اطفائي أميركا في دمشق يغادرها محترقة

اطفائي أميركا في دمشق يغادرها محترقة

05 فبراير 2014
+ الخط -

دمشق – الجديد:

يعتزم السفير الأميركي لدى دمشق روبرت فورد مغادرة أروقة الدبلوماسية الأميركية، متقاعدا من الوظيفة لا السياسة وأوراق الذاكرة، وذلك مع نهاية  فبراير/ شباط الجاري، تاركا وراءه حملا ثقيلا تئن تحته مدن سوريا المشبعة برائحة بارود البراميل المتفجرة والدماء. ومع قرب انطلاق جولة المفاوضات الثانية في جنيف دون بوادر أمل للملمة شظايا شرق أوسط اكتوى بنار الثورة السورية؛ فإن إطفائي أميركا الذي فتح كوة في جدار العلاقات الأميركية السورية مطلع العام 2010 يغادرها هذه الأيام محترقة.

دخل فورد الدبلوماسية الأميركية سياسيا من طراز أكاديمي، ليحل في الصف الثاني لدبلوماسي أميركا الكبار في منطقة الشرق الأوسط، أمثال أبريل غلاسبي وادوارد جيرجيان وروبرت جوردن ودانيال كورتزر. بدأ عهده في السياسة مع ذروة التصعيد الثانية في الحرب الباردة، المعروفة بحرب النجوم، حيث كانت مهمته الأولى المناطة الجلوس بجانب شرفة مكتبه المطلة من أزمير على ضفاف المتوسط ويرقب من مكان ليس بعيدا انهيار الاتحاد السوفييتي.

ويجيد فورد، إلى جانب لغته الأم، اللغة الألمانية والتركية والعربية، وبعد تجربته الثرية لخريج شاب لم يصل سن الثلاثين في أزمير، انتقل إلى قلب الشرق الأوسط حيث العاصمة المصرية القاهرة، ليحصل على اعداد مناسب قبل أن ينتقل إلى الجزائر فيغادرها في عشريتها السوداء، ثم ليستريح قليلا في الكاميرون قبل أن يعتلي منصب نائب السفير في البحرين، ثم نائبا للسفير كريستوفر هيل في العراق بعد الغزو في العام 2003،  ليعود سفيرا لبلاده في الجزائر بين أعوام 2006 و2010. قبل ان ينتقل إلى دمشق ليكون أول سفير أميركي هناك بعد سحب البعثة الدبلوماسية الأميركية من سوريا على إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

سنوات الخدمة الطويلة نسبيا لفورد في عواصم عربية أهلته للاضطلاع بملفات وقضايا ذات حساسية عالية في الشؤون العربية والعلاقات البينية ومكنته لغته العربية من نسج علاقات واسعة مع سياسيين واقتصاديين ورجال أمن في عديد من الدول العربية لكنه لم يلمع نجمه الا بعدما طرق بوابة دمشق.

دخل فورد دمشق من بوابة الانفتاح السوري على الغرب، بعد اختزال اتهام سعد الحريري لنظام دمشق باغتيال ابيه سياسيا. وعُرف عن فورد شخصيته المتزنة والهادئة وتلبّس بقناع المصارحة الابتسامة الهادئة، وكان أكثر أريحية في التعامل مع زميله الدبلوماسي، مخابراتي الطابع، جيفري فيلتمان. بدا نظام الأسد مسرورا بالوافد الجديد، وهو يحمل معه ملفات انفتاح إقليمية مع حزب الله وإيران، انفاذا لدبلوماسية أميركية أشمل تستعد لمغادرة العراق المهشم.

وبحكم علاقات سابقة مع تركيا، عزف فورد مع سفير سوريا في الأردن بهجت سليمان ووزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلوا على وتر إعادة إطلاق المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، ولولا نشازية القرصنة الإسرائيلية على "مافي مرمرة" قرب سواحل قطاع غزة لكان المشروع مرشحا ليرى النور. وفي خضم حديث الدبلوماسية الهادئ وانفتاح أوروبي أكبر على سوريا، ضرب فورد بمهارة من تحت الطاولة ودون أن يكون في الصورة، بقنبلة الاتهام الظني بحق القيادي في حزب الله مصطفى بدر الدين ورفاقه الأربعة بوقوفهم وراء اغتيال الحريري الأب.

وأصبح فورد فأل شؤم على نظام بشار الأسد، ولم تمض سوى أشهر قليلة حتى اندلعت الثورة السورية، وصوبت السياسية السورية الاتهامات نحو السفير بوقوفه وراء اذكاء الفتنة، قبل ان تصوب رصاصات على مقر السفارة، لتسحب أميركا بعثتها الدبلوماسية مجددا في  أكتوبر /تشرين الثاني 2011، غير أنه غادر دمشق في فبراير/شباط من العام نفسه عندما قررت وزارة الخارجية الأميركية تعليق عمل سفارتها هناك بسبب الأزمة التي يشهدها هذا البلد. لكن فورد ظل في منصبه، ناسجا خيوط اتصالات مع أطياف عدة من المعارضة السورية تتراوح بين الاعتدال وتلك المرتبطة بالجماعات الاسلامية، ولم يعد إلى سوريا سوى مرة واحدة في أيار/ مايو 2013 في زيارة خاطفة لشمال حلب، وظل يتابع الشؤون السورية من خلال مكتبه في واشنطن وإسطنبول.

 ساعد فورد في المفاوضات مع جماعات المعارضة السورية لبضعة أشهر من أجل حثها على الانضمام إلى المحادثات في جنيف الشهر الماضي "سعيا إلى إنهاء الحرب الأهلية التي مضى عليها قرابة ثلاثة أعوام في سوريا".

وكان فورد مرشحا لتولي منصب السفير الأميركي في القاهرة بدلا من الدبلوماسية آن باترسون، إلا أن حكومة الانقلاب الحالية رفضت ترشيحه بزعمها أنه "مقرب من الجماعات الإسلامية وساهم في زعزعة استقرار سوريا".

وأيا يكن الحكم على تجربة فورد في سوريا، ومنطقة الشرق الأوسط، فقد رحل الرجل دون أي انجاز يذكر سوى حرائق أكبر من قدرته على اطفائها.  

المساهمون