الإمام علي يرشّح السيسي

13 فبراير 2014
+ الخط -

الخرافة جزء أساسي من طرق التعامل التي استخدمتها الأنظمة الحاكمة المختلفة في مصر على مدار عقود طوال، وترويج الخزعبلات والفتاوى الغريبة ليس أمراً مستغرباً على المواطن المصري الذي اعتاد أن يسمع الكثير من الأمور الخرافية عن حاكمه، والحاشية، يستهجنها أحياناً ويستسيغها في غالب الأحيان.

ولا يمكن اعتبار ما قاله الدكتور سعد الدين الهلالي أخيراً عن المشير عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري في مصر واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، ووصفهما بأنهما من رسل الله، إلا ضمن هذه الخزعبلات المقصودة، التي تطرب آذان جانب من الشعب الذي لم تتح له فرصة للتعلُّم الجيد.

ولا شك أن اقتناع الكثيرين في مصر بما يقوله توفيق عكاشة على قناة الفراعين الفضائية، من خرافات وخزعبلات، وما يردده صحافيون مغمورون تحولوا إلى مذيعين، مثل محمد الغيطي وأحمد موسى وغيرهم، دليل دامغ على استخدام تلك الوسيلة للعب بالعقول.

في الأيام الأخيرة انتشر فصل جديد من الخزعبلات المقصودة ضمن حملة الترويج المسعورة للجنرال السيسي اعتماداً على كتاب شيعي شهير يدعى "الجفر" يُنسَب إلى الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وتحديداً فصل من الكتاب خاص بمصر، تم تفسيره على مدار العقد الأخير تفسيرات متنوعة تنسب للحاكم في وقت التفسير الأفضلية أو تصبّ عليه الغضب وفق الجهة التي تولّت التفسير.

وينظر الشيعة إلى كتاب "الجفر" باعتباره عِلماً من علوم أهل بيت النبي، صلّى الله عليه وسلم، يختص بمعرفة الغيب ومستقبل الأمة الإسلامية. ويعتقد الشيعة أن الإمام علي ورث الكتاب من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهو مكوّن من صندوقين جلديين يحتوي على كتب مختلفة للأنبياء السابقين، حيث مع كل إمام جديد تنتقل ملكيتها له من الامام الذي سبقه.

لكن الجزء الخاص بمصر في كتاب "الجفر"، بغضّ النظر عن اعتبار الكتاب مصدراً موثوقاً من عدمه، يمثّل مفارقة كبيرة، وخاصة ذلك الجزء الذي يقال إنه يتعلق بالشخص الذي يخلّص مصر من عثرتها والموصوف في الكتاب بعدة أوصاف.. قام البعض بتوصيف كل مَن حكموا البلاد أخيراً بها.

والنص الخاص بمصر يقول: "وإذا فاضت اللئام بأرضها وغارت السماء لكنانتها، بعدما غار الصدق وفاض الكذب وصار العفاف عجباً، فزلزل زلزالها.. وبعد دهر قام لها قائمها، صاحبٌ لا رَهَج له ولا حسّ، بعدما كان ملء السمع والبصر اسمه معروف، وبالحُسن موصوف، ينشل مصر من شجرة الحنظل، ومن ألف عين، له نداء كرائحة الثوم.. يخرج وسيده بهوان بعدما صال اليهود على الكنانة صيال كلب عقور، فيوقظ الصحابي أهلها من سباتٍ ويبعثهم الله بعث الأموات. فلكل أجلٍ كتاب، ولكل غيبة إياب"، وفق نص الكتاب.

والشخصية التي ورد الحديث عنها تبدو غامضة بعض الشيء، ومن صفاتها وفق الكتاب: "لا رهج له ولا حسّ"، بمعنى أنه قليل الكلام والظهور و"هو معروف وبالحسن موصوف"، أي أنه حَسَنٌ جميلُ الطلعة.

ويقال حالياً إن هذا الوصف ينطبق على المشير عبد الفتاح السيسي، وفي التفسير أن اسمه عبد الفتاح سعيد حسين خليل، وتأكد هذا الشيء من خطابه الذي ورد فيه أنه سيشرف على خارطة الطريق، بما معناه أنه الرئيس القادم لا محالة، ويؤكد ذلك ما قيل عن أن الرجل "ينشل مصر من شجرة الحنظل"، وتفسيرها، وفق دُعاة الترويج للجنرال، هو "نظام حكم الإخوان" الذين يُشار إليهم في تفسيرات الكتاب بجملة: "سيخرج هو وسيده بهوان والتوصيف يقال إنه منطبق على الدكتور محمد مرسي ومرشد جماعة الإخوان الدكتور محمد بديع.

