استعراضات سيلين الخطرة...قيادة الموت تهدد حياة "المطعّسين" في قطر

استعراضات سيلين الخطرة... قيادة الموت تهدد حياة "المطعّسين" في قطر

23 أكتوبر 2019
"حمد الطبية" موجودة بالقرب من مناطق سيلين الخطرة(العربي الجديد)
+ الخط -
يرفض القطري خلف المالكي هواية "التطعيس" لما لها من مخاطر أدت إلى خسارة الأصدقاء والأقارب بعد انقلاب سياراتهم بسبب استعراضات تجري على الكثبان الرملية في منطقة سيلين وتنتشر بين الشباب بسبب غياب الوعي، كما يقول متسائلا: "إلى متى تستمر هواية قيادة السيارات على الطعوس (الكثبان الرملية المرتفعة) بالرغم من استمرار سقوط ضحايا رياضة المحركات التي تنتشر في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، ودولة قطر بشكل خاص".

المالكي له تجربة شخصية مؤلمة إذ يسرد قصة أبناء أخيه، الذين أخبروا والدهم أنهم سيذهبون إلى السينما، ليُفاجأ بوجودهم في سيلين يغامرون بحياتهم في مشاهد رصدها بهاتفه وأرسلها إلى والدهم ليمنعهم من القيادة مجددا.

مكامن الخطر

تعتبر صحراء سيلين الواقعة جنوبي قطر إحدى أهمّ وجهات "التطعيس" في قطر، إذ يشارك قادة مركبات الدفع الرباعي وسيّارات البقي (تستخدم في صعود الكثبان الرملية) والدراجات النارية (البانشيات) في مسابقات شبابية للاستعراض بالقرب من الشاطئ الذي تقع فيه حوادث الموت أو أخرى تؤدي إلى إصابات بليغة في أوساط ممارسي تلك الرياضة الخطرة.

وتعمل مؤسسة حمد الطبية على توفير خدماتها في منطقة سيلين للوصول للمصابين بأسرع وقت عبر عيادتها التي تعمل لعامها التاسع، وخاصة طوال شهور الشتاء، والتي يكثر فيها ارتياد منطقة سيلين، إذ استقبلت 660 مراجعا من المنطقة خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2018 حتى إبريل/نيسان من عام 2019، ويقول علي عبدالله الخاطر الرئيس التنفيذي للاتصال المؤسسي بمؤسسة حمد الطبية، ومدير مشروع مركز سيلين لـ "العربي الجديد": "مؤسسة حمد الطبية مستمرة في التزامها السنوي بافتتاح العيادة الطبية بموسم التخييم في منطقة سيلين، وتقديم خدماتها المعهودة لجميع رواد منطقة سيلين وخور العديد خلال فترة التخييم، انطلاقاً من كونها جهة الرعاية العلاجية الرئيسية في الدولة".

ولفت إلى أن الحوادث المتكررة في منطقة سيلين دفعت مؤسسة حمد الطبية لتوفير هذه الخدمة، من أجل الوصول للمصابين بأسرع وقت ممكن، وتوفير الرعاية العلاجية للمحتاجين بكل السبل، موضحاً أن العيادة استقبلت 413 قطرياً، و248 مقيماً، وكان عدد الذكور من المرضى 608، بالإضافة إلى 53 مريضة خلال العام الجاري، وبلغ عدد الحالات المرضية الخفيفة 370 حالة، أما الحالات المتوسطة فبلغ عددها 207 حالات، في حين بلغ عدد الحالات الشديدة، مثل الكسور والحوادث والأزمات القلبية، 84 حالة، والكثير من حالات الكسور والحوادث تكون بسبب التطعيس.

أكبر مكامن الخطر

رصد معد التحقيق عبر جولة ميدانية خمسة طعوس متفاوتة الخطورة في سيلين وأولها طعس العطيّة وطعس المنّاعي والذي يعد ملتقى سيّارات البقي ودراجات الـATV، إذ يمتدّ على مسافة طويلة ويتألّف من عدد من الكثبان الصغيرة المتّصلة وطعس الشيراتون ويقع على أطراف الصحراء قرب الحدود البحريّة مع السعوديّة، وطعس "أبو الشنب" الأكثر ارتفاعًا في سيلين وطعس التوقيع.

ويزيد الإقبال على ممارسة هواية التطعيس شتاءً كما يوضح المالكي بسبب الأجواء المتميزة في سيلين، محذرا من أن محدودي الخبرة في التعامل مع الطعوس من غير المحترفين عرضة أكثر من غيرهم لحوادث قاتلة، ويشدد على أن القيادة وسط الرمال تحتاج إلى استعدادات خاصة سواء ما يتعلق بالسيارة أو قائدها، إذ إن السير بسرعات كبيرة في مثل هذه الأرضيات مختلف تماماً عن غيرها، ويجب على قائد السيارة أن تكون لديه الخبرة الكافية، وأن يتدرب الشخص مراراً عبر السير بسرعات معقولة في البداية ليتعود على القيادة عليها، ولا يغامر من المرات الأولى له.

