احتفال ألمانيا بيوم الكتاب العالمي، الذي صادف في 23 نيسان/أبريل، حيث كان القارئ الطفل أولوية، تحديداً من هم فوق السادسة من العمر.

وضمن احتفالات هذا العام، أطلقت ألمانيا حملة واسعة لتشجيع القراءة. وقد تلقى أكثر من 750,000 طالب وطالبة، ولا سيما من الصف الرابع والخامس الابتدائي، قسائم تشجيعية لشراء الكتب، تحمل عنوان "أنا أهديك قصة". إضافة إلى تخفيضات كبيرة جداً على أسعار مجلات الأطفال والكتب الخاصة بهم، وتوزيع الكثير منها مجانا. كما أقيمت فعاليات القراءة التفاعلية مع الأطفال في أكثر من مدرسة ومكتبة مركزية، في كل مقاطعة من مقاطعات ألمانيا، بمشاركة مشاهير الأدباء والسياسيين والفنانين ونجوم المجتمع الألمان. وقد قامت بعض المدارس بفعاليات خاصة، كتوزيع مجسمات على شكل كتب وأحرف مليئة بأقلام التلوين أو الألعاب الصغيرة الحجم أو الشوكولا.

اقرأ أيضا:دمى الأطفال: هل نختار لصغارنا ما يشبههم؟

لم تقتصر الفعاليات على الصغار. بل تعدتها لتشمل كل من له علاقة بالكتاب، مثل المؤلفين والناشرين وبائعي الكتب والعاملين في المكتبات العامة والمدرسين وجمهور القراء الحريصين على مطالعة الكتب المطبوعة. وقد أطلق اتحاد مسوقي الكتب في ألمانيا حملة احتفالية، بمناسبة مرور الذكرى السنوية الـ 20 للبدء بهذا الاحتفال، تحت عنوان "Vorsicht Buch!" أي "انتبه كتاب".

وقد لاقت الحملة انتشاراً كبيراً بين القراء. كما أسست مؤسسة القراءة الألمانية "Stiftung Lesen" صفحة على الإنترنت "جدار افتراضي"، يستطيع أي قارئ أن يضع صورة شخصية له مع أحد أفضل كتبه المحبّبة التي قرأها خلال العشرين سنة الأخيرة، بالإضافة لتعليق قصير عن هذا الكتاب، وهي عادة متبعة في احتفالات السنوات الماضية، حيث اعتاد الألمان على التجمّع في مثل هذا اليوم في المكتبات العامة والمقاهي لمناقشة كتبهم المفضلة، فيطرح كل من الحاضرين اسم كتابه المفضل لتلك السنة، وتتم مناقشته بين المجموعة.

كما أقيمت أيضاً حلقات في الهواء الطلق للقراءة والمناقشة، إضافة إلى أمسيات أدبية يركز القائمون عليها على الجيل الشاب من الكتاب الألمان الصاعدين، إضافة إلى إعادة الاستماع ومناقشة الكتب المطبوعة المهمة.

وستحمل دور النشر الألمانية معها الى معرض أبو ظبي، بعض طقوس احتفالاتها بالقراءة والكتب، فمعظمها يعيد إصدار كتب المؤلفين الألمان ذوي الشهرة الكبيرة، مثل غوته، حيث تعاد طباعة أعماله سنوياً وتوزع بأسعار رمزية. كما تعقد حلقات استماع وقراءة حرة يُقرأ فيها الكثير من أشعاره.

تستغل معظم دور النشر هذه المناسبة لإصدار كتب جديدة والترويج لها، من خلال الاحتفاليات والمعارض وجلسات النقاش المرافقة. وقد تم هذا العام إصدار العديد من الكتب الجديدة، لكن الكتاب الذي لاقى ترحيباً كبيراً وانتشاراً مذهلاً خلال الأيام الماضية، كان باسم "كفاحي المضحك"، وهو محاكاة ساخرة لكتاب "كفاحي" لأدولف هتلر، الذي يعتبره الألمان "مثالاً مخيفاً على الكتابة التي تحتقر الإنسان"، على حدّ قول وسائل الإعلام الألمانية.

ورغم اعتقاد الكثير من الألمان بأن الاحتفاء بالكتاب لم يعد بالشغف نفسه الذي كان يحظى به في السنوات السابقة، فإن الاحتفال بيوم الكتاب العالمي مثلاً، لم يزل يمثّل مع معرضي فرانكفورت ولايبزيغ للكتاب أبرز ثلاثة أحداث ثقافية في ألمانيا. كذلك تحافظ مشاركات ألمانيا في المعارض الدولية حول العالم على مكانتها، وتخصّص لها الإمكانات المادية والبشرية.

وإذا بحثنا عن سبب محافظة القراءة على مرتبتها، في رأس قائمة الأنشطة الترفيهية الأكثر شعبية في ألمانيا، وحاولنا فهم الرقم الكبير الذي تصدره البلاد سنوياً من الكتب، والذي تخطّى عام 2014 عتبة 95 ألف مؤلّف، كثير منها للأطفال، سنعرف أنّ نجاح هذه التجربة هو دائرة متصلة، فتزويد الطفل بكتب جيدة في الصغر وتنمية حبّ القراءة لديه سينتج جيلاً قارئاً، يقدّر الكتب والعلم وأيضاً يقدّر وطنه وأمّته ويحافظ على تطوّرها.

اقرأ أيضا:"أطفال الصمود".. أجيال ترقص على الدبكة الفلسطينية

دلالات

المساهمون