البنك الدولي: مستقبل الدول المشرقية هو التكامل

البنك الدولي: مستقبل الدول المشرقية هو التكامل

12 يونيو 2014
التقرير الجديد للبنك الدولي
+ الخط -
أعلن البنك الدولي، أن 7 دول عربية ومشرقية قادرة على تحقيق التكامل الاقتصادي الفعلي، من خلال تحسين فرص التعاون الاستثماري والتجاري والمالي بينها.
وكان البنك الدولي قد عرض اليوم الخميس في مؤتمر إقليمي، تفاصيل تقريره: "ما وراء الأفق: رؤية لمشرقٍ جديد".
وشدد التقرير على أهمية التكامل الاقتصادي، ودور الدول المشرقية: مصر، وتركيا، والأردن، ولبنان، والعراق، وسورية وفلسطين، في تحقيق هذا التكامل.

وقال المدير الإقليمي للبنك في منطقة الشرق الأوسط فريد بلحاج، في كلمة خلال المؤتمر الذي نظمه البنك بالتعاون مع اتحاد الأعمال الشرق أوسطي، أن "نمو منطقة آسيا والمحيط الهادىء قد تعزز بفعل أنشطة الكثير من بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا، والآن نحن مدعوون لتنويع انشطة اقتصادات هذه البلدان".
وتابع: "بلدان الشرق الاوسط معروفة بتصدير النفط والغاز، في حين أنها فعلياً منطقة تشكل معبراً للانشطة الاقتصادية". 

النظر إلى نهاية الأفق

وقال بلحاج في المؤتمر الذي عقد في بيروت اليوم إن "البنك الدولي لا يكتفي بالكلام، وإنما ينفذ ما يقوله. نحن مثلاً، نعمل مع الحكومة العراقية على مشروع طموح من شأنه أن يربط العراق ويحرز تكاملاً أكبر في البلد، مروراً بكردستان وصولاً إلى تركيا. هذا المشروع يطمح للعبور بالأردن ويربط بلدان الخليج. وننظر إلى إمكانيات أخرى، مثل الاتصالات والقطاع المالي لتعزيز تنويع اقتصادات البلدان التي نعمل بها".

وأضاف: "رسالتنا اليوم تقول إنه برغم التطورات في العراق وسورية، لا بد أن تصل الاضطرابات إلى خواتيمها، وأن نأخذ التزاماتنا إلى مستوى آخر. قلنا في خضم الحرب في أوروبا إن أصحاب الرؤية الذين ينظرون إلى نهاية الأفق، كانوا يتطلعون لإعادة بناء القارة وإطلاق سنوات النمو الثلاثين الاستثنائية، هذا ما نريد أن ننظر له في مناطقنا، أي أن نعرف المشكلة ونتطلع إلى المستقبل، وهذا لا يتوقف على الكلام، بل على العمل وفق ذلك، والتقرير اليوم يدخل في هذا الاتجاه، وهو خارطة طريق نريد منكم ولنا أن نعتنقها، وهي الخطوة الأولى على طريق الألف ميل".

تكامل وتشابه

ولفت البنك الدولي في تقريره إلى أن أوجه التكامل بين مصر، وتركيا، والأردن، ولبنان، والعراق، وسورية، والأراضي الفلسطينيّة تعتبر مهمّة، وتُشير إلى مكاسب الرعاية المحتملة والأساسيّة الناتجة من ازدياد التجارة، والاستثمار، والتكامل الاقتصادي. واعتبر التقرير أن هذه المجموعة المؤلّفة من سبع دول التي تُشّكل "المشرق الجديد" تستطيع الإفادة من المكاسب الديناميكيّة للتكامل، نظراً إلى قربها الجغرافي من الأسواق الأساسيّة.

وقال التقرير، إن التكامل الاقتصادي من الوسائل الأساسيّة للاستفادة من الفرص الاقليميّة. إذ تواجه غالبيّة الدول في المنطقة شبه الاقليميّة بعض التحديات المشتركة، من بينها: التنوّع المحدود للانتاج والصادرات، والتكامل الاقتصادي العالمي والاقليمي الضعيف من خلال التجارة والاستثمار، ومعدّل البطالة المرتفع في صفوف الشباب.

ويُعتبَر تشكيل منطقة اقتصاديّة موحدة، وفق البنك الدولي، نتيجةً أساسيّةً على الأمدَيْن المتوسّط والطويل، لكن، على الأمد القصير، وحسب الوضع الاقتصادي الحالي، يُمكن التوصّل إلى نتائجَ ملموسة من خلال التعاون شبه الاقليمي في مجالات مُحدّدة.

إحياء الاستثمارات

ونوّه البنك الدولي في تقريره إلى أن "ثمة حاجة ملحّة من أجل الحدّ من الهشاشة الاقليميّة وإعادة إحياء الاستثمارات والنشاط الاقتصادي في المنطقة، وبالتالي تعزيز الاستقرار الماكرو اقتصادي".
وتابع: "صحيح أن المسائل الأمنيّة والسياسيّة الجارية في المنطقة شبه الاقليميّة أضعفت جهود التكامل، لكن دول المشرق الجديد، بشكل فردي وجماعي، لديها مصلحة واضحة في توطيد الروابط النظاميّة والاقتصاديّة في المنطقة، نظراً إلى المكاسب الأمنيّة الضمنيّة من خلال التعاون الوثيق على الجبهة الاقتصاديّة". 

ولفت التقرير إلى أنه "باستطاعة زيادة التجارة وتدفّقات الاستثمارات بين دول المشرق أن تُساهم في تعزيز النمو والتغيير البنيوي في المنطقة، ممّا يُمهّد الطريق للاستخدام الأكثر فاعلية لموارد المنطقة، والقيمة المُضافة، والرأسمال البشري، ونشر التكنولوجيا".

وقال التقرير إنه، مع صعود تركيا، أو لبنان، أو الأردن، يُمكن لعددٍ أكبر من الصناعات الكثيفة الانتقال إلى دول ذات أجور أدنى، مثل سورية ومصر. وقد بدأت هذه التطوّرات أصلاً في قطاع الأنسجة والثياب، لا سيّما في سورية، قبل العام 2011.

وعلى العكس، باستطاعة الدول ذات الأجور الأعلى، مثل لبنان والأردن، الاستفادة من انعكاسات التكنولوجيا من المستثمرين الأتراك مقابل تأمين النفاذ إلى السوق الاقليميّة.

مصر وتركيا قطبا نمو محتملان


واعتبر التقرير أنه من المفترض أن تشكّل مصر وتركيا قطبي نمو مهمَّيْن لفضاء اقتصادي أكثر انفتاحاً في المنطقة. إذ خلال العقد الأخير، اختبرت مصر زيادةً واعدةً لتجارة السلع مع تركيا، ومع شركاء إقليميّين آخرين، حيث تشكّل صلة وصل مهمّة بين الأسواق العربيّة، لاسيّما مع استمرار النزاع في سورية.

وفي الوقت نفسه، تشكّل تركيا سوقاً كبيرة وقريبة  لسلع الدول العربيّة وخدماتها. كما تُعتبَر تركيا مثلاً ناجحاً للتوفيق بين تحرير التجارة والاصلاحات الاقتصاديّة، من أجل توليد تنمية ونمو اقتصاديَّيْن قويَيْن.

واعتبر التقرير أنه باستطاعة الدول كافةً الاستفادة من أوجه التكامل الاقتصادي في المنطقة شبه الاقليميّة، من خلال التخصّص في قطاعاتها الأكثر إنتاجيّةً، مع تحقيق تكامل أكبر مع الاستثمارات المباشرة الأجنبية، وسلسلة القيم واستيراد السلع المتوسّطة والاستهلاكيّة المنخفضة الكلفة من المنطقة.
وأضاف: "تُعتبر مصر والعراق في مكانة جيّدة لجذب الاستثمارات الرأسماليّة من تركيا نظراً إلى تكاليف اليد العاملة التنافسيّة. كما يُمكن للمكاسب من الاستثمارات الرأسماليّة أن تكون مرتفعةً جدّاً في حال تعاون المؤسّسات المحليّة والدوليّة في إطار مشاريعَ مشتركة.

لكن، بالرغم من النمو في تجارة السلع، لا تزال تجارة مصر وتركيا دون مستواها في المنطقة مقارنةً مع القيم الأساسيّة، وفق التقرير، ممّا يُشير إلى عدم استثمار البلدَيْن للموارد المتوفّرة من أجل تعزيز تكاملهما التجاري.

يُشير نموذج جاذبيّة التجارة الذي تمّ تطويره في التقرير إلى موارد مهمّة غير مستثمرة لمصر وتركيا لتعزيز تكاملهما التجاري في المنطقة. وبالنسبة إلى الدولتَيْن، تُعتبَر التدفّقات التجاريّة التي تمّ تحقيقها فعلاً دون ما هو متوقَّع بحسب مبادئ التجارة الأساسيّة في النموذج، ما يُعتبر دليلاً لتجارة دون المستوى. كما أن الصادرات الاقليميّة الثنائيّة الأطراف إلى هاتَيْن الدولتَيْن دون التوقّعات، نظراً إلى بُناهما الاقتصاديّة.