مراهقون خلف مقود السيارة

يؤكد اللواء محمد سعد الخرجي، مدير عام المرور، أن هناك نقاطاً ومناطق أخطر من سيلين يذهب إليها الراغبون في ممارسة تلك الهواية، بالرغم من وجود أماكن للاستعراضات في حلبة المنطقة الصناعية وحلبة لوسيل المخصصتين لتقنين الاستعراضات، وتابع في تصريحات صحافية: "نتمنى من شبابنا استخدامهما، وهما أكثر أمانا".

ويتفق خالد الحمادي، قائد فريق "سول جيبرز" لمحترفي قيادة السيارات مع رأي الخرجي، مضيفا: "للأسف تقع حوادث، ويكون المراهق أو الشاب قد ذهب إلى تلك المنطقة بمعرفة ولي الأمر، وهو ما يحتاج إلى توعية لولي الأمر قبل المراهق".

ومن واقع خبرته، يرى الحمادي أن الحوادث التي تقع ترجع إلى السير بسرعات عالية في المناطق غيرالمؤهلة لذلك، مشيرا إلى أنه مهما كانت الرقابة المرورية من الجهات المعنية لصيقة، فإن الكثير من الشباب والمراهقين يتمكنون من الهروب لمناطق أخرى، ولا يمكن رقابة جميع مناطق التطعيس في الدولة، فالأمر مبني في المقام الأول على وعي الأسرة والفرد، ويشير الحمادي إلى أن حوادث التطعيس في سيلين شديدة الخطورة، ويصل الكثير منها لإحداث شلل للسائق، وفي أحيان أخرى تصل إلى الوفاة.

ويضيف عضو فريق "سول جيبرز" إبراهيم بن عز الدين أن هذه الهواية يجب أن تمارس ضمن فرق متخصصة في قيادة السيارات، فكل فريق له قائد ينسق الأمور، بعيداً عن التهور الزائد الذي نلاحظه من بعض الشباب.

وتخرج فرق ممارسة التطعيس بعشرات السيارات معاً، ويتم إملاء تعليمات القيادة الآمنة، كعدم الإسراع والمخاطرة بحياة السائق والراكبين، والابتعاد عن السبخات (مناطق أرضيتها قريبة من الطبيعة الطينية)، ويتم تعميم هذه التعليمات وغيرها على المشاركين كافة، ما يضمن الاستمتاع بقيادة السيارات في "الطعوس"، ولكن بعيداً عن المخاطرة التي قد تودي بحياة بعضهم، كما يوضح عز الدين، لكن محمد شداد والذي يمارس تلك الهواية بانتظام يقول إن: "نسبة كبيرة من الموجودين في سيلين لا يملكون الخبرة الكافية لقيادة السيارات، والكثير منهم أعمارهم دون 17 عاماً، وهو ما يعد سببا رئيسيا لوقوع الحوادث".




مواجهة مع الظاهرة


تنص المادة 88 من قانون المرور القطري (عدلت بموجب قانون 16/2015)، على أنه يجوز لمدير إدارة المرور أو من ينيبه، أن يأمر إداريا بحجز أي مركبة ميكانيكية، لمدة لا تتجاوز تسعين يوماً، بناءً على مذكرة ممن قام بضبط الواقعة أو تولى التحقيق فيها، وذلك في حالات من بينها سياقة المركبة برعونة أو إهمال يعرض سائقها أو ركابها أو الغير للخطر وكذلك السير في الطريق مع عدم استيفائها لشروط الأمن والمتانة أو مع عدم صلاحيتها للاستعمال، أو بغير وجود كاتم للصوت بها أو السير بها دون فرامل، أو بأنوار غير كافية ليلا، واشتراكها في إجراء سباق على الطريق بغير تصريح كتابي أو بالمخالفة للتصريح، وهي حالات تنطبق في الكثير من الأحيان على المركبات المشاركة في التطعيس، وقد سبق أن قامت الإدارة العامة للمرور بحجز مئات السيارات.

ويؤكد الرائد جابر محمد عضيبة مساعد مدير إدارة التوعية المرورية في الإدارة العامة للمرور في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الإدارة العامة للمرور تولي أهمية كبيرة لجهود التوعية بمخاطر التطعيس في منطقة سيلين، خاصة بين فئة المراهقين والشباب، وهي الفئة التي تكون ضحية الحوادث في هذه المنطقة، مشدداً على أن جهود التوعية تمتد لتشمل السياح والمخيمين وأصحاب العزب في منطقة سيلين.

ويقول عضيبة إن دوريات إدارة مرور الجنوب موجودة بصورة مستمرة في منطقة سيلين، وأن الإدارة العامة للمرور حريصة على زيادة الرادارات في المنطقة، فضلاً عن تأهيل الطرق المؤدية إلى سيلين، فقد بات الطريق مقسماً إلى شارعين، بدلاً مما كان عليه في السابق من شارع واحد للسيارات كافة، حرصاً على التقليل من الحوادث المرورية في المنطقة.

ويصف ما يحدث في سيلين من سلوكيات قيادة متهورة بالانتحار، مشيراً إلى أنه في إحدى الحالات قام صاحب السيارة بتزويدها بقدرات إضافية للاستعراض، الأمر الذي سمح له بالقيام بمهارات متهورة، في ظل تشجيع الحاضرين في سيلين، حتى انقلبت السