الأمم المتحدة حين ترى الحلّ مع "داعش" سياسياً

الأمم المتحدة حين ترى الحلّ مع "داعش" سياسياً

16 أكتوبر 2014

جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة لنقاش الحرب على "داعش"(24سبتمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

تقرّ هيئة الأمم المتّحدة في تعاملها مع الأزمة في الشرق الأوسط باستخدام مصطلح الدولة الإسلامية في سورية والعراق رسميًا، وإن لم تكن راغبة في ذلك، وفقًا لتصريحات ميروسلاف زفيروف مستشار الشؤون السياسية للبعثة الأممية في العراق، والتي يترأسها وزير الخارجية البلغاري السابق، نيكولاي ملادينوف.

تدرك الأمم المتحدة أهمية داعش، وأثر هذا التنظيم على أرض الواقع، إثر السقوط السريع لثاني مدن الدولة العراقية، الموصل. لذا، سارعت المنظمة الدولية إلى بذل الجهود، والعمل الحثيث لإيجاد صيغة للتعامل مع "داعش"، ومواجهة تنامي سيطرته على الأرض في العراق وسورية، وبادرت القوات الأميركية بقصف المراكز العسكرية للتنظيم، وأماكن وجوده، بعد شهرين من سقوط الموصل، في وقت أظهر "داعش" فيه مقدرة وكفاءة عسكرية مميزة، في مواجهة الهجوم الأميركي المتوقع. يعود الفضل في ذلك، وفقًا لتقارير الهيئة الدولية، إلى التحالف القوي بين "داعش" والمنظمات الإسلامية مع بقايا قوات "البعث" التي أعلنت المعارضة المسلحة منذ عام 2003، والتي تمكنت من إعادة تنظيم صفوفها، وإيجاد صيغة للتحالف مع "داعش"، والقتال في صفوف الدولة ضمن أجندات واضحة، تتفق وتختلف مع التنظيمات الإسلامية.   

يعود نجاح تنظيم "داعش" بهذه السرعة إلى تراكم المشكلات السياسية والاجتماعية في العراق، طوال السنوات العشر الأخيرة، وأهمّها الانهيار المؤسساتي في قوام الدولة العراقية، ما أفشل محاولات حكومة نوري المالكي لمواجهة "داعش"، وأدّى هذا الانهيار كذلك إلى ظهور تنظيمات عديدة مسلحة نشطة فوق الأراضي العراقية. كما تشير ردود الفعل التي واجهتها القوات الأميركية في ساحات القتال إلى التدريب الجيد لهذا التنظيم، وقدرته على المواجهة بكفاءة فائقة. ما حدث في العراق من ظلم اجتماعي، وتغييب لفئات عريضة من المجتمع، وخصوصاً في المجتمع السنّي، وعدم الاهتمام بتنمية مناطق وجودهم ساعد في نجاح "داعش" في الإقليم، باعتباره البديل عن المدّ الشيعي، واعتماده حربة متقدّمة في خاصرة المليشيات الشيعية في العراق.

"داعش"، وفقًا للهيئة الأممية، منظمة متطرفة راديكالية، تطالب بإقامة الخلافة في بلاد الشام بزعامة أبو بكر البغدادي، كما تطالب بإقامة أحكام الشريعة الإسلامية في أماكن نفوذها، ولا تسعى، كذلك، إلى التحالف مع أيّ تنظيم آخر عند الضرورة، لقناعتها التامّة بفرادتها في المنطقة.

ليس هناك ما يدعو للعجب في التحالف بين قوات البعث العراقي وتنظيم "داعش"، وغيره من التنظيمات الإسلامية، لأنّها، في مكوّنها العام، تتفق في معارضتها للنظام الشيعي، ويعتبر هذا التوافق بمثابة زواج متعة مؤقت، وليس متوقعاً أن يدوم طويلاً. وتجدر الإشارة، كذلك، إلى أنّ مطالب "البعث" تختلف عن مطالب "داعش"، وتتمثل في إجراء عمليات إصلاح سياسي شامل في العراق، وتشكيل جيش وطني، وتمكين "البعث" من مؤسسات السلطة، ووقف عمليات التشييع والمدّ الشيعي الإيراني في البلاد، إضافة إلى المطلب الوطنيّ الأهم بين الفئات السنّيّة، حلّ المليشيات الشيعية في العراق.

طرحت الأمم المتحدة مشروعًا لمساعدة السلطات في العراق، والبدء بعمليات إصلاح واسعة، وتقديم مساعدات عسكرية لمواجهة تقدّم تنظيم "داعش"، والعمل على إعادة السنّة إلى السلطة، والجلوس على طاولة المحادثا. وجاء ردّ الجماعات السنية مفاجئًا للهيئة الدولية، حيث أعربت عن قدرتها على التعامل مع "داعش"، بطريقة أو بأخرى، لكنّ الخطر الحقيقي، بالنسبة إليها، يتمثّل في المليشيات الشيعية التي أصبحت جزءًا من قوام السلطة في بغداد. ويدعم السنّة في العراق تشكيل جيش وطني، وهناك اقتراحات عملية، للبدء بتشكيله لمواجهة المخاطر التي تعصف بالعراق. وترى الهيئة الأممية، وفقًا لورقة العمل التي قدمها مستشار بعثتها في العراق، ميروسلاف زفيروف في النادي العسكري في صوفيا، أنّ الجيش الوطني المطلوب يمكن تشكيله وفق النموذج الأميركي في الكويت بعد التحرير، أو تشكيل جيش وطني بصبغة إيرانية، أو وفقًا للنموذج السابق، صدام حسين.

ويمكن تلخيص المطالب الأساسية التي تنادي بها الفئات المجتمعية، وفي مقدمتها السنّة في العراق، كالتالي: الحصول على حكم ذاتي مستقل، العفو العام لقوام المعارضة العراقية، وحلّ المليشيات الشيعية، وهو المطلب الأهمّ. كما تطالب الفئات كافة بتحييد التأثير الخارجي لدول الجوار، وفي مقدمتها إيران، والتوقف عن العبث بمستقبل العراق، والتدخل في شؤونه الداخلية. وتأخذ الهيئة الأممية في الاعتبار مشكلة الفساد الإداري والمؤسساتي وبقاء النخب السياسية في المراكز القيادية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تدمير الدولة، وترى أنّ هناك ضرورة بالغة للعمل على تحقيق توافق شعبي وسياسي وإنقاذ الهرم المؤسساتي في البلاد، وضرورة احترام مطالب زعماء القبائل والتعامل معها بجدية، ولا تختلف مطالبها، في جوهرها، عن مطالب الفئات الأخرى.

مطالب المجموعات المؤثرة في العراق متماثلة، لكن، لا يمكن جمعها في وثيقة واحدة، لعدم القدرة على التحاور والجلوس حول طاولة واحدة للنقاش، ما يعني وجود مشكلات متجذّرة في المجتمع العراقي، وفي أوساط الأقليات والطوائف نفسها، علمًا أنّ التدخل العسكري لن يؤدّي إلى حلّ الأزمة بأيّ شكل، ولا بديل عن الجلوس إلى طاولة المفاوضات والحوار، لحلّ الأزمات المتتالية في هذا الإقليم.

للإشارة إلى حجم الإجحاف والظلم الذي طال أقليات كثيرة، يذكر أنّ حجم الثروة النفطية في البصرة يفوق مثيلتها في أبوظبي، لكنّ البنية التحتية لمدينة البصرة أسوأ من البنية في منطقة الرمادي.

ولا يرى ميروسلاف زفيروف أنّ "داعش" تمثّل خطرًا على بلغاريا تحديدًا، لكنّ هذا التنظيم يمثّل خطرًا على مصالح دول الاتحاد الأوروبي، ويمثّل خطرًا على روسيا القريبة من الجمهوريات الإسلامية. وسيبقى تهديد "داعش" لقلب الأمر الواقع في المنطقة قائمًا، لعدم وجود بدائل عملية وجادّة، والحلّ الأمثل يتمثل في إنجاز عمليات إصلاح حقيقية واسعة.

أمّا بشأن تسليح المنظمات الإسلامية، وغيرها من المنظمات المتطرفة التي ظهرت على مسرح الأحداث أخيراً، فإنّ البيانات تشير إلى تواجد كميات كبيرة من الأسلحة القادمة من منظومة الدول الاشتراكية الغابرة، وما تزال متداولة في الدول المعنية، كما أنّ شركات السلاح التقليدي والمتطور، الرشاشات والصواريخ المحمولة على الأكتاف، تعرف جيّدًا الخبايا والطرق القصيرة للوصول إلى تجار ووسطاء ترويج السلاح في المناطق المعنية في إقليم الشرق الأوسط، من دون التورّط الرسمي في هذه الصفقات.   

لذا، فإنّ الحل والحسم العسكري غير ممكن، وفقًا للمعادلات الدولية، وقدرة التنظيمات الإسلامية، وفي مقدمتها "داعش" للصمود، والحصول على السلاح من دول عديدة مجاورة، كما أنّ مصانع السلاح في دول أوروبا الشرقية تشكو من الكساد، وفي حاجة ماسّة لتمويل عاجل وتسويق ما لديها من الأسلحة المكدّسة في مخازنها، بغضّ النظر عن الجهة المستفيدة.

59F18F76-C34B-48FB-9E3D-894018597D69
خيري حمدان

كاتب وصحفي فلسطيني يقيم في صوفيا. يكتب بالعربية والبلغارية. صدرت له روايات ودواوين شعرية باللغتين، وحاز جائزة أوروبية في المسرح