نمو التجارة الإقليمية


ولفت التقرير إلى أنه ازدادت التجارة بين مصر، والأردن، ولبنان، وسورية، والعراق، وتركيا بشكل جوهري في السنوات العشر الماضية. حيث تُظهر التوجّهات الأساسيّة في تدفّقات التجارة الاقليميّة أن التجارة داخل هذه المجموعة ارتفعت سبعة أضعاف، من 4.2 مليار دولار بين عامي 2000 و2002 إلى 29.7 مليار دولار بين أعوام 2008 و2010.

ولكن، بالرغم من هذا النمو المرتفع، لا تزال موارد كثيرة غير مستثمرة من حيث تدفّقات التجارة الثنائيّة الأطراف في المشرق. إذ لم تشكّل الحصّة المُجمّعة للصادرات التركيّة إلى الأردن، ولبنان، وسورية، والعراق، بشكل متوسّط إلا 6.6 في المئة من مجموع الصادرات التركيّة بين أعوام 2008 و2010.  

أما فيما يتعلق بالاستثمار، قال تقرير البنك الدولي إن مجموع الاستثمارات من دول مجلس التعاون الخليجي بين العامَيْن 2003 و2010 شكل حوالي 75 في المئة من مجموع تدفّقات الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة الداخلة إلى لبنان، و69 في المئة من تلك الداخلة إلى الأردن، و61 في المئة من تلك الداخلة إلى سورية، و59 في المئة من تلك الداخلة إلى مصر، و46 في المئة من تلك الداخلة إلى العراق.

أمّا الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة من دول مجلس التعاون الخليجي إلى تركيا، فشكّلت 9 في المئة من مجموع تدفقات الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة الداخلة إلى تركيا.

وتُظهر النتائج أن أوجه التكامل التجارية في ما بين دول المشرق مرتفعة نسبيّاً وشبيهة للمستويات الدلاليّة في ما بين الدول التي شكلّت تاريخياً اتفاقات تجارة إقليميّة ناجحة.

وفي هذا السياق، أعلن التقرير أن الدول الأعضاء الست المؤسِّسة للسوق الأوروبيّة الاقتصاديّة المشتركة سجّلت متوسّط مؤشّر تكامل تجاري قدره 53 عندما وقّعت على الاتفاق، ولمنطقة التجارة الحرّة بين كندا والولايات المتحدة قيمة تأسيسيّة قدرها 64. أما المؤشّر لتوسّع الاتحاد الأوروبي نحو الشرق (بلغاريا، المجر، بولندا، الجمهوريّة التشيكيّة، الجمهوريّة السلوفاكيّة) فبلغ 61. ومن باب المقارنة، تُعتبر تركيا، ومصر، والأردن، ولبنان، وسورية، والعراق في مكانة جيّدة نسبياً لإبرام اتفاق تجارة إقليمي، مع مؤشرّات تكامل تجاري تتراوح بين 40 و50 بشكل عام.

 
التنافس في أسواق الغاز


وشرح التقرير أن دول المشرق تحتاج إلى التنافس في السوق الدوليّة للغاز. إذ تحتاج المنطقة شبه الاقليميّة إلى خطوط تحويل إضافيّة للتخفيف من المعوّقات المحليّة للتدفّقات العابرة للحدود. كما تحتاج إلى تحسين قدرتها على تشغيل الشبكات بشكل كبير، وبطريقة متزامنة ومستدامة، من خلال تحديث الترتيبات النظاميّة وقوانين الشبكات، إضافة إلى تطوير البنى التحتيّة لتجارة الغاز عبر أطراف توريد الغاز الطبيعي المُسيَّل القائمة (في تركيا) أو قيد الإنشاء/التنفيذ في الأردن، ومصر، ولبنان، وسورية، أو مُخطَّط لها في العراق، ممّا من شأنه أن يدعم نمو تجارة الغاز الطبيعي المُسيَّل.

ولفت التقرير أن لمنطقة المشرق احتياطي غاز كبير، 94 في المئة منه في دولتَيْن، هما العراق ومصر. لكن، يواجه كل من مصر والعراق قيوداً صارمة في تعزيز القدرة على إنتاج الغاز لسدّ الطلب عليه. بالنسبة إلى مصر، تكمن القيود في حجم احتياطي الغاز لديها. أما بالنسبة إلى العراق، فتكمن القيود في قدرته على التطبيق.

المساهمون