الألعاب الروحانية: "ويجا" هاتف العالم السفلي (1- 2)

06 مارس 2017
(لوحة ويجا لاستدعاء الأرواح، تصوير: كارلوس غيمارايش)
+ الخط -


نظرة الإنسان الفوقية لنفسه جعلته لا يتقبّل فكرة موته كباقي الكائنات المحيطة به، فهو الكائن الأكثر تطوّرًا، مما جعله يفلسف موته، حيث اعتبرت الفلسفات الروحانية أن الموت هو عملية فيزيائية، تطرأ على جسد الإنسان الفاني، أما روحه فهي خالدة، ووُضِعت العديد من النظريات التي تفترض مصير الروح بعد الموت وكيفية عيشها في العالم الآخر.

لعبت الأديان دورًا أساسيًا في صياغة الفلسفات الروحية والترويج لها، فمعظم الأديان تؤكّد أن الروح لا تفنى، وتنتقل من عالم لآخر، واعتبرت العديد من النظريات الفلسفية أن موت الإنسان في عالمنا، هو بمثابة ولادة له في عوالم أخرى أو أزمنة أخرى.

ويبدو أن الصدمة العاطفية التي يخلّفها فقدان شخص ما، تجعل محبّيه في حالة بحث عن وسائل وطرق للتواصل مع روحه، ونتيجةً لذلك ظهر ما يسمّى بالوسيط الروحي، الذي يدّعي امتلاكه المقدرة التي تمكّنه من التواصل مع الأشخاص في العالم الآخر، وهذا النوع من الإيمان بعمليات تحضير الأرواح والقدرة على التحدّث معهم، منتشرٌ في أميركا وأوروبا، وله ما يعادله في العالم العربي، فهناك الكثير من الأشخاص الذين ادّعوا على مرّ العصور قدرتهم على التواصل مع الجنّ وكائنات العالم السفلي، وما زالت جلسات تحضير الجنّ تتمّ في العالم العربي حتى اليوم.

العرب آمنوا بمفهوم استحضار الأرواح الغربي، كما تشير العديد من الشائعات التي انتشرت في القرن الماضي، مثل الشائعات التي تناولت الأدباء، واتّهمتهم باللجوء إلى وسيط روحي للاستعانة بأهمّ الشعراء والأدباء المتوفّين، ليتمكّنوا من كتابة أعمالهم بروح عظماء الأدب على مر العصور، فعلى سبيل المثال، أشيع عن أحمد شوقي استعانته بوسيطة تدعى مدام روفائيل، لكتابة مسرحيته "عروس فرعون"، حيث استحضر روح المتنبي وبرناردشو من العالم الآخر لمساعدته بالكتابة.

وتطوّرت الأفكار حول الوساطة الروحية، حتى أنتجت مع الزمن جملة من الألعاب والآلات الروحانية التي تغني عن الشخص الوسيط بالمفهوم التقليدي. ففي سنة 1890، قدّم رجل الأعمال الأميركي، إيليا بوند، لعبة روحانية تسمى "الويجا"، وهي عبارة عن لعبة ترتكز على لوح روحاني، يحل محلّ الوسيط، حيث يتمكّن الأشخاص العاديون من خلاله الاتصال بالعالم الآخر، ويحتوي اللوح على الحروف الأبجدية والأرقام من صفر إلى تسعة، وكلمات "نعم" و"لا" و"مرحبا" و"وداعًا"، بالإضافة إلى بعض الرموز.

ويمكننا تشبيه "الويجا" بالهاتف المحمول الحالي، حيث يتمّ من خلالها استقبال رسائل من العالم الآخر، ويتمّ ذلك عن طريق تحريك اللاعبين للقرص الخشبي، الذي يأخذ شكل القلب المثقوب على لوح الرموز، ونتلقى رسائل العالم السفلي من خلال ترجمة ما يشير إليه القرص الخشبي من حروف وأرقام، وجدير بالذكر أن هذا القرص لا يتحرّك من تلقاء نفسه، فعلى اللاعبين أن يحرّكوه، بمساعدة قوى خفية تتوّج الفعل.

لم تلق لعبة "الويجا" صدى واسعًا إلا بعد أن تم استخدامها من قبل الروحاني الأميركي، بيرل كوران، كأداة للتكهّن خلال الحرب العالمية الأولى، وانتشرت اللعبة حينها بشكلٍ واسع لمعرفة مصير المفقودين بين الحرب العالمية الأولى والثانية. ولم تفقد اللعبة شعبيتها مع مرور السنين، وأصبح بمقدور الأشخاص العاديين تصنيع تلك اللعبة في المنزل، واستخدامها في جلسات تحضير الأرواح.

وأغنت تلك اللعبة العديد من الروايات السينمائية، واستوحت منها السينما عدّة سلاسل من الأفلام، آخرها الفيلم الأميركي "ويجا" الذي أنتج منه جزآن، في سنتي 2014 و2016 من إخراج ستايلز وايت ومايك فلاناغان، وكذلك فإن السينما العربية أغرتها هذه الألعاب، وصنعت فيلم "ويجا" المصري، إخراج خالد يوسف عام 2005.

وعلى الرغم من أن العالم، ويليام كاربنتر، فسّر علميًا ظاهرة تحريك القرص الخشبي أو المؤشّر في لعبة "الويجا"، بأنه فعل تحريكي لا إرادي، يقوده العقل الباطن تحت تأثير العواطف والمشاعر المسبقة، فالأفكار والرغبات المكبوتة هي التي تجعل عضلات الجسم تحرّك القرص بشكل لا إرادي، وهذه الحركة اللا إرادية تجعل الأمر يبدو وكأن الروح هي التي تحرك المؤشر.

إلا أن ذلك التفسير العلمي لم يُفقد اللعبة شعبيتها، وإنما أصبحت ظاهرة الروحانية تتنامى ليظهر علماءٌ ومفلسفون روحانيون، ورُبطت تلك التسميات بعلم الطاقة والماورائيات، وأُدرجت صفة "العلمية" على ما لا يمكن اعتباره علمًا.

المساهمون