الأزمة الأوكرانية: لماذا ماتت خطة بوروشينكو قبل أن تولَد؟

24 يونيو 2014
تتضمن الخطة 15 بنداً وهدنة حتى 27 من الجاري(getty)
+ الخط -

اهتمّت وسائل إعلام أوكرانية وروسية مختلفة، بحدث زيارة الرئيس الجديد بيوتر بوروشينكو، في العشرين من يونيو/ حزيران الجاري، إلى جبهة سلفيانسك، حيث لم يجد وضعاً يطمئن كييف، أو حفاوة شعبية تليق بمقام الرئاسة. وأثناء زيارته هذه، أعلن بوروشينكو عن هدنة لمدة أسبوع على جبهات القتال، وعرض خطته لتسوية الوضع سلمياً في أقاليم جنوب شرق أوكرانيا، وهي الخطة نفسها التي كان قد وعد بتطبيقها حال فوزه في الانتخابات الرئاسية.

وتتضمن خطة بوروشينكو، الطامح إلى رئاسة "كل أوكرانيا"، 15 نقطة. ويرى مقاتلو دونييتسك ولوغانسك وأنصارهم في موسكو أن هذه الخطة أقرب إلى شروط استسلام، ولا يبدو أن النجاح سيكتب لها، إلا إذا كانت هناك إرادة دولية لإحلال السلام في هذه البلاد، بما في ذلك إرادة كييف وموسكو. فما الذي يحول دون تحقيق خطة الرئيس الجديد؟

كان بوروشينكو قد تحدث، في 18 يونيو/ حزيران الجاري، أمام وسائل الإعلام، عن أن خطته لا يمكن أن تبدأ إلا بعد أن تبسط القوات الأوكرانية سيطرتها على الحدود الأوكرانية ـ الروسية الرسمية. وفي سبيل إنجاز هذه المهمة، الصعبة والقاتلة لمسلحي لوغانسك ودونييتسك، أجّلت كييف الإعلان عن الخطة الرئاسية، كما أجل الرئيس أمره بوقف إطلاق النار.

أما ميدانياً، فدارت معارك ضارية في الأيام الأخيرة، كان هدفها العملياتي والاستراتيجي تطويق منطقتي دونييتسك ولوغانسك وعزلهما عن الحدود مع روسيا. لكن الجيش الأوكراني عجز عن تحقيق انتصارات ذات شأن هناك، ولم يتمكن من إغلاق الحدود بين المقاتلين وموسكو. حتى أن المعارك لا تزال مستمرة حتى اليوم، وكل المؤشرات تفيد بأن المقاتلين الانفصاليين لا يزالون يسيطرون على الكثير من المناطق الحدودية.

أمام هذه المعطيات، لماذا تراجع الرئيس، وأعلن وقف إطلاق النار وتقدّم بخطته على الرغم من عدم تحقق شرطه المبدئي؟ يبدو أن الضغوط على كييف من جهة موسكو، وربما من جهة أوروبا، المطالبة بوقف إطلاق النار، أرغمت بوروشينكو على إعلان الهدنة قبل التمكن من إغلاق الحدود. فعدد الضحايا يزداد كل يوم، ومشكلة اللاجئين والأزمة الإنسانية التي تصاحبها إلى تفاقم. وليس مقتل الصحافيين الروسيين، إيغور كونيليوك وأنطون فولوشين، الورقة الضاغطة الأخيرة في هذا المنحى.

تتضمن خطة بوروشينكو هدنة تستمر حتى الساعة العاشرة من مساء 27 يونيو/ حزيران الجاري، تتبعها الخطوات التالية: 1. ضمان سلامة جميع المشاركين في المفاوضات؛ 2. العفو عن كل مَن يلقي بسلاحه من دون أن يكون قد ارتكب جرماً كبيراً؛ 3. تحرير الرهائن؛ 4. إنشاء منطقة عازلة عرضها 10 كيلومترات على الحدود الأوكرانية ـ الروسية، وإخراج التشكيلات المسلحة غير الشرعية؛ 5. ضمان ممر لإخراج المرتزقة الأوكرانيين والروس؛ 6. نزع السلاح؛ 7. تشكيل قوة أمن داخلي للدوريات المشتركة؛ 8. إخلاء المباني التي تم احتلالها بصورة غير شرعية في منطقتي لوغانسك ودونييتسك؛ 9. استئناف عمل الأجهزة الحكومية (في المناطق الانفصالية)؛ 10. استئناف عمل التلفزيون والإذاعة المركزيين في منطقتي دونييتسك ولوغانسك؛ 11. تحقيق لامركزية السلطة (عن طريق انتخابات مجالس محلية، والدفاع عن اللغة الروسية، وتغيير ملائم في الدستور)؛ 12. التوافق على محافظين قبل انتخابات ممثلين عن دونباس (في حال التوافق على مرشح واحد بالإجماع، يبقى القرار النهائي بيد الرئيس)؛ 13. إجراء انتخابات محلية وبرلمانية عاجلة؛ 14. إطلاق برنامج لإيجاد فرص عمل في المنطقتين؛ 15. إعادة بناء المؤسسات الصناعية والاجتماعية والبنية التحتية في المنطقتين.

