الإعلام الألماني منشغل بـ "خلايا هامبورج"

الإعلام الألماني منشغل بـ "خلايا هامبورج"

09 سبتمبر 2014
أبو آدم وأبوحمزة أبرز السلفيين الألمان (فرانس برس/Getty)
+ الخط -
لا تزال الذاكرة تحمل أخبار وقصص "خلية هامبورج" ذائعة الصيت، التي اتُهمت بتدبير وتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ورغم خبو حدّة "صورة الإسلام" الجهادي في السنوات الأخيرة في الميديا الألمانية بشكل عام، إلا أن الصورة عادت بشكل لا مثيل له مع بدء تدفّق أخبار اجتياحات "الدولة الإسلامية".
مجلة "دير شبيجل" الألمانية المعروفة، أصدرت نسخة خاصة في الأسبوع الثالث من شهر أغسطس/آب تحت عنوان "دولة الشر"، حمل أسماء صحافيين عدة، في عرض شامل للأحداث مع التركيز على سؤالين محوريين: هل كان يمكن تفادي هذا الزحف الخطر؟ وهل تأخر العالم والغرب، خصوصاً، في إدراك خطورة ترك هذه البقعة فريسة التمدد الجهادي الأخطر منذ أيام القاعدة، في سورية والعراق؟ لا يقدم المقال أجوبة قاطعة، ولكنه يمتاز بعرضٍ مغاير نوعاً ما للعوامل التي ساهمت في نشوء أوضاع مثل هذه، من دور رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، وأخطاء الأميركيين المتكررة في العراق، وصولاً الى نظام بشار الاسد وعلاقته بالحركات الجهادية وتقاعس الغرب عن تقديم العون لمقاتلي الجيش السوري الحرّ.
لقد أتاحت حادثة مقتل الصحافيين الأميركيين تركيز الانتباه على مسألة لم تكن تبدو على تلك الدرجة من الخطورة: "بزنس الخطف". فأغلب الصحف الألمانية الكبرى تناولت في الآونة الأخيرة حادثة القتل الرهيبة، مع نشر بعض التفاصيل عن حياة الصحافيين، إلا أنّه في الملحق الأسبوعي لصحيفة "دي فيلت" خصص مقال طويل رصد اهتداء التنظيمات الجهادية الى "تجارة" خطف الغربيين وتحريرهم لقاء مبالغ طائلة بلغت أكثر من 125 مليون دولار حتى السنة الماضية. الكاتب يشير الى أن الظاهرة "أوروبية" بحتة في ظل امتناع الولايات المتحدة مع بريطانيا عن دفع أي مبلغ في حالات وقوع مواطنيها في أيدي التنظيمات الإرهابية.
التقرير يشير أيضاً الى أن وزارة الخارجية الألمانية لمّا تزل تعير اهتماماً فائقاً لهذه الحالات، وتبدو مستعدة لدفع المبالغ لقاء تحرير مواطنين ألمان.
في الأيام التالية القليلة لمقتل الصحافي، جيمس فولي، تم تحرير شاب ألماني كان رهينة عند "الدولة الإسلامية" تكتّمت فيه الحكومة الألمانية عن تفاصيل الصفقة بشكل تام. الكاتب يحذر من أن هذا المنحى يمثّل تعزيزاً جديداً للتنظيمات الإرهابية لمعاودة الكرّة، ويستشهد بنتائج دراسة حديثة خلصت الى أن كل حالة يتم فيها دفع فدية تزيد حالات الخطف الى الضعفين والنصف. وخلُصَ الكاتب الى أن ما يدفع تنظيمات مرعبة مثل "الدولة" للخطف، ليس توجّهاتها الأيديولوجية فحسب، بل عوامل اقتصادية، تمثّل ظاهرة "بزنس الخطف" إحداها. الإرهابيون الجدد؟
ولم تكن أخبار الدولة الإسلامية فاتحة لمعاودة الاهتمام بظاهرة "الإرهاب الإسلامي" في وسائل الإعلام فقط، بل أحدثت صدمة طالت هذه المرة صلب المجتمعات الغربية ذاتها، إذ منذ شهور تواترت المعلومات التي تفيد أن المقاتلين الجهاديين الذين تملأ أخبارهم الدنيا، لم يكن بعضهم سوى أناس يعيشون بين ظهرانينا.
