الانتخابات الرئاسية الجزائرية في فرنسا: شباب محبَط ومسنّون عاطفيّون

14 ابريل 2014
ينتظرون دورهم للتصويت في مرسيليا، السبت (برتران لانغلوا، getty)
+ الخط -

سُئِل وزيرُ خارجية فرنسي سابق عمّا تبقّى من سياسة "فرنسا العربية" (التي أرساها الجنرال دوغول)، فأجاب ساخراً: "بارْبِيسْ"، وهو يقصد الحي الشعبي الذي يقطنه ويرتاده العرب في المقاطَعة الثامنة عشرة من باريس. ولكن حتى هذا الحيّ "خسره" العرب، اليوم، فأصبح الصينيون يكتسحونه، في حين أن سكانه العرب يغادرون إلى ضواحي العاصمة البعيدة.

ويعتبر "حي باربيس" وسوق "مونتروي" وسوق "بيل فيل" وغيرها أمكنة مختارة للحملات الانتخابية التي تنظمها الجاليات المغاربية والمصريّة في كل استحقاق انتخابي.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في 17 أبريل/نيسان المقبل، بدأت مجموعات من أنصار المرشحين تظهر في هذه الأسواق، وهي توزع مناشيرها وتحاول إقناع من لديهم الحق في التصويت باختيار مرشحيها. ويبدو المرشح علي بن فليس، المنافس الأكثر جدية للرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة، المرشح لولاية رئاسية رابعة منذ 1998.

وقد بدأت الانتخابات الجزائرية في فرنسا، يوم السبت. وتعتبر فرنسا مهمة بالنسبة للتصويت، إذ عرفت تسجيل ما يقرب من 815 ألف ناخب من الجزائريين، ومن ذوي الجنسيتين الجزائرية والفرنسية.

ولا يخفي معظم الجزائريين في فرنسا، امتعاضهم من ترشح الرئيس بوتفليقة. وهم يَرون كيف تُمارَس الديمقراطية في فرنسا، التي يستحيل فيها ترشح شخصٍ في مثل حالة بوتفليقة، ليس فقط فيما يتعلق بالصحة، بل وحتى لناحية عدد الولايات الانتخابية.

لا شك أن الجزائريين يريدون التغيير. هم يصرحون بذلك ويصرخون به جهاراً، وبعضهم يرون في بن فليس تجسيداً لهذا التغيير، وخصوصاً أنه الآتي من "جبهة التحرير الوطني"، ويعرف دهاليز السلطة جيداً. والكثيرون يعيبون على فترة السنوات الأخيرة، عدم قدرة سلطات بلادهم، في ظل مرض بوتفليقة المزمن، على اتخاذ قرارات سياسية على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، تليق بدور الجزائر وتاريخها وثرواتها.

يصرخ موزعو المناشير "كل صوت سيكون حاسماً"، وهم يتحدثون بالهجة الجزائرية المحكية، وبالأمازيغية القبائلية، وينظرون إلى سحنات الخارجين من فوهات الميترو. "لستُ جزائرياً، أنا مغربي"، يقول أحد المارة الذي لا يمكن للمُشاهد أن يفرق بينه وبين الجزائريين.

المشكلة التي يعاني منها مُمثِّلو ومُناصِرو المرشحين الرئاسيين الجزائريين في فرنسا، تَكمُنُ في صعوبة تعبئة الناخبين، فالكثيرُ منهم مصاب بنوع من القدرية والإحباط، ويقولون إن بلادهم "تشبه جمهوريات الموز"، على الأقل فيما يتعلق بانعدام التداول السلمي للسلطة. "النتيجة دائماً معروفة". والكل متفق على أن "المافيا تحكم البلاد وتلتهم خيراتها". وهم بالتالي لا يثقون في الانتخابات، ويقولون إنها لو كانت ديمقراطية، لَحَدث تغييرٌ ما منذ فترة طويلة. لسان حال المعترضين سؤال مزمن: متى كان الشعب الجزائري يُصوت في الانتخابات؟ في العام 2004، صوّت الثلث فقط من المسجلين في اللوائح الانتخابية في فرنسا، وهو رقم لا يبشر بخير.

لكن ما الفرق بين بن فليس وبوتفليقة؟ هذا هو السؤال الأهم، ما دام المرشحون الآخرون لا تأثير لهم؟ لقد كان الرجلان في الموقع السياسي نفسه (بن فليس كان وزيراً للخارجية)، وعملا معاً، ولن يكونا مختلِفَيْن. يقول أحد المتسوّقين إنه من الصعب على مَن يُقيم في فرنسا ويُصوّت فيها ويتتبع مسارَ صوتِهِ ويرى جدواه، أن يُصوّت في الجزائر بانتخابات نتائجها معروفة سلفاً، كما أنّ المرشحين لا يختلفون عن بعضهم بعضا. ينبعث أحد المواطنين وسط حشد لا يتجاوز عشرة أشخاص، ويقول إن "(المرشحة التروتسكية) لويزة حنّون هي التي تستحق أن تمثلنا، فهي سيدة صادقة". ويضيف متسائلاً "أَلَمْ يعتبرها القيادي الإسلامي علي بلحاج، الرجلَ الوحيد في الجزائر؟"، ويتأسف أحد الأشخاص الملتحين من غياب مرشح إسلامي قادر على منح الرؤية للصوت الإسلامي.

ترى نسبة لا بأس بها من الجزائريين في فرنسا، أن لمرشحها بن فليس، حظوظاً في الانتخابات، وتستشهد بالمراقبين الذين يتجاوز عددهم 60 ألفاً، والذين انتدبتهم لجنة بن فليس الانتخابية. ولكن علاقة الكثيرين مع بوتفليقة هي علاقة عاطفية، خصوصاً كبار السن، الذين سيصوتون لمصلحته لا محالة، لأنه بحسب بعضهم "بوتفليقة هو بابانا (أبونا) الحقيقي"، ويعتقدون أنه هو الذي أنقذ بلادهم من جحيم الحرب الأهلية، وهنا يبدأ البعض من أنصار بوتفليقة في استعراض أنباء، ليست سوى شائعات غالباً، عن مساعدات تلقاها الفقراء من الدولة لتشييد منازلهم. هؤلاء يعرفون أن مرشحهم مريضٌ جداً، ولكنهم سيصوتون لمصلحته، لا محالة.

ولأن كل شيء مُلتَبِس في الجزائر، فحتى الذين لا يريدون أن يصوتوا لبوتفليقة يقولون إنهم أحبوه في السابق. بعضهم صوّت له في المرة السابقة، وآخرون يقولون إنه أدى دوره، ويلفتون إلى أنه يجدر عليه الآن أن ينسحب بسلام، وأن يترك أجيالاً أخرى شابة لتعمل.

تَكوَّنَ حشدٌ، بشكل تلقائي، قرب مدخل ميترو "باربيس" قرب كشك يبيع الصحف الفرنسية والجزائرية، وكانت مناسبةً لأحدِ أنصار بن فليس ليقول، من دون مواربة: كان هذا الاستحقاق فرصة شريفة لانسحاب الرجل من السلطة وعدم الظهور بمظهر "الدمية". ولم يُخْفِ أنه أحسّ بقشعريرة حين رأى، من قبل، زعماء عرباً ومغاربيين منهكين ومرضى يتشبثون بالسلطة حتى زفراتهم الأخيرة...