تُعَدّ النقطتان الرابعة والخامسة مفتاحيتين، لكن مفتاحهما ليس بيد كييف. فالمقاتلون المحليون دفاعاً عن استقلال لوغانسك ودونييتسك، ومَن تطوع لمساعدتهم، لا ينوون الانسحاب إلى أي مكان، وخصوصاً أن الحدود مع روسيا شريان حياة بالنسبة لهم. لذلك، تجد مقاتلي الجمهوريتين المعلنتين من طرف واحد، يواجهون بشراسة محاولات الجيش الأوكراني عزلهم عن الحدود مع روسيا. في المقابل، تقتضي خطة بوروشينكو إبعاد تشكيلاتهم عن الحدود، والسماح للجيش الأوكراني باحتلال المواقع التي يخلونها، تمهيداً لتجريدهم من أسلحتهم، وربما تركهم ينسحبون بسلام عبر الحدود إلى روسيا، تحت بند المرتزقة، تاركين أهلهم وأقربائهم تحت رحمة الدوريات التي أعلنت عنها الخطة، وتحت خطر ملاحقة الجهات الأمنية لهم بتهم "التعاون مع إرهابيين".

لم تتأخر ردة فعل موسكو على إعلان بوروشينكو، فقد نقلت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، في اليوم نفسه، أي في 21 يونيو/ حزيران، عن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قوله: "تخلو الخطة من الشيء الأساسي، أي المفاوضات، وهذا تراجع جذري عن بيان جنيف الصادر في 17 أبريل/ نيسان والذي يسانده الآن، على الأقل على مستوى القول، شركاؤنا الغربيون والسلطات الأوكرانية".

ويذكّر لافروف أن الغربيين وحكام كييف "وضعوا توقيعهم تحت هذا البيان الذي جاء فيه أنه إلى جانب توقف أعمال العنف، وجميع مظاهر التطرف، لا بد من مباشرة الحوار من دون إبطاء، وأن الحوار يجب أن يشمل جميع المناطق وجميع القوى السياسية، من أجل الوصول إلى اتفاق حول إصلاح دستوري". وفي اليوم نفسه، نشر موقع الكرملين على الانترنت، موقف الرئيس فلاديمير بوتين، فجاء فيه أن الرئيس يدعم قرار بوروشينكو بوقف إطلاق النار. لكنه يلفت الانتباه، في الوقت نفسه، إلى أن الخطة المقترحة "لن تكون واقعية وقابلة للحياة من دون خطوات عملية تهدف إلى بدء عملية مفاوضات". وأشار بوتين إلى أن خطة بوروشينكو للسلام، يجب ألا تكون على صيغة شروط تُفرَض (على المقاتلين)".

ليس مقاتلو لوغانسك ودونييسك وحدهم ضد خطة بوروشينكو، إنما هناك بين خصومهم الأوكرانيين مَن يقف ضدها أيضاً. فها هو الملياردير إيغور كولومويسكي، الذي شكّل ميليشيا خاصة به من بداية الأحداث، والمتهم بتدبير مجزرة دار النقابات في أوديسا، وتمويل تنفيذها، وهو اليوم محافظ منطقة دينبروبيتروفسك، يعلن أنه ضد وقف إطلاق النار، وضد أي مفاوضات مع الانفصاليين. وقد أخبر هذا الملياردير الرئيس بوروشينكو بموقفه، قائلاً إنه لن ينفذ أمر وقف إطلاق النار، وإن جيشه الخاص "سيقضي في جميع الأحوال على أولئك الانفصاليين".

في السياق، أعلن رئيس وزراء جمهورية دونييتسك الشعبية، المعلنة من طرف واحد، ألكسندر بوروداي، أن الحرب تتم بالدرجة الأولى "ليس مع كييف إنما مع دنيبروبتروفسك"، أي مع تشكيلات كولومويسكي المسلحة.

وفي ردة فعل حادة على خطة بوروشينكو، كتب المحافظ الشعبي لمنطقة دونييتسك، بافل غوبارييف، على حسابه في "فيسبوك": "اقتراحي للتسوية السلمية هو تقسيم أوكرانيا. فأولاً، تنسحب القوات الأوكرانية الانتقامية من جمهوريتي دونييتسك ولوغانسك الشعبيتين، وثانياً، تعترف سلطة كييف باستقلال جمهوريتينا؛ ثالثاً، على سلطات كييف خلق الشروط المناسبة لإجراء استفتاء حول استقلال باقي مناطق "نوفوروسيا"، أي (روسيا الجديدة)، التي تمّ إعلانها على الأرض الأوكرانية.