الانتخابات الرئاسية التونسية تنطلق قبل صفارة الحكم

الانتخابات الرئاسية التونسية تنطلق قبل صفارة الحكم

20 مايو 2014
حركية المرزوقي الأكثر إثارة للانتباه (مايك-سيغار بول/getty)
+ الخط -
 

أعلنت معظم الأحزاب التونسية، باستثناء حركة النهضة، عن مرشحيها للانتخابات الرئاسية المقبلة، قبل أشهر من موعدها الذي يبدو أنه سيكون بين شهري أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني من العام الحالي.

غير ان السباق من أجل الظفر بكرسي قصر قرطاج، انطلق في حقيقة الامر منذ مدة بعيدة، حتى قبل إقرار القانون الانتخابي، في محاولة واضحة لتشكيل رأي عام مساند، وبناء قاعدة انتخابية على مراحل تنتهج استراتيجية نقد الرئاسة الحالية، وطرح بديل يشكل ملامح الرئيس المقبل على أنقاض المرحلة الحالية، التي يسعى الجميع الى كسب نقاط على حسابها بكل الوسائل.

الكرسي الذي عصف بالتكتلات

أطاحت الطموحات الرئاسية بشكل صريح "الاتحاد من أجل تونس" عندما أكد الحزب الجمهوري، على لسان زعيمه، نجيب الشابي، أن "الاتحاد" بات "بلا جدوى"، وليعلن أن حزبه يبحث عن تكتل جديد سيكون على الأرجح مع بعض التيارات القومية، كحركة الشعب والتحالف الديمقراطي. ولم يكن طموح الشابي في الرئاسة خافياً على أحد، ويرجح الجميع أن خروجه من "الاتحاد من اجل تونس"، كان بسبب عدم تنازل الباجي القايد السبسي عن ترشحه للرئاسة، ولكن احداً لا يضمن أن يرشح التكتل الوسطي الجديد، الشابي لهذا المنصب، فقد سبق أن اكد الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، لـ"العربي الجديد"، أن هذا الامر لم يُحسم بعد في النقاشات التي جمعت "الثالوث الجديد". ولكن الجميع يعلم ان الشابي لن يتنازل عن طموحه الرئاسي، وهو الذي سبق أن رأى، قبل أسابيع، أن احتمال فوزه في الانتخابات الرئاسية "كبيرة جداً" في حال ترشح لها.

ولم يكن "الاتحاد من أجل تونس"، التكتل الوحيد الذي انفرط عقده، إذ فقدت "جبهة الإنقاذ"، التي تشكلت ابان اغتيال محمد البراهمي، كل وجود لها على الساحة السياسية. وقالت أهم مكوناتها، "الجبهة الشعبية" (اليسارية)، إنها حققت أهدافها في إقرار حكومة محايدة، وبالتالي لم تعد ضرورية. وبدا الاختلاف بين المكونات القديمة لـ"الجبهة" يكبر يوماً بعد يوم، بما يمكن أن يضمن التنافس بين حلفاء الأمس. ويبدو الشيوعي حمة الهمامي، المرشح المنطقي للجبهة الشعبية للرئاسة، الجبهة التي شهدت بدورها، منذ أيام، خروج حزب الخضر منها، بعد اتهامات بعدم ديموقراطيتها، وميل الناطق باسمها (حمة الهمامي) الى الانفراد بالرأي. ولعل حزب الخضر سيعلن بدوره عن مرشحه للرئاسة في الايام المقبلة.

السبسي وبن جعفر والزائر الجديد

أعلن اليوم الناطق الرسمي باسم حزب التكتل، محمد بنور، أن رئيس الحزب، رئيس المجلس التاسيسي، مصطفى بن جعفر، سيكون مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية، نافياً ما تردد حول إمكانية ترشيح غيره من داخل الحزب. كما أعلنت "حركة نداء تونس" أيضاً ان الباجي قائد السبسي سيكون مرشحها. ترشيح جاء بعد صراع طويل بعد معركة "قانون العزل السياسي"، الذي كان مقترحاً أن يمنع رموز النظام القديم من الترشح للانتخابات. ويأتي حسم المسألة اليوم، بعدما ترددت أنباء كثيرة عن إمكانية ترشيح الطيب البكوش ، أو كمال مرجان، الذي يسعى حزبه "المبادرة" الى الانضمام الى تحالف مع "نداء تونس". ولكن السبسي قطع يوم الاثنين الطريق أمام كل الطامحين من داخل حركته، أو من المتحالفين معها للرئاسة، وأنهى جدلاً سيكون له تأثير على "نداء تونس" التي تشهد هذه الايام صراعات واضحة بين مختلف أجنحتها، وموجة من الاتهامات المتبادلة حول مدى ديمقراطيتها، وسيطرة "الدستوريين" على بقية مكوناتها اليسارية والنقابية، وعلى مفاصلها، وتكليف السبسي ابنه بالإشراف على إدارة الحزب. جميعها صراعات دفعت الى قرار مفاجئ بعقد مؤتمر للحزب في الشهر المقبل.

