الانتخابات الإسرائيلية (10): هوس الهوية اليهودية بمفاهيمها الدينية

الانتخابات الإسرائيلية (10): هوس الهوية اليهودية بمفاهيمها الدينية

14 مارس 2019
أسس بينيت وشاكيد أخيراً حزب "اليمين الجديد(جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -
في الحادي والعشرين من فبراير/شباط الماضي، أي قبل يومين فقط من الموعد النهائي لتقديم القوائم المتنافسة في الانتخابات الإسرائيلية المقررة في التاسع من إبريل/نيسان المقبل، تمكن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عبر ضغوط مكثفة، من توحيد ثلاثة أحزاب يهودية دينية صهيونية استيطانية النزعة والبرامج في قائمة واحدة شملت أحزاب "هبايت هيهودي"، و"إيحود لئومي تكوماه" و"عوتصماه يهوديت". وأثارت الخطوة استنكاراً واسعاً ضد ما اعتبر تشريعاً لعنصرية حزب "عوتصماه يهوديت" الذي يُجاهر مرشحاه الرئيسيان، ميخائيل بن أريه وإيتمار بن غفير، بأنهما يسيران على خطى الرابي اليهودي الأميركي، مئير كهانا، مؤسس حركة كاخ الفاشية، والذي انتخب عضواً في الكنيست الإسرائيلي عام 1983 قبل حظر حركته لاحقاً. في المقابل يتم التسليم والقبول بآراء وأفكار الحزبين الآخرين "هبايت هيهودي" و"إيحود لئومي تكوماه"، وإن كانت أفكارهما السياسية لا تختلف في جوهرها عن طروحات حركة كاخ التي تدعو لطرد العرب وفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على كامل أرض فلسطين، والتي يذهب بعض قادتها إلى الدعوة الصريحة لهدم الأقصى وإقامة الهيكل اليهودي الثالث على أنقاضه.
وتعكس خطوة نتنياهو واستمرار تمسكه بموقفه، رغم الانتقادات التي وجهت له بما في ذلك من اللوبي اليهودي الأميركي "إيباك"، حجم الخوف لديه من خسارة معسكر اليمين الذي يقوده اليوم للأغلبية في الكنيست، في حال ظلت حالة الشرذمة التي سادت في أطراف اليمين وتحديداً عند اليمين الديني الصهيوني، مع كثرة الانشقاقات فيه، والتي تنبع أساساً من خلافات فقهية تتعلق بنمط الحياة اليهودية التي يفترض أن تسود في دولة إسرائيل، ومن ضمن ذلك الموقف من الأغيار (أي غير اليهود).



لكن الأمر الأهم في هذا السياق هو أنه في الوقت الذي وجهت فيه سهام الانتقادات والاستنكار لشرعية "عوتصماه يهوديت"، فإنه يتم التغاضي كلياً عن حقيقة وجود ثلاثة أحزاب أخرى تتفق معه في جوهر طروحاته السياسية واليهودية التوراتية العنصرية، وعن حقيقة التعامل مع هذه الأحزاب حتى من قبل ما يسمى باليسار القوى الليبرالية في إسرائيل كأحزاب شرعية ومرشحة للمشاركة في الحكومات المقبلة.
والواقع أن ظهور هذه الأحزاب في مربع اليمين الديني الصهيوني يعكس غلواً في التطرف الشوفيني الديني في معسكر اليمين، مع تغليب، يصل حد حالة الهوس، للبعد اليهودي الديني للهوية مقابل ما كان سائداً حتى قبل عقدين من تغليب للهوية الإسرائيلية الصهيونية، وإعلاء قيم الصهيونية المحاربة (​الصهيونية التقليدية العلمانية المقاتلة) فوق قيم الهوية اليهودية الدينية.
وسبق أن نُشر كتابان في إسرائيل بين عامي 2000 و2001، من قبل قطبي الخريطة الإسرائيلية الباحث الديني الصهيوني يئير شيلغ وعالم الاجتماع اليساري الأشكنازي باروخ كامبرلينغ، حول التغييرات العميقة في المجتمع الإسرائيلي وتحدث كل منهما عن أبرز هذه التغييرات من وجهة نظر ومنظومة تفكير كل منهما.
كامبرلينغ خصص كتابه للحديث عن نهاية الهيمنة الأشكنازية العمالية، والعلمانية لصالح اليمين القومي الليبرالي. ومن الطرف الآخر، ركز كتاب شيلغ على المتدينين الجدد وانتشار وهيمنة الأفكار اليهودية الدينية بما فيها الخلاصية المرتبطة جوهرياً بنتائج حرب 1967. وبحسب شيلغ فقد تخلصت الأحزاب الدينية اليهودية من عقدة سيطرة الفكر الإسرائيلي والهوية الإسرائيلية العبرية التي تحترم الهوية اليهودية الدينية فقط في باب العبادات وأنماط الحياة اليومية وحرمة السبت كأمر مقبول في المشهد الإسرائيلي. وانتقلت هذه الأحزاب الدينية من القبول بتصور إسرائيل كدولة لليهود لكنها ليبرالية وغربية تحفظ مكاناً للتراث اليهودي والواجبات وتتيح احترام تأدية الفروض الدينية في الداخل وتلتزم بقوانين وأعراف الأمم (على الساحة الدولية)، إلى الدعوة لدولة يهودية بكل معنى الكلمة وعدم التلعثم في الحديث عن دولة يهودية وفق شرائع التوراة، ولا "الخجل" من قول إن أرض إسرائيل لليهود لأن الرب أقطعهم إياها، وبالتالي لا حاجة للخجل من المجاهرة بالحق الإلهي على أرض إسرائيل ولا بما يترتب على احترام هذا الحق والاعتقاد به قولاً وفعلاً.

