الإعلام وحرب غزة: هولندا تنحاز وبلجيكا تكسر حيادها

الإعلام وحرب غزة: هولندا تنحاز وبلجيكا تكسر حيادها

16 اغسطس 2014
مجزرةالشجاعية غيرت من حياد بعض الاعلام (العربي الجديد)
+ الخط -

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، اتخذت غالبة الوسائل الإعلامية الغربية موقفاً منحازاً إلى الجانب الأقوى في الصراع، ولم تختلف الصورة كثيراً في الإعلام الهولندي أو البلجيكي - على تباينهما الواضح - في التعامل مع الأزمة.

وفي حين انحاز الإعلام الهولندي في غالبيته إلى العدوان الإسرائيلي، مصوراً الأمر على أنه عدوان إرهابي، بدأ من جانب حركة حماس على دولة إسرائيل، حرص الإعلام البلجيكي على أن يكون محايداً في تناوله لأخبار المذابح الإسرائيلية التي ترتكب بشكل يومي ضد سكان قطاع غزة، حتى جاءت مجزرة "حي الشجاعية" صباح يوم الأحد 20 يوليو/تموز 2014 لتغير كثيراً من التعامل الإعلامي الغربي مع الصراع الدائر هناك.

لقد ساهمت هذه المجزرة الوحشية في حمل المتابع الغربي على النظر بطريقة جديدة إلى الواقع المأساوي الذي يحياه سكان القطاع العزّل، وجعلته يكتشف أن ثمة زيفاً ما في ما تنقله وسائل إعلامه المرئية أو المسموعة أو المكتوبة. وهذا ما دفع التلفزيون البلجيكي إلى أن يتخلى عن حياده الذي كان يجاهد في الحفاظ عليه في نشرة أخبار الساعة الواحدة ظهيرة يوم 20 يوليو/تموز الماضي، لتبدأ مذيعة النشرة أولى أخبارها قائلة: "مجزرة بشعة ارتكبتها قوات الجيش الإسرائيلي ضد سكان حي الشجاعية في قطاع غزة، ونظراً لوحشية الصور التي وصلتنا فلن يكون في مقدورنا إذاعتها كاملة، لكننا اخترنا لكم بعض الصور التي لا تغيب عنها الوحشية المفرطة التي تعامل بها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين".

فجر الأربعاء 30 يوليو كان المتابع في بلجيكا وهولندا على موعد آخر مع الوحشية الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين، حيث قتل حوالى 20 فلسطينياً وأصيب عشرات آخرون بجروح في قصف مدفعي للجيش الإسرائيلي استهدف مدرسة تابعة للأونروا في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وكانت إسرائيل على علم تام بأن وكالة الأنروا التابعة للأمم المتحدة أعلنت في يوم 20 يوليو عن أن هناك ما يقرب من 76,000 نازح فلسطيني يحتمون في 60 مدرسة تابعة للأونروا تعمل كملاجئ للطوارئ.

وبالرغم من ذلك، لم تتردد إسرائيل في قصف المدنيين تحت سمع وبصر العالم أجمع، وهو ما دفع وسائل الإعلام البلجيكية، وعلى رأسها أوسع صحيفتين انتشاراً "De morgen" و"De standaard" إلى إدانة الوحشية المفرطة لإسرائيل، فاعتبرت صحيفة "De standaard" أن هذا الهجوم الوحشي "عار على إسرائيل وعلى العالم إن قبل به ومرّ مرور الكرام".

وبقيت كثير من وسائل الإعلام الهولندية تمسك بالعصا من المنتصف في صورة فاضحة لانحيازها الواضح إلى الجانب الإسرائيلي، وهو ما دفع العديد من الهولنديين إلى الخروج في مظاهرات كبيرة في عدة مدن هولندية، مثل أمستردام وروتردام ولاهاي تنديداً بهذا الانحياز السافر من جانب الإعلام الهولندي لصالح الجانب الإسرائيلي. وصب المتظاهرون جام غضبهم على صحف بعينها مثل "De telegraaf" و"Trouw" و"NRC"، وصولاً إلى الغضب على القسم الإخباري في التلفزيون الهولندي الحكومي، "NOS"، الذي اتهم من قبل كثير من الهولنديين بأنه لم يقدم التغطية العادلة في الأحداث الأخيرة في قطاع غزة.

