البناء المخالف يهدد السيسي
صفاء عبد الستار، التي ظلت تدور في شقتها غير المكتملة، حاملة ابنتها الرضيعة ذات العام الواحد، وعلى مقربة منها كان العمال يهدمون أحد المباني، ما يذكّرها بالمصير المحتمل لشقتها.
كان الحال طيبا عندما انتقلت صفاء إلى شقتها المبنية بشكل يخالف القانون في مجمع سكني في ضاحية المعادي قبل عام، وكان زوجها الذي يعمل مندوب مبيعات استثمر مدخراته كلها -وتبلغ 125 ألف جنيه- وتمكنا من تأثيث غرفة واحدة فقط.
وفي حديث نقلته وكالة رويترز للأنباء، قالت صفاء وصوتها يرتعش ذعرا مما ينتظرها "هذا بيت أحلامنا، والآن يريدون أن يهدموا أحلامنا، أين أذهب مع أطفالي؟".
وتتهم صفاء وغيرها من السكان مسؤولين فاسدين بتزوير عقود ملكية الأرض.
وتولى كثير من المصريين المحبطين، تنفيذ ما يطمحون إليه منذ ثورة يناير 2011، التي أثارت آمالا لم تتجسد في مزيد من العدالة
لكن مع سعي الحكومة لفرض القانون وهدم هذه المباني، سيجد كثير من المصريين أنهم خرجوا خاوي الوفاض، مما يفتح الباب أمام مزيد من الاضطرابات في بلد أطاحت فيه الاحتجاجات برئيسين في ثلاث سنوات.
وبينما تعيش الصفوة في مجمعات سكنية مسورة وسط حدائق غناء وبحيرات صناعية أو في شقق فاخرة، أقام الفقراء بيوتهم حيثما استطاعوا، وكثير منهم يعيشون من دون مياه شرب نظيفة أو صرف صحي، في حين يعيش نحو نصف مليون شخص بين المقابر في القاهرة.
وقال خالد الجبرتي المدير التنفيذي لصندوق تطوير العشوائيات التابع للحكومة، إن الفقر دفعهم لذلك، وأدى تراخي الحكومات السابقة على مدى الأربعين أو الخمسين عاما الماضية إلى ذلك.
ويقول مسؤولون مصريون إن البلاد ستحتاج توفير 500 ألف وحدة سنويا
وقال عادل سليمان رئيس منتدى الحوار الإستراتيجي: "كل هؤلاء الناس لن يظلوا ساكتين وسيثورون على النظام والحاكم، وهذه واحدة من أكبر المشاكل التي ستواجه الحكومة".
وتراجع الاقتصاد بشدة بسبب الاضطرابات التي عاشتها البلاد على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، ما أدى لإبعاد المستثمرين الأجانب، وغذت هذه الأوضاع طفرة المباني المخالفة، فاستغل مقاولون هذه الفوضى للاستفادة من الطلب المتزايد على الوحدات السكنية.
ويقدر مسؤولون أن 450 ألف مبنى على الأقل بُنيَ بلا تراخيص في السنوات الثلاث الماضية.
وغذى طفرة البناء المخالف في معظم الأحوال رجال أعمال أو مطورون عقاريون كانوا يدركون زيادة الطلب على الوحدات السكنية ويسعون للكسب السريع في ظل ضعف الإشراف الحكومي.
وقال وسيط عقاري يدعى أحمد ومعه اثنان من المقاولين عملا في مثل هذه المباني، إن رجال الأعمال هؤلاء قاموا ببناء مبانٍ على عجل بالمخالفة للوائح، واعتمادا في بعض الأحيان على وثائق مزورة لبيع الوحدات بأسعار رخيصة.
والآن أصبح مصير هذه المباني معلقا مع سعي المسؤولين لتحديد المباني المخالفة أو غير الآمنة لإزالتها.
وقال الوسيط العقاري أحمد "بعد الثورة بدأ كثيرون البناء على أراضٍ لا يملكونها، هذه مشكلة حقيقية، فالناس وضعت مدخرات عمرها في هذه الوحدات السكنية، ثم بين يوم وليلة سيجدون أن هذه الشقق ليست ملكا لهم".
فبالنسبة لأم محمد التي ستواجه الطرد من مسكنها قريبا، لم يتغير شيء منذ سقوط مبارك.
وقالت أم محمد "اعتقدنا أن الوضع سيتحسن بعد الثورة، لم يكن لدينا أي فكرة أن الحرامية سيعودون.. خدعونا، كان عندنا أمل أن البلد سيتحسن لكن هذا لم يحدث على الإطلاق".
وقد أعلنت الحكومة خططا لبناء مليون وحدة سكنية لذوي الدخل المنخفض في مشروع تبلغ استثماراته 280 مليار جنيه مصري، يمثل أكبر مشروع في المنطقة بمساعدة شركة أرابتك القابضة الإماراتية، لكن كثيرا من فقراء مصر مازالوا يتشككون.
وقالت هند جمعة التي تعيش في مبنىً سيتم هدمه "هذه ليست لنا، ليست لمستوانا، هذه للضباط وناسهم".
ويمثل الإسكان قضية حساسة سيواجهها رئيس مصر القادم، الذي من
ولم تعد شعبية السيسي بالقدر الذي كانت عليه عندما عزل الرئيس محمد مرسي في يوليو/تموز الماضي، وسيتوقع المصريون أن يتصدى لحل مجموعة من التحديات منها عنف الإسلاميين والتدهور الاقتصادي.
ويرى أنصار السيسي فيه شخصية حاسمة، لكن السيسي - الذي قاد انقلابا عسكريا أعلن فيه عزل الرئيس المنتخب في مصر العام الماضي- لم يحدد خططه للتخفيف من حدة المشاكل الاجتماعية التي تمثل أزمة السكن واحدة من أكثرها صعوبة.
وبينما ينظر له أنصاره بوصفه قائدا سيحقق العدل ويساعد الفقراء، يتهمه منتقدوه بالسماح لمسؤولين ورجال أعمال من عهد مبارك بالسيطرة على مصر مرة أخرى على حساب الفقراء.