الاعتقال السياسي هاجس طلاب الضفة الغربية

15 فبراير 2014
الاعتقال السياسي أصبح ممنهجاً منذ عام 2007
+ الخط -
على مدار 39 يوماً، اعتصم طالب الصحافة في جامعة بيرزيت، محمد القدومي، ومعه أربعة عشر طالباً من زملائه، داخل أسوار الجامعة لتحميهم من الاعتقال السياسي على أيدي الأجهزة الأمنية الفلسطينية، قبل أن يقرروا مساء أمس الأول، تعليق الإضراب، بعد تعهدات بعدم ملاحقتهم.

التعهدات حصلوا عليها من رئيس جهاز الاستخبارات الفلسطيني، ماجد فرج، ومسؤول ملف المصالحة في حركة "فتح"، عزام الأحمد، بمبادرة من النائب في حركة "حماس" الشيخ حسن يوسف.
القدومي الذي عاد إلى منزله قال لـ"الجديد": "اليوم تناولت أول وجبة غذاء مع عائلتي التي لم أرها منذ 39 يوماً، لأنني كنت أعتصم مع زملائي في الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت ضد ملاحقتنا من قبل الأجهزة الأمنية طيلة الأشهر الماضية، بهدف اعتقالنا على خلفية نشاطنا الطلابي وانتمائنا السياسي".
ويضيف القدومي، الذي كان ينام مع عشرة من زملائه بغرفة صغيرة في حرم جامعة بيرزيت بالكاد تتسع لأربعة أشخاص، "منذ عام 2007 لدينا مئات الطلبة تم اعتقالهم على خلفية انتمائهم السياسي أو استدعاؤهم بطريقة نغصت حياتهم".
وسبق أن أعتقل القدومي لدى الاحتلال الإسرائيلي لمدة عام. كما اعتقل أكثر من مرة من قبل الأجهزة الأمنية، الأمر الذي أخّر تخرجه لمدة عامين.
ويقول: "أنا على استعداد للبقاء معتصماً والعيش في حرم الجامعة في ظل ظروف معيشية صعبة وغير مستقرة لمدة فصلين، وهما كل ما تبقى لأتخرج من كلية الصحافة". وتابع بحزن "أنا طالب جامعي منذ ست سنوات، لقد تأخر تخرجي بسبب اعتقالي من قبل الاحتلال والأجهزة الأمنية الفلسطينية".

ونجح طلاب الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت في رام الله في خوض أطول اعتصام ضد اعتقالهم على خلفية نشاطهم الطلابي والنقابي، حيث بدأوا الاعتصام يوم الخامس من كانون الثاني/يناير الماضي، وعلقوه مساء الخميس 13 شباط/فبراير على قاعدة "إن عدتم للاعتقال عدنا للاعتصام". وشارك في فعاليات الاعتصام العشرات من الطلبة المحسوبين على الكتلة الإسلامية وهي الذراع الطلابية لحركة "حماس".

النائب في حركة "حماس" حسن يوسف، الذي شارك في المفاوضات لانهاء الاعتصام، اعتبر في حديث لـ"الجديد"، أن "هذه الخطوة الإيجابية في الضفة الغربية تأتي استكمالًا لخطوات إيجابية بدأتها حركة "حماس" في قطاع غزة، مثل السماح لقادة حركة "فتح" بالعودة إلى القطاع، وكلها تأتي تحت عنوان تهيئة الأجواء الإيجابية التي يجب أن تسبق المصالحة".

وقال يوسف، الذي أطلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سراحه الشهر الماضي، بعد عامين على اعتقاله: "لقد أكد لنا رئيس جهاز الاستخبارات العامة ماجد فرج، أن هؤلاء الطلاب لم يعودوا مطلوبين للأمن الفلسطيني، ولا داعي لبقائهم معتصمين داخل الجامعة".

وشهد الأسبوع الماضي العديد من الاجتماعات بين يوسف والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ووزير الداخلية سعيد أبو علي، والمفوض العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان"ديوان المظالم" احمد حرب، لوضع حد لتنامي الاعتقال والاستدعاء على خلفية الانتماء السياسي، بغية تمهيد الأجواء الإيجابية والنوايا الحسنة لتحقيق المصالحة.

ورغم أن الاعتقال السياسي متواصل منذ ولادة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، إلا أن حدته ازدادت وأصبح ممنهجاً منذ أحداث الاقتتال بين حركة "فتح" و"حماس" في قطاع غزة عام 2007، التي أدت إلى سيطرة حماس على القطاع بشكل كامل.

ووثّقت لجنة "أهالي المعتقلين السياسيين"، في تقرير لها عن شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، قيام الأجهزة الأمنية الفلسطينية بـ288 انتهاكاً لحقوق الإنسان في الضفة الغربية، بينها (89) اعتقالًا سياسيا و(120) استدعاء للتحقيق.
وأكد المفوض العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، أحمد حرب، لـ"الجديد" على متابعة الهيئة "قضية الاعتقال السياسي، والاستدعاء بين الطلبة بقلق بالغ...".