الإعلام الهولندي: اختفاء اسم غزة وفلسطين

صحيفة "De telegraaf" والتي تعتبر أبرز الصحف الشعبية الهولندية وأكثرها ميلاً إلى الاتجاهات اليمينية، لم تكترث كثيراً للأصوات التي اعترضت على سياساتها المنحازة لصالح إسرائيل بعد مجزرة حي الشجاعية وقصف مدرسة الأنروا، بل خرجت صباح السابع من أغسطس الجاري وعلى صفحتها الأخيرة بيان وقع عليه 86 من الشخصيات الهولندية المعروفة في السياسة والفن والإعلام (أغلبهم من الأحزاب اليمينية المتطرفة على كل حال)، يطالبون بـ "لا تسامح في كراهية اليهود"، مشيرين في بيانهم إلى أن "ما يحدث في إسرائيل أصبح يتردد صداه في جنبات الوطن الهولندي. وقد لاحظنا ارتفاع أصوات عديدة في المظاهرات التي خرجت لتدين الأحداث الأخيرة في إسرائيل وهي تطالب بـ"الموت لليهود"، وهو ما لا نقبله تحت أي بند من البنود. هذا ليس دعماً للحكومة الإسرائيلية في صراعها الحالي، بل هو تأكيد منا على موقفنا الواضح في قبولنا لأي انتقادات لسياسات إسرائيل الداخلية، لكننا لن نقبل بانتشار كراهية اليهود في المجتمع الهولندي".

وكما هو ملاحظ في صيغة البيان، الذي أحدث الكثير من البلبلة في الإعلام الهولندي حين ظهوره على الصفحة الأخيرة لصحيفة التلغراف، أنه لم يشر بأي كلمة إلى فلسطين أو قطاع غزة أو ضحايا المجازر الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين، وهو ما زاد من الغضب على الصحيفة أكثر فأكثر.

عربي في الصحافة البلجيكية

في المقابل نجد أن الصحف البلجيكية كانت أكثر اعتدالاً في تناولها للعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، فصحيفة "De standaard" المعروفة بسياساتها اليسارية، أفردت تغطيات استثنائية ويومية لوقائع الأحداث، من خلال مراسلها إلى القطاع والذي قدم بشكل يومي صورة صادقة لمجريات الأمور على الأرض.

كما نشرت "De standaard" باباً شبه يومي عنونته بـ"يوميات الحرب على غزة"، استكتبت فيه الفلسطيني فادي علي أبو شمّالة الذي قدّم للقارئ البلجيكي صورة واضحة للمعاناة التي يحياها سكان مدن القطاع، سواء كان ذلك في غزة أو خان يونس أو رفح، أو غيرها من المدن الفلسطينية التي واجهت عدوان الجيش الإسرائيلي ببسالة.

حرب غزة الأخيرة غيرت الكثير من قواعد اللعبة التي كانت تدار في بؤر الإعلام الغربية الكبرى، ولم يعد المتلقي في حاجة إلى تصديق كل ما يقدم له على موائد وسائل إعلامه المرئية أو المكتوبة. ظهر هذا جلياً في الانتقادات التي واجهتها شبكات إعلامية غربية كبرى كانت من قبل توجه الرأي العام العالمي بسهولة إلى ما تريده في ما يخص أي صراع ينشب في العالم العربي، مثل "BBC" و"CNN"، بعد انحيازهما الفاضح للجانب الإسرائيلي. وها نحن نرى ونسمع اليوم أن ما يحدث في هذه البقعة الصغيرة من العالم المسماة "غزة"، أصبح يسمع ويتردد صداه وبقوة في مدن مثل لندن ونيويورك وبرلين وأمستردام وبروكسل.

 

دلالات

المساهمون