تفسير آخر تم تداوله للنص الخاص بمصر في كتاب "الجفر" أيام حكم الدكتور مرسي، جاء فيه: "النص يتحدث عن اللئام، وهو إشارة واضحة إلى الفاسدين الذين ملأوا جنبات مصر خلال السنوات الماضية حتى الآن، أما الزلزال فقد يكون زلزالاً قادماً للشعب المصري، أما الرئيس القادم فهو لا رهج له ولا حسّ، أي أنه قليل الكلام والظهور الإعلامي قبل الثورة وبعدها، وبالطبع سيكون معروفاً، وبالحُسن موصوفاً، أي يكون موصوفاً بحسن الخلق".

ويتابع الواصفون بالقول: وتتأكد مواصفات الرئيس القادم لحكم مصر من أن هذا الرجل "ينشل مصر من شجرة الحنظل" وهي شجرة معروف عنها أنها ذات ثمرة مرة ولكنها تطرد الثعابين، وينتشل مصر أيضاً من "ألف عين"، قد يكون القحط العميم، وتتأكد هويته بندائه الذي له رائحة الثوم، أي الرائحة الكريهة، أي الرجل ذو التصريحات الكريهة لدى معظم المصريين.

وفي أيام المشير حسين طنطاوي وحكم المجلس العسكري، تم تطويع تفسيرات النص لتنطبق عليه بالكامل بعد أن أضيف إليها نص آخر يقول: "وتستمر الكنانة في حصن الصيانة وتقوى شوكة قطانها حتى لا يدخلها دخيل ولا يتصرف فيها بديل، رجالها الاعيان عدة الغين الجامدة غير المتحركة، إذ آن أوانهم وتعيّنت أعيانهم، شيّدوا أركانها، وكشفوا أعوانها بإفراد القائم إذ ذاك، هو الميم بن الميم الأول وابن الحاء الاول والحاء الآخر، فيه سليمان، من الأحرار لا من العبيد... رجاله رجال النجدة".

ويقال إن شجرة الحنظل تبدأ بالانتشار في مصر، مترافقة مع انتشار الظلم وحدوث زلازل في مصر مع مطلع الألفية، ثم يبدأ الإمام، وفق الكتاب وتفسيراته، بذكر أول حرف من كل رئيس يحكم مصر بعد ثورة عبد الناصر على الحكم الملكي، فالجيم مخذول أي جمال عبد الناصر، فلم ينتصر في أي حرب، والألف مقتول وهو السادات، والحاء ميم هان وهو حسني مبارك وقد خرج مهاناً من الحكم، والميم يقتنص الأسود وأمره غير مردود وهو المشير محمد حسين طنطاوي حيث على يديه تم إرغام حسني مبارك وابنه جمال واجباره على التنحي حيث نقض العدد عبر قيامه بالاجتماع بالمجلس الأعلى من دون حسني مبارك، وهذا بمثابة انقلاب عسكري مبطن.

ولم يغب كتاب "الجفر" وتفسيراته أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك أيضاً، فأحد التفسيرات المتداولة للكتاب جاء فيها أنه قال "صاحب مصر علامة العلامات وآيته عجب لها إمارات، قلبه حسن ورأسه محمد ويغيّر اسم الجد، إنْ خرج فاعلم أن المهدي سيطرق أبوابكم، فقبيل أن يقرعها طيروا إليه في قباب السحاب، أو اتوه زحفاً وحبواً على الثلج".

وفي التفسير يطبّق البعض هذا النص على مبارك قائلين: إن حاكم مصر اسمه محمد حسني مبارك، وقد غيّر اسم جده من سيد إلى مبارك وأن قلبه حسن تعني قلب الاسم (حسني) ورأسه محمد يعني أول الاسم.

والعجيب أن تفسيرات الكتاب وتأويلاته لم تقتصر في ذكر مصر على الأحداث الحالية، حيث ورد ذكر السادات وعبد الناصر ومبارك أكثر من مرة، منها تلك الجملة التي تقول: "وفي عقود الهجرة بعد الألف وثلاثمئة، عدّ خمساً أو ستاً يحكم مصر رجل يكنى ناصر يدعوه العرب شجاع العرب، والله في حرب وحرب وما كان منصوراً، ويريد الله لمصر نصراً له حقاً في أحبّ شهوره وهو له، فأرضى مصر رب البيت والعرب بأسمر سادا، أبوه أنور منه، لكنه صالح لصوص المسجد الأقصى بالبلد الحزين".

وجاءت الإشارة، وفق التأويلات، إلى جمال عبد الناصر واضحة وصريحة إلى حربي 1956 و1967 وإلى السادات بالرمز في "أسمر سادا وأبوه أنور منه"، ويتأكد ذلك من الجملة التالية والتي تفيد بأنه صالح لصوص المسجد الأقصى بالبلد الحزين، وهي القدس.

إشارة أخرى إلى مصر في المقطع التالي: "ويدور زمان على الكنانة يفجر فيها الفاجر ويغدر الغادر ويلحد فيها أقوام.. ويمحو الله الخاسر بالظافر خلطاً صالحاً وسيئاً يقتله قاتل وهو على كرسي جيشه وتروح المفاتيح لحسن".

 وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضَحِكٌ كالبُكا، كما قال أبو الطيب المتنبي.

المساهمون