الأسبستوس يهدّد الفرنسيين

الأسبستوس يهدّد الفرنسيين

04 نوفمبر 2019
وقفة احتجاجية وتحذيرية من الأسبستوس (ميشال ستوباك/ Getty)
+ الخط -
في السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول 2019، شبّ حريق مصنع الكيماويات "لوبريزول" في مدينة روان، شمال غربي فرنسا. وبعد مرور أكثر من شهر على ذلك الحريق، ما زال سكان مدينة روان وضواحيها لا يعرفون ما حدث في الواقع ولا الخطورة المعرّضين لها على المدى القريب كما على المدى البعيد. ويُثار الجدال مجدداً حول الأسبستوس (أسبست/ أميانت) الذي عُثر على أليافه عقب ذلك الحريق، فيما يشير ناشطون إلى أنّ 100 ألف مواطن مهدّدون بالموت بحلول 2050، في حين انّ التحقيقات ما زالت جارية للوقوف عند حقيقة تلك الحادثة التي أثارت الذعر لا سيّما مع اختلاط المواد الكيميائية في ما بينها.

ولأنّ المخاطر تبدو حقيقية، تبنّت "أنديفا" وهي الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الأسبستوس والأمراض المهنيّة الأخرى في فرنسا، القضيّة، داعيةً إلى عدم الاستخفاف بألياف الأسبستوس في هواء مدينة روان على خلفيّة حريق مصنع الكيماويات "لوبريزيول"، ومحذّرةً من تبعاتها، ومتّخذةً قرار رفع دعوى قضائية في السياق، وذلك على الرغم من أنّ السلطات المعنيّة شدّدت على عدم صحّة تلك "الادعاءات". وفي السياق، شرح رئيس الجمعية ألان بوبيو أنّ سقف المصنع البالغة مساحته ثمانية آلاف متر مربّع، كان يحوي أطناناً عدّة من الأسبستوس، وعندما احترق عُثر على أجزاء منه في نقاط بعيدة عن موقع المصنع. يُذكر أنّ خطر الأسبستوس المستخدم في تشييد أسقف المباني على الصحة العامة، أمر معروف، فتنشّق تلك الألياف من شأنه أن يتسبب في إصابات بالسرطان وبأمراض أخرى.

وفي حين تعلو حدّة السجال بين السلطات الفرنسية التي تنفي أيّ مخاطر جديّة وبين "أنديفا" التي تحذّر من كارثة في السياق، تعيد هذه الحادثة التذكير بقضايا أخرى تتعلّق بالتعرّض إلى الأسبستوس، ما زال ضحاياها ينتظرون إنصافهم منذ عام 2000. فمنذ ذلك العام، تُعقَد جلسات قضائية لمئات المتضررين، لم يصل إلى نهايتها سوى قلّة حصلت على تعويضات هزيلة، فيما البقيّة ما زالت معلّقة أو لم تأتِ لمصلحة الضحايا. أمّا الحجّة التي تُستخدم لعرقلة الأمر فهي "استحالة تحديد تاريخ ما لخطأ ارتُكب وتسبّب في التلوّث ثمّ في تسمّم الضحايا، بالتالي يستحيل تحميل المسؤولية يقيناً لشخص بحدّ ذاته".



تجدر الإشارة إلى أنّ أصابع اتهام كثيرة تُوجّه صوب الأسبستوس، حول العالم، وقد بادرت دول عدّة إلى حظر استخدامه، في حين أعلنت "الوكالة الدولية لبحوث السرطان" عن تسبّبه في أمراض سرطانية، في عام 1993. لكنّ الحظر في فرنسا لم يتقرّر إلا في عام 1997، وهو ما يدفع رئيس لجنة مكافحة الأسبستوس في جامعة "جوسيو" في باريس، ميشال باريغو، إلى التأكيد على أنّ الصناعيين الفرنسيين كانوا مدركين أنّ وقف استخدام هذه المادة الخطرة آتٍ لا محالة، لكنّهم ساهموا في تأخير الحظر من خلال استخدام اللوبيات حتى في داخل الوزارات. يُذكر أنّ جامعة "جوسيو" كانت سبّاقة في عام 1994 في إنشاء لجنتها تلك استناداً إلى تقرير الوكالة الدولية لبحوث السرطان لعام 1993. ويأسف باريغو الذي يُعَد واحداً من ضحايا الأسبستوس، وهو كذلك عضو في جمعية ضحايا الأسبستوس والمواد الملوِّثة، لأنّ قضاة التحقيق في الوكالة الوطنية للصحة العامة لم يقوموا بأيّ عملية تحقيق حول الموضوع منذ عام 2013، مشيراً إلى أنّ الضحايا سوف يعدّون بأنفسهم تلك التحقيقات.



لا يمكن لأحد إنكار تأثير حريق مصنع الكيماويات "لوبريزول" على الرأي العام الفرنسي، وكذلك على السياسيين في البلاد، وهو ما تُرجم بزيارتَين قام بهما رئيس الحكومة إدوار فيليب في حين أنّ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متوقّعة قريباً. لكنّ القضاء الفرنسي هو المستهدف اليوم، لا سيّما أنّ جمعيات مختلفة التي تُعنى بالدفاع عن ضحايا الأسبستوس ترى بأنّه - بناءً على سوابق - يسعى إلى تبرئة المسؤولين. ويُسجَّل أمل بسيط في تجاوب القضاء مع مطالبات بمحاكمة عادلة تنصف المتضررين، لا سيّما أنّ قضايا مشابهة إلى حدّ ما رُحّلت من عام إلى آخر على مدى نحو عقدَين من دون أن تُقفل. لكنّ كثيرين ينتظرون معركة قضائية، قد تتهرّب منها جهات مسؤولة حتى لا تصطدم بصناعييها. يُذكر أنّه في تحقيق أعدّته الوكالة الوطنية للصحة العامة في فرنسا خلصت إلى أنّ الأسبستوس "سوف يظلّ، وعلى مدى عقود عدّة، قضية رئيسية تطاول الصحة العامة والصحة المهنية والصحة البيئية".