الإرهاب وأفول الأمل

27 نوفمبر 2015
+ الخط -
بعد هجمات باريس، تعالت أصوات كثير من كتَّاب العرب والمسلمين تلعن الإرهابيين والإرهاب، وتفنِّد مزاعم المتشددين والمتنطعين أن هذه الأعمال ليست من الإنسانية في شيء، بل حتى ليست من الدين، وهذا أمرٌ جيدٌ مقبول، فنحن أمة بها جيش من المحامين يترافعون طواعيةً وبلا توكيل عندما يكون المتهم هو الدين.
منذ هجمات سبتمبر/أيلول عام 2001 والعقلية الجمعية الشعبوية تستحوذ عقولنا بأن مثل هذه الهجمات تشوه الإسلام وصورة المسلمين، وتلصق بنا صفة الإرهاب والإرهابيين، لتكون أولويتنا بعدها أن نقنع العالم أن هذه الأعمال ليست من تعاليم ديننا الحنيف، ومن يقوم بها لا يمثلوننا ولا يمثلون تاريخنا ولا يشرفون حاضرنا ولا مستقبلنا، ووصلت المرافعات، في هذه القضية، إلى درجة ممجوجة، إذ وصل الحال ببعض المستثقفين أن يكون ملكياً أكثر من الملك، وصاروا يتسابقون على الفضائيات الأوروبية مقدِّمين النصائح والاستشارات للمخدوشين والمجروحين من "الإرهاب العربي والإسلامي" الخطير، ونصح أحدهم وزارة الداخلية الفرنسية قائلاً أنكم أنتم تتحملون المسؤولية الأولى لأنكم تفتحون أبوابكم للعرب، وتمنحونهم تراخيصَ بناء مساجدهم في مدنكم، لماذا لا يكون مسجد واحد فقط للمسلمين في كل مدينة فرنسية!
السؤال الأهم الذي كان يجب أن يطرحه المثقفون والباحثون العرب: ما الذي دعا الشباب إلى أن يقوموا بمثل هذه الفظاعات؟ ما هو الأمر الجلل الذي يجعل شاباً وسيماً ناجحاً مثقفاً في مقتبل العمر أن يتنازل عن كل شيء، وأن يلصق في صدره حزاماً ناسفاً لعيناً يجعل من جسده وأجساد من حوله أشلاء ممزقة؟ أو باختصار، ليسأل المثقفون العرب في كتاباتهم لمراكز دراسات الغرب سؤالاً صريحاً: لماذا يكرهنا هؤلاء الشباب؟
مثل هذا السؤال قد يدعو مراكز الدراسات الأوروبية إلى أن تكون صادقةً مع نفسها ومع شعوبها، وتنزل إلى الشارع العربي وتسأل السؤال الأهم: ما الذي يحمل بعضكم أن يتطرف أو يتشدد؟ ليسألوا آباء هؤلاء الشباب وأمهاتهم: لماذا ترك أبناؤكم أوطانهم وأهلهم وزوجاتهم وأبناءهم والتحقوا بتنظيم يرى العالم أجمع إجرامه وفظاعاته وقبح تصرفاته؟ قولوا لأهالي الانتحاريين والانتحاريات، لماذا تكرهوننا؟
حاورت عشرات الشباب المتشدد وجهاً لوجه، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي ورأيت أن ثمةَ متشابهات في إجابات معظمهم، دعوني أسميها بالمتشابهات العشر "رابعة، الغوطة، الحولة، غزة، براميل متفجرة، السنة، ثورة مضادة، أحلامنا، ربيع عربي، مؤامرة."
ببساطة، وبكل موضوعية، فقد شبابنا الأمل، ومن يفقد الأمل يكون سهلاً عليه أن يفقد كل شيء. كيف لا ونحن أصحاب ثقافة "الأمل الفسيح" المصطلح الذي جاء في كتاب الأحكام السلطانية للماوردي حين قام بتعريف الدولة أنها شعب وأرض وحاكم وأمن وأمل فسيح، نحن شعوب فقدت الأمل.
تألمت روسيا من حادثة الطائرة. ليست روسيا فحسب، بل كلُّ إنسان حر يتألم لمثل هذه الحوادث، ولكن، لماذا لم تسأل روسيا نفسها السؤال الأهم: ما الذي دعاها أن تقف في وجه شعب مظلوم مكلوم يطلب الحرية ويناضل من أجلها سنوات؟ لماذا وقفت روسيا مع حاكمٍ أحرق الآلاف من شعبه وآخر قام بتهجير ملايين بعد أن أحرق البلد؟
خرج الشباب العربي بعد عقود من القهر والظلم والغطرسة، وقد آمن بما روَّجتموه وما زلتم، وقالوا أننا سئمنا من الدكتاتورية وحكومات الرجل الأوحد، ونريد أن نبدأ عهداً جديداً من عهود الديمقراطية، علَّنا نفرح ببلادنا ونراها ولو برهة من الزمن ينالُها ما نال بلادكم من أمنٍ وأمانٍ ورخاءٍ واسترخاء، وجاءتكم فرصةٌ تاريخية لتهدموا إرثاً بدأه الأسلاف منذ عقود، وأن تطفئوا ناراً أشعل جذوتها أسامة بن لادن وغيره، لكنكم اخترتم أن تحرق شعوبنا النار، وها هي تحرقنا وتحرقكم.
5664E221-356F-40BA-B7F8-5C299AFD659B
5664E221-356F-40BA-B7F8-5C299AFD659B
علي حسن أبو رزق (فلسطين)
علي حسن أبو رزق (فلسطين)