الأرض ليست لمَن يحرّرها

الأرض ليست لمَن يحرّرها

21 أكتوبر 2014
+ الخط -
ظلّت عبارة "الأرض لمَن يحررها"، شعار حركات تحرُّر كثيرة في العالم. كانت أكثر من صحيحة زمن مقاومة الاستعمار، عندما كان المحتل، ولا يزال، يعمد إلى زرع ناسه في الأرض التي يستعمرها. لكن إسقاط ذلك الشعار في حالات الحروب الأهلية أو أشباه هذه الحروب، يمكن أن يحمل في طياته أكثر السيناريوهات كارثيةً.

نموذج حيّ لمحاولة تعميم الشعار، يعيشه العالم العربي اليوم: تجربة مليشيات "الحشد الشعبي" العراقية في حربها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في المناطق ذات الغالبية العربية السنية، وتمسكها برفض استدعاء تدخل أجنبي برّي لدحر التنظيم.

ولأن مليشيات الحشد الشعبي تلك/ لا تسمح لنفسها باستعارة أي من شعارات حركات التحرر الوطني التي لم يُعرَف عن معظمها/ اعتمادها مرجعية إسلامية في النضال، فهي لا تذكر "الأرض لمن يحررها" لا من قريب ولا من بعيد في أدبياتها، لكن ذلك لا يمنعها من السعي لممارسته من خلال رفضها ما سبق لها أن طالبت به منذ زمن صدام حسين، أي التدخل الأجنبي، تحديداً الاجتياح البرّي.

صحيح أن عدداً كبيراً من مليشيات وعصائب اليوم لم تكن موجودة قبل احتلال عام 2003، إلا أن رموز هذه التنظيمات لا تزال هي هي منذ ذلك العهد. في الأمس كانت منظّرة للتدخل الأجنبي، بموافقة إيرانية ضمنية أفضت إلى تقاسم الأدوار بين الأميركيين والإيرانيين في عراق ما بعد 2003، أما اليوم فباتت الفتاوى برفض مثل هذا التدخل لا تُحصى من طرفها ومَن أفتى بوجودها.

أغلب الظن أن سبب هذا الرفض لا يتعلق بحمية وطنية استفاقت فجأةً، وخصوصاً أن مسؤولي هذه المليشيات من أصحاب مشاريع التقسيم العلني للعراق مذهبياً. من هنا تبدو الخشية مشروعة من أن يكون فائض القوة قد أوصل هذه المليشيات إلى قناعة تفيد بأنها ستكون هي صاحبة الأرض في حال كانت هي من تحررها، في الأنبار وصلاح الدين ونينوى، تماماً مثلما أوصل شعور فائض القوة الإيراني لدى الحوثيين في اليمن، إلى زرع وهم في رؤوس مرشدهم، مفاده أن محافظات معادية لوجودهم كالبيضاء مثلاً، ستكون "لهم" في حال حرّروها من تنظيمات كـ"القاعدة" مثلاً.

لأسوأ أنواع الحروب الأهلية في عالمنا العربي اليوم، أسماء حركية كثيرة، ليس "الأرض لمن يحررها" سوى عنوانها العريض.