وأضاف: "رغم أن للاستدعاء جوانب قانونية، إلا أن الأجهزة الأمنية تعسّفت في استخدامه لدرجة أصبح الاستدعاء لمقابلة الأجهزة الأمنية أسوأ من الاعتقال بحد ذاته، لما فيه من إرباك وتشويش على حياة الطلبة".

وفي سؤال لحرب، إن كانت الوعود التي قطعها وزير الداخلية ورئيس جهاز الاستخبارات الفلسطينية تنطبق على بقية الطلبة في الجامعات الفلسطينية الأخرى، أوضح أن "جامعة بيرزيت هي نقطة الانطلاق ضد الانتهاكات المتمثلة بالاعتقال والاستدعاء على خلفية العمل الطلابي والانتماء السياسي، وسنواصل العمل حتى تشمل وعود عدم استهداف الطلبة بقية الجامعات في الضفة الغربية".

وحسب القانون الفلسطيني، فإن الشرطة والاستخبارات العامة وجهاز الأمن الوقائي يمتلكون صفة الضابطة القضائية، أي أنهم يملكون الحق باستدعاء المواطنين وحبسهم 24 ساعة على ذمة التحقيق دون عرضهم على النيابة. لكن المتابع لملف الاعتقال السياسي في الضفة الغربية يدرك أن بين النص والتطبيق فجوة تتسع كل يوم.

ولعل الأسوأ في ملف الاعتقال السياسي هو عدم انصياع الأجهزة الأمنية لمئات من قرارات محكمة العدل العليا، التي عادة ما تقرر عدم قانونية الاعتقال وضرورة الإفراج عن المعتقل. وتضرب الأجهزة الأمنية هذه القرارات بعرض الحائط، الأمر الذي مسّ بهيبة القضاء الفلسطيني بشكل لافت.

وتمنع قوانين الجامعات الفلسطينية تواجد عناصر الأجهزة الأمنية في حرمها، ما جعلها ملاذا آمناً لعشرات من الطلبة سواء بالاعتصام كما هو الحال مع طلبة بيرزيت، أو بتنفيذ نشاطات ضد الاعتقال السياسي والبقاء في حرم الجامعة ساعات طويلة والدخول والخروج من الجامعة متخفين قدر الإمكان، كما هو الحال مع العشرات من الطلبة في مختلف الجامعات الفلسطينية.

لكن أحد الطلبة الناشطين سياسياً، والمحسوب على حركة "فتح"، قال لـ"الجديد"، "الجامعات الآن مليئة بالمناديب - عملاء للأجهزة الأمنية الفلسطينية _ الذين يراقبون الطلبة ويكتبون تقارير عن نشاطهم السياسي حيث يتم اعتقالهم بناء على هذه التقارير المدفوعة الثمن".

وعادة ما يتم اعتقال نفس الطالب من قبل جهاز الاستخبارات بعد إطلاق سراحه من قبل جهاز الأمن الوقائي أو العكس، والتحقيق معه على ذات التهم.
طالب الصيدلة في جامعة القدس "أبو ديس"، ضياء قشوع، يروي لـ"الجديد" تجربته، مشيراً إلى أنه تم اعتقاله مرة واحدة من قبل الاحتلال، ومرتين من قبل الاستخبارات الفلسطينية ومرة من قبل الأمن الوقائي. وأضاف "عادة ما يتم اعتقالي في نهاية الفصل أي فترة الامتحانات، وإطلاق سراحي مع بداية الفصل الجديد، ما يعني ضياع عام دارسي كامل".

ويتبع جهاز الأمن الوقائي لوزارة الداخلية الفلسطينية، بينما يتبع جهاز الاستخبارات للرئاسة مباشرة.
ولعل الأسوأ هو ما يطلق عليه فلسطينياً "سياسة الباب الدوار"، اي عندما تعتقل الأجهزة الأمنية من يطلق الاحتلال سراحه والعكس صحيح أيضاً، ويتم التحقيق معه في التهم نفسها.

ووثّقت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين والمؤسسات الحقوقية الفلسطينية مئات حالات الاعتقال التي باتت معروفة باعتقالات "الباب الدوار".
ورصدت لجنة الحريات العامة المنبثقة عن لجان المصالحة الوطنية نحو 50 حالة اعتقال في الضفة الغربية الشهر الماضي، بعضها لطلاب جامعات تلاحقهم الأجهزة الأمنية منذ أكثر من خمس سنوات، حسب ما صرح عضو اللجنة، المهندس خليل عساف لـ"الجديد".
ولعل من أبرز المفارقات التي حصلت خلال الأسبوع الماضي، قيام جهاز الاستخبارات باعتقال أحد الطلبة المشاركين في برنامج "شباب الوطن" الذي تقدمه قناة "فلسطين اليوم"، وكان عنوان الحلقة حول الاعتقال السياسي. استضاف البرنامج المتحدث باسم الأجهزة الأمنية، اللواء عدنان الضميري، الذي نفى في البرنامج وجود اعتقال على خلفية الاعتقاد السياسي، لكن اعتقال الطالب عبد الله شتات بعد البرنامج مباشرةً جعل من تصريحات الضميري في البرنامج مادة للتندر على صفحات التواصل الاجتماعي.

المساهمون