الإرهاق يحاصر المصريين ويخفّض إنتاجية اقتصادهم إلى النصف

الإرهاق يحاصر المصريين ويخفّض إنتاجية اقتصادهم إلى النصف

15 يوليو 2015
الفقر يرفع من حدة القلق لدى المصريين(محمود خالد/فرانس برس)
+ الخط -
"كيف أستطيع؟" سؤال يكرره المواطن المصري رجب سالم، الذي يعمل مدرساً صباحاً، وموظفاً في إحدى شركات السياحة ليلاً. ويروي سالم معاناته مع الأرق فيقول: "لدي ثلاثة أبناء أسعى إلى أن أمنحهم تعليما مناسبا، ولكنني لم أستطع، أعاني القلق يومياً خشية أن يمرض أحدهم، وألا أستطيع تأمين الدواء أو الطبابة. أتقاضى راتبا بقيمة 250 دولاراً شهرياً، ولست قادرا على تأمين الحد الأدنى من الحياة اللائقة لأسرتي، بسبب الأسعار وكلفة الخدمات. نعم، أنا لا أنام لأيام".


إذ ما بين تفجيرات هنا، واشتباكات هناك، وصور قتلى وجرحى في شوارع مصر أسبوعياً، وإغلاق مصانع هنا وتخفيض مرتبات هناك، وتهديدات أمنية مستمرة، يعيش 90 مليون مصري، حالة من القلق والتوتر المستمر، لدرجة عدم القدرة على النوم. وصلت الأزمة إلى حد اتجاه المئات إلى الانتحار تخلصاً من الواقع الذي يعيشونه والمستقبل الذي لا يعرفون عنه شيئًا.

يقول أستاذ علم النفس الصناعي في جامعة عين شمس، الدكتور فرج عبدالقادر، إن المسؤولين في مصر لم يخطئوا عندما وصفوا المنتحرين بأنهم مرضى نفسيون، ولكنهم كعادتهم لم يشخّصوا الأسباب التي تدفع شاباً في مقتبل عمره إلى الانتحار.

اقرأ أيضا: الفقر "أُمُّ الأزمات" في مصر ولو بعد عشر سنوات 

يشير عبدالقادر إلى أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها مصر، أنتجت أمراضاً نفسية تنعكس في الأرق والتوتر والخوف من المستقبل والاكتئاب، بالإضافة إلى العديد من الأمراض العضوية، مثل القولون العصبي وأمراض الجهاز العصبي، وغالبيتها ناتجة من عدم الاستقرار، والإحساس بالعجز، وفقدان الثقة. ويؤكد عبدالقادر أن تلك النوعية من الأمراض تؤثر سلباً على الإنتاج، وعلى القدرة على العمل من الأساس. ويلفت إلى أن بين عمال الشركات التي يهددها شبح الخصخصة 8 أفراد يعانون الأرق وقلة النوم من أصل 10، وبالتالي تنخفض إنتاجيتهم بصورة واضحة، ويلجأ نصفهم إلى تعاطي الأدوية المهدئة، وأحياناً المخدرة، ليستطيعوا التعامل مع الحياة. وقد كشف البحث القومي للإدمان، أن عدد متعاطي المخدرات على فترات متقطعة بلغ نسبة 20.6% من تعداد السكان.


ويضيف عبدالقادر أن ارتفاع نسبة البطالة في مصر، والتي بلغت ما يقرب من 15% من إجمالي قوة العمل، وفقا لمنظمة العمل الدولية، وعدم وجود فرص عمل تلائم المؤهلات التي حصل عليها الشباب، وارتفاع تكاليف الزواج، تنتج أمراضاً عديدة، مثل اللامبالاة والتبلد والإحساس باللاقيمة وعدم القدرة على النوم لتجديد النشاط الإنتاجي، وهو ما يفقد مصر طاقة إنتاجية تزيد عن نصف طاقتها الفعلية. وبالتالي تؤدي تلك النوعية من الأمراض إلى خسائر اقتصادية كبيرة للغاية.

تقول دكتورة التنمية البشرية في الجمعية المصرية للتأهيل المهني، أمل رضوان، إن القلق والتوتر مرتبطان بصورة أساسية في مصر بغياب المعلومة، وعدم الشفافية، والديكتاتورية في اتخاذ القرار، وليس بتغيير الأنظمة. لا سيما أن القدرة على التغيير تمنح الأشخاص إحساساً بالأمل في أن يأتي هذا التغيير عليهم بالخير. إلا أن خيبات الأمل المتواصلة في أن يحدث هذا التغيير تطوراً ملموساً في حياة الأفراد ينتج الأرق والمزيد من التوتر.

اقرأ أيضا: ثقافة العمل في مصر.. "فوت علينا بكره"

وتشرح رضوان أن الشخص الذي يعاني من الأرق ولا يستطيع النوم بانتظام، غير قادر على الإنتاج والإبداع لتحسين الظروف الاقتصادية التي يعيشها. وتوضح أن المصريين يستهلكون ما يقرب من 420 مليار جنيه أدوية مضادة للاكتئاب وترامادول ومخدرات، معتقدين أن ذلك قد يصل بهم إلى الإحساس بالأمان، الذي يفتقدونه بالتدريج، خاصة بعد إغلاق العديد من الشركات في مجال السياحة والغزل والنسيج، ورفع الدعم عن الغالبية العظمى من السلع، وإحساس الأفراد بأنهم عاجزون عن الإيفاء بأقل مطالب حياتهم.

تدلل رضوان على ذلك، بأن العمال في المصانع يفاجأون بتخفيض المرتبات ولا يؤخذ برأيهم، وعندما يعترضون يهددون بإغلاق تام لمصدر رزقهم، فيصابون بالأرق والقلق، ولا يستطيعون حتى التخطيط لما هو أبعد من يومهم. وهو الأمر الذي يؤثر بالطبع على الاستثمار في الصناعات الصغيرة، مثل التجارة والصناعة، وفي قطاع العقارات.

المساهمون