ويُمكن، في ظل المعركة الانتخابية الحالية، إحصاء هذه الأحزاب المسيطرة على الجناح اليميني الديني الصهيوني للخريطة الإسرائيلية، والتي قد يكون لفشل بعضها في اجتياز نسبة الحسم (محددة بـ3.25 في المائة لأي ما يقارب 150 ألف صوت) أثر مفصلي في صورة الائتلاف الحكومي المقبل في إسرائيل على النحو التالي: التحالف الثلاثي لأحزاب "هبايت هيهودي"، "إيحود لئومي تكوماه" و"عوتصماه يهوديت" وهو يشكل الجسم الأكبر أو التحالف الأكبر لأحزاب التيار الديني الصهيوني، أو وفق تسميات سابقة الأحزاب الدينية الوطنية، إلى جانب حزبي زهوت واليمين الجديد.

هبايت هيهودي (المفدال سابقاً)

يشكل حزب هبايت هيهودي، الذي انشق عنه أخيراً نفتالي بينت وأيليت شاكيد وأسسا حزب "اليمين الجديد"، العمود الفقري لهذا التحالف. وهو امتداد للحزب الديني الوطني "المفدال"، القائم منذ تأسيس الاحتلال، وكان شريكاً في غالبية الحكومات الإسرائيلية وسط تحالف تاريخي مع حزب العمل تم فكه كلياً بعد انتخابات العام 1977 ونجاح الليكود بتشكيل أول حكومة يمينية في إسرائيل، بما عرف بالانقلاب السياسي الأول. عزز هذا الحزب مكانته تاريخياً في إسرائيل بفعل اعترافه قبل النكبة بالحركة الصهيونية وتبنيه مبادئها الأساسية، خلافاً لأحزاب الحريديم غير الصهيونية، والتي كانت تعرض قبل النكبة إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، قبل ظهور المسيح المخلص. كما امتاز بقبوله في مجتمع الدولة الوليدة، خصوصاً أن أنصاره كانوا يخدمون في الجيش خلافاً للحريديم. وحتى العام 1967 كان الحزب يهتم أساساً بخدمة جمهور التيار الديني الوطني (ما يعرف اليوم بالتيار الديني الصهيوني الاستيطاني)، ولم تطرأ تغييرات أو تبرز طروحاته بحلم دولة على كامل أرض إسرائيل، إلا بعد حرب العام 1967 وإطلاق بناء المستوطنات من قبل حكومات حزب العمل. وكان يحرص حتى السنوات الأخيرة على القبول برموز الدولة والحكم، خصوصاً محكمة العدل العليا والجيش.
بعد صعود حزب الليكود للحكم، قويت شوكة الحزب ومطالبه بالاستيطان في كافة أراضي الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك رعاية الاستيطان في قلب الخليل، ومحاولة الاستيطان في سبسطيا، مع استعداد لتحمل العيش في المستوطنات المنعزلة في الضفة الغربية ورفع لواء مواصلة مرحلة الاستيطان "وتعمير البلاد".

إيحود لئومي تكوماه

هو الحزب الثاني في هذا التحالف ويقوده اليوم يتسليئل سموطريتش، وهو مستوطن من غلاة المتطرفين الذين لم يتورعوا عن إطلاق تصريحات عنصرية للغاية ضد العرب، بما في ذلك قوله إنه يرفض أن تكون زوجته عند الولادة في غرفة مع نساء عربيات. كما يدعو بشكل علني مع زميله في الحزب، وزير الزراعة الحالي، أوري أريئيل، إلى فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة في الضفة الغربية، وتطبيق قوانين توراتية متشددة في مختلف مجالات الحياة، ورعاية اقتحام باحات المسجد الأقصى وحتى الدعوة إلى إقامة هيكل يهودي في باحات المسجد بادعاء أنها ليست جزءاً منه. ويؤيد هذا الحزب خفض مكانة المحكمة الإسرائيلية العليا، وإعلاء شأن القوانين اليهودية التوراتية.

تأسس هذا الحزب أصلاً عام 1999 عندما انشق عضوا الكنيست في ذلك الوقت حنان بورات وتسفي هندل، عن حزب المفدال الأم احتجاجاً على مفاوضات واي ريفر التي جرت بين الحكومة الأولى لنتنياهو والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في الولايات المتحدة عام 1998 لإتمام نواقص في اتفاق أوسلو ووضع جدول الانسحاب الإسرائيلي من المدن الفلسطينية.

عوتصماه يهوديت

هو الحزب الثالث في هذا التحالف بفعل ضغوط نتنياهو. تأسس الحزب رسمياً عام 2014 تحت اسم الجبهة اليهودية الوطنية وغير اسمه لاحقاً إلى اسمه الحالي الذي يعني القوة اليهودية. وهو يشكل باعتراف قادته الحاليين، أيتمار بن غفير وميخائيل بن أريه، استمراراً لطريق حزب كاخ الفاشي، الذي مثله في الكنيست عام 1983 مئير كهانا. لا ينفي الحزب ولا ينكر دعايته العنصرية الفاشية الداعية إلى طرد العرب كلياً وإقامة دولة شريعة يهودية.

زهوت

يعني اسمه هوية، وهو الحزب الرابع الذي يعرف نفسه بأنه حزب ديني يهودي أسسه عضو الكنيست السابق موشيه فيغلين، الذي كان نائبا لرئيس الكنيست عن حزب الليكود في حكومة نتنياهو الثالثة حتى مارس/آذار 2015، ومن مؤسسي مجموعة "قيادة يهودية" داخل الليكود نفسه، وسبق له أن كان من مؤسسي حركة "زو أرتسينو" المتطرفة.

وقد عاد اسم هذا الحزب بقوة للمشهد الإسرائيلي الانتخابي على مدار أيام هذا الأسبوع بعد أن بينت الاستطلاعات إمكانية حصوله على أربعة مقاعد، واحتمال أن يشكل بالتالي بيضة القبان في تحديد هوية من يشكل الحكومة المقبلة، خصوصاً أن فيغلين رفض الالتزام علناً بدعم نتنياهو. وقد فاجأت الاستطلاعات الخريطة الحزبية وذلك بعد أن بينت أن فيغلين استطاع، عبر ترويجه لتأييد موقف شرعنة استخدام الماريغوانا، والحد من سلطة الدولة على المواطن وزيادة الحريات الفردية، من استقطاب تأييد شرائح واسعة من الشبان العلمانيين والمحسوبين على اليسار. لكن برنامجه الانتخابي عكس مواقف ربما هي الأكثر تطرفاً من باقي أحزاب اليمين المذكورة، باستثناء عوتصماه يهوديت.
ووفقاً للموقع الرسمي للحزب، فإن الحزب يدعو مثلاً إلى إلغاء اتفاق أوسلو، وإعادة احتلال الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، وطرد قوات وعناصر منظمة التحرير، على غرار إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان. كما يدعو إلى نقل مباني الحكم الرئيسية بما فيها الكنيست، إلى البلدة القديمة من القدس المحتلة، وطرد الأوقاف الإسلامية من المسجد الأقصى، والسماح لليهود بدخول باحات الأقصى من جميع بواباته بشكل حر وأداء الصلوات اليهودية وإقامة كنيس يهودي، وإخضاع الحرم القدسي لسلطة الحاخامية العليا لإسرائيل.

اليمين الجديد

تأسس هذا الحزب في التاسع والعشرين من ديسمبر الماضي، عبر إعلان كل من الوزير نفتالي بينت والوزيرة أيليت شاكيد، عن الانسحاب من حزبهما الأم "هبايت هيهودي"، وإقامة الحزب الجديد بحجة السعي نحو "تأليف القلوب" بين "المتدينين الصهيونيين" وبين العلمانيين، بالأساس، خصوصاً أن بينت وإن كان من معتمري القبعات المنسوجة وينتمي للتيار الديني الصهيوني إلا أنه متزوج من امرأة علمانية، عدا عن أن شاكيد نفسها ليست متدينة.
ويعتبر الحزب نفسه، ووفقاً لاسمه المعلن، حزباً يمينياً في أقصى اليمين السياسي والاقتصادي. كما يحمل مواقف يمينية محافظة جداً في مجال القانون والحكم.

يعارض الحزب كلياً أي انسحاب من أراض فلسطينية أو إقامة دولة فلسطينية. بل إنه يدعو إلى ضم المنطقة "سي" من الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها كلياً معا مع باقي المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وشرعنة كافة المستوطنات في الضفة الغربية.

ويعتبر الحزب أن فلسطين كلها تعود للشعب اليهودي وفقط له منذ أيام التوراة، ويرفض أي تقاسم للسيادة في القدس مع أي جهة كانت. يعرض الحزب مقابل ضم المنطقة "سي" حكماً ذاتياً محدوداً للفلسطينيين في المنطقتين "أ" و"ب" مع إبقاء السيطرة الأمنية كلياً بأيدي إسرائيل. وفي السياق الداخلي الإسرائيلي يدعو الحزب إلى تعزيز الهوية اليهودية بمفهومها الديني أيضاً.