وهكذا أثبتت الوقائع أن "الجهاديين الألمان" لم يكونوا بضعة اشخاص تتضارب حولهم الأنباء، بل ظاهرة خطرة تتّخذ مجرىً يؤرّق سياسيّاً واجتماعيّاً. وفي الملحق الأسبوعي الأخير لصحيفة "زود دويتشة تسايتونغ" العريقة، كان هناك ملفان رئيسيان عن "الدولة الإسلامية" وعلاقته بمقاتلين من ألمانيا، وأسئلة مثل "ما الذي يطلق الإرهابيين الجدد؟"، تصدرته صورة المشتبه بقتل الصحافي الأميركي، فولي، إضافة الى مقالات مطوّلة ثلاث تتبعت الاسباب القريبة والبعيدة التي تدفع شبّاناً صغاراً من مهاجرين وألمان الى "الهجرة الجهادية"، وارتكاب الفظاعات وعرضها على صفحات التواصل الاجتماعي (مثل تويتر ويوتيوب) بلا خجل ولا ورع. ولم تفعّل أنباء الدولة الإسلامية نقاشاً سياسيّاً بخصوص التدخّل في العراق في بلد يتحفّظ على التدخلات العسكرية عموماً، بل أعادت النظر إعلامياً في ظاهرة تبدو أنها الأساس الذي قامت عليه موجة "المجاهدين الألمان": وهي الحركة السلفية في ألمانيا.
مقالات عديدة حاولت إعادة ترتيب الصورة والوقائع بخصوص السّلفيين الذين بدأوا بالظهور في المدن الألمانية وتسربوا الى المساجد بشكل واضح ابتداء من سنة 2011. في مقال نشر على موقع صحيفة "فرانكفورتة الجيمانة"، تركيز على تطور الحركة السلفية في ألمانيا. وانتقد الكاتب المختص، كريستوف ايرهارد، الوضع القانوني وتقاعس السلطات الألمانية عن الاستجابة مبكّراً لمؤشرات تؤكد قرب التحاق الجهاديين الألمان بسورية. ويدلّل الكاتب على قصة مغنّي الراب الألماني، دينيس كاسبرت، الذي كان معروفاً بتطرفه لدى الشرطة في مدينة بون منذ 2012.
ويستفسر الكاتب عن السبب الذي منع السلطات الألمانية من القبض عليه رغم وجود مذكرة إحضار في حقّه، ورغم إجراءات المراقبة في المطارات عموماً. المقال تصدرته صورة أشهر المجاهدين الألمان في سورية، مصطفى، فيليب ومارسيل، الذين غادروا ألمانيا من قرية تدعى لوهبيرج، وأصبحوا أحد أشرس مقاتلي "داعش" في مدينة "اعزاز" شمال سورية. في مقال آخر نشر على موقع "شبيجل اون لاين" تم تسليط الضوء على درب جهادي ألماني من مدينة بيلفيلد هو طارق س، الذي عرف لاحقا "بـ"أبو أسامة الألماني" وظهر في فيديو يدعو فيه الشبيبة المسلمة في ألمانيا الى "القدوم الى أرض العزّة والجهاد". الكاتب يشير الى أنّ عدد المجاهدين المقاتلين في ألمانيا تجاوز 400 مقاتل ولدوا في ألمانيا، أغلبهم ذوو أصول أجنبية عربية أو تركية أو حتى كردية وبعضهم من أصول ألمانية وممن اعتنقوا الإسلام.
لكن الأهم في رأي الكاتب هو تلك الأسباب الكامنة التي دفعت شاباً كطارق الى تلك الدرب، بعد فشله في إيجاد عمل (عقب انتهائه من مراحل تعليم سيء الصيت يسمى في ألمانيا Hauptschulabschluss حيث يدفع إليه غير المتفوقين خصوصاً من أبناء المهاجرين). وهكذا وجد طارق بديلاً معنوياً في السلفية والجهاد. قصص الجهاديين الألمان (أو "جند الله" كما يطلق عليهم في الإعلام الألماني)، كانت أيضاً مصب اهتمام قنوات التلفزة الألمانية الرئيسية، ولم يخل أسبوع من عرض فيلم أو خبر أو برنامج وثائقي عنهم. ففي القناة الأولى وفي برامج عدة مثل "بانوراما" "المجلة المحلية" و"مجلّة الظهر"، كان هناك عرض تقارير مختلفة عن هؤلاء المقاتلين الذين تركوا حياتهم هنا وذهبوا الى القتال في سورية وبعضهم قتل هناك. إلا أنّ أشهرهم كان الوثائقي الذي تم عرضه في برنامج "تقرير ميونيخ" الذي حمل عنواناً مثيراً "الموت في سبيل الله: طريق مقاتل ألماني نحو سورية". وكان بعيداً نوعاً ما عن "الأراء المسبقة" عن الظاهرة، وذهب نحو تحميل بعض العوامل الاجتماعية والاقتصادية وأوضاع المهاجرين المسلمين، مسؤولية صنع القنابل الموقوتة التي تنتظر الأوقات المناسبة لتنفجر.

دلالات

المساهمون