الانتخابات الأوروبية في فرنسا: انهيار شعبية هولاند بالضربة القاضية

الانتخابات الأوروبية في فرنسا: انهيار شعبية هولاند بالضربة القاضية

27 مايو 2014
هولاند أثناء الإدلاء بصوته في الانتخابات الأوروبية(آلان جاكور/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

تكشف عناوين الصحف الفرنسية، يوم الاثنين، حجم الفاجعة الانتخابية التي عرفتها فرنسا في انتخاباتها الأوروبية.

وكتبت صحيفة "ليبراسيون" في عنوانها "الانتصار بالضربة القاضية" (في إشارة واضحة إلى حزب مارين لوبين اليميني المتطرف، وفرنسا _ الجبهة الوطنية).

عنوان الصحيفة هو واحد من بين عناوين أخرى تصف الحالة الفريدة لتصدر الحزب اليميني المتطرف المشهدَ السياسي الفرنسي، وهو ما دفع بكثير من المعلقين لوصف فرنسا بـ"رجل أوروبا المريض".

وقد أُصيبَ الكثيرُ من الساسة الأوروبيين بنوع من الصدمة من النتائج الفرنسية، خصوصاً في الجارة ألمانيا، حيث الأمرُ مختلفٌ. فقد حصد الحزبان المتحالفان فيها أكثر من 70 في المئة، ولم يحصل الحزب اليميني المتطرف سوى على 7 في المئة. ولكن هذا الأخير لا يشاطر اليمين المتطرف الفرنسي أفكاره المعادية لأوروبا، بل يطالب باتحادٍ بين دُول أوروبا الغنية فقط.

وإذا كانت هذه النتيجة الفرنسية تعني عقاباً قاسياً للحزب الاشتراكي الحاكم، فإنها كانت كذلك بالنسبة للمعارضة اليمينية. فاليمين التقليدي والتاريخي الفرنسي اعترفَ كثيرٌ من قادته، صراحةً، بالهزيمة، لأنه كان يأمُلُ أن يحصد، بمعية حزب الوسط والليبراليين، 40 في المئة من الأصوات فإذا به يحصل على نصف ما توقعه.

وإذا كانت الحالة تضيقُ بالحزب الحاكم، الذي حصد في شهرين فقط هزيمتين من العيار الثقيل، وإذا كانت الإصلاحات التي أجراها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وتغيير قيادة الحزب والتعديل الحكومي الذي جاء بمانويل فالس، أكثر الشخصيات اليسارية شعبية في فرنسا، إلى رئاسة الحكومة وحتى الانعطافة الليبرالية، لم تُفِد في تفادي هذه الضربة الثانية، الضربة القاضية، كما قالت بعض الصحف، فما الذي يستطيع أن يفعله الرئيس وحزبه الآن؟

لا يوجد أمام الرئيس الفرنسي كثير من البدائل أمامه. وإذا لم يكن راغباً في حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، كما طالبه بذلك حزب مارين لوبين، الفائز الأكبر، وزعماء اليمين، فما عليه سوى أن يستمر في إدارة شؤون الحكم، بالاعتماد على الأغلبية البرلمانية. ولكن مع مراعاة ألا يحدث انفجار داخلي يهدد به، كل مرة، ما يقرُبُ من 100 نائب متمرد لا تَروقهم توجهات الوزير الأول الليبرالية والتسلطية ولا طموحاته الرئاسية الجامحة.

ولا شكّ أن هولاند ومستشاريه قرأوا آخر استطلاع للرأي يُظهر أن أغلبية الفرنسيين لا يريدون أن يروا هولاند، و(الرئيس الفرنسي السابق) نيكولا ساركوزي، في انتخابات 2017 الرئاسية. وهو ما يعني ظهور حالة شعبية ترفض هؤلاء الساسة (11 في المئة من الفرنسيين فقط، يتمنون رؤية هولاند، مرشحاً سنة 2017). واللافت أن هولاند، جاء في المرتبة الخامسة بعد  فالس (49 في المئة) ومارتين أوبري (25 في المئة) وسيغولين روايال (19 في المئة) وأرنو مونتبورغ (14 في المئة).

اليمين التقليدي الفرنسي، "أغبى يمين في العالم"، كما يروق لبعض زعمائه أن يطلقوا عليه، اعترف هذه المرة بالهزيمة. وعلى الرغم من تفوقه على الحزب الاشتراكي، فقد رأى في نتيجة 20 في المئة من الأصوات دليلاً على أنه لا يمثل بديلاً جدياً للحُكم في انتخابات 2017.

ومن هنا اعترف قادته بأن تَحالُفاً مع أحزاب الوسط والليبراليين ضروري وملحّ لقيادة فرنسا في الوقت المناسب. ولكن الحزب الذي سيجتمع في لقاء عاجل لدراسة نتائج الهزيمة الانتخابية يعرف أنه من الصعب تجاوز الخلافات التي تنخره والتنافس الذي يسود بين مختلف قادته والتهديد المبطن لساركوزي، بالعودة إلى السياسة، إضافة إلى الفضائح المالية والمتابعات التي تطال بعض قادته.

صحيح أن كثيراً من الظروف مواتية لهذا اليمين كيْ يَصعد ويعود للسلطة، ومن بينها حالة التضعضع التي يعيشها الحزب الاشتراكي (14 في المئة)، ولكن من يَعرِف الخناجر التي تشحذ بين زعمائه والمؤامرات التي تحاك يُدرك أن الوحدة المرجوة تحتاج إلى معجزة، أي إلى شخصية سياسية كاريزمية تستطيع تجميع جميع الفلول والحساسيات (دائماً عقدة الرجل التاريخي الجنرال ديغول).

تستطيع مارين لوبين، الفائزة الكبرى في فرنسا، الآن، أن تكوّن مجموعتها البرلمانية في البرلمان الأوروبي، وهي الرافضة لهذا البرلمان، أصلاً، والمدافعة عن "السيادة" في زمن العولمة الكاسحة.

وتستطيع، عبر هذه المجموعة، الحصول على مقرّات وأيضاً تشغيل الكثير من أتباعها والحصول على تعويضات مالية كبيرة، أي الاستيلاء على "غنيمة حرب"، كما قال أحد المعلقين السياسيين. ولكنها، لن تستطيع أن تحدث اختراقاً سياسياً في هذا البرلمان، ما دام أنصار الاتحاد الأوروبي، من يمين تقليدي واشتراكيين وليبراليين، يشكلون الأغلبية الساحقة.

العزاء الوحيد والصغير للمنهزمين في فرنسا يتمثل في أن نصف الفرنسيين لم يكلفوا أنفسَهُم عناءَ التصويت. وهو عزاء يبعثُ أملاً في أن يتحرك هؤلاء المُتقاعِسون للانتخابات في الاستحقاقات المقبلة، لكن لا شيء مضمون.