ولئن استطاع السبسي أن يبقى في المرتبة الاولى على امتداد الأشهر الماضية في كل عمليات استطلاع الآراء، بفارق مريح على بقية منافسيه، فان زائراً جديداً أطاحه منذ أيام في الاستطلاعات، وهو رئيس الحكومة مهدي جمعة، الذي لن يترشح بالتأكيد للانتخابات المقبلة، بحكم اتفاق "خريطة الطريق"، وبحكم ما أعلنه وأكده بنفسه منذ أيام.

لكن تفوق جمعة على السبسي، قد يعني أن إمكانية الفوز عليه ممكنة، وأن التونسيين يفضلون ملامح معينة في رئيسهم المقبل. لكن في النهاية، تبقى عمليات استطلاعات الرأي محدودة الصدقية، فثلثا التونسيين لا يعرفون لمن سيصوتون، وهو ما يعني ان كل الإمكانيات تبقى واردة، وكل الطموحات مشروعة.

صمت النهضة واستراتيجية المرزوقي

حركية كبيرة تميز الرئيس منصف المرزوقي منذ فترة، بينما منافسوه منصرفون الى أمور أخرى. حركية تدفع الى الاعتقاد بأن الرجل قرر أن يغير من استراتيجيته الرئاسية، من دون أن يتخلى عن أبرز ميزاتها "الشعبية": الالتحام بالناس في قرى نائية، والاشراف على مهرجانات "صغيرة"، ومصالحة عائلات متصارعة، والاجتماع يومياً تقريباً بممثلين عن المحافظات من شمال البلاد وجنوبها، وحضور جميع المواعيد الوطنية، والانتقال إلى "الجبهات الحامية"، مثل منطقة الشعانبي، والاشراف على اجتماعات متكررة لمجلس الأمن الأعلى في رسالة واضحة الى التونسيين بأنه يولي ما يشغلهم أهمية كبيرة. حملة انتخابية واضحة ومتقنة التفاصيل، تحافظ على صورة "العادي" و"البسيط"، و لكنها تحاول أن تقلص من أهم الانتقادات التي وجهها إليه مناوئوه، المتعلقة بطريقته في إدارة فترته الرئاسية، خصوصا في بدايتها، والمتعلقة "بشعبوية" بعض تصريحاته، ومواقفه، وهو ما يتضح أنه راجعها بشكل واضح مع فريقه وحزبه الذي أعلن أنه مرشحه الطبيعي للرئاسيات المقبلة.

وبموازاة ذلك، خفتت الأصوات الداعية الى استقالة المرزوقي وبن جعفر في حال كانا ينويان الترشح الى الرئاسة، بالرغم من أن النهضة عارضت ذلك، لأن لا قانون يفرض أن يستقيل الرئيس اذا كان ينوي الترشح، ولكنها قد تعود إلى المطالبة بذلك بعد إقرار جمع او فصل الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

غير ان السؤال الذي سيبقى الأهم في الاستحقاق الرئاسي المقبل، هو موقف حركة النهضة الذي "ألهب" حماسة كثيرين، إذ أعلنت أكثر من مرة، أنها قد تساند مرشحاً من خارج صفوفها، وهو ما دفع كثيرين الى النظر بإيجابية لقرار الحركة، على الرغم من اعلان أمينها العام المستقيل، حمادي الجبالي عن نيته في الترشح. لكن "النهضة" لم تساند هذا الطموح بشكل صريح ولم ترفضه، فاتحة المجال امام التكهنات والرهانات.

الطامحون إلى الرئاسة التونسية كثُر، والأسماء عديدة والساحة السياسية التونسية تتشكل من جديد، ما يدفع الى انتظار أن تشهد الايام المقبلة تحالفات جديدة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي لم يحسم القانون الانتخابي في الجمع أو الفصل بينهما حتى اليوم. غير أن المترددين لا يزالون كثُراً، ولم يحسموا موقفهم بشكل واضح بعد، وهو ما يعني أن كل الإمكانات تبقى واردة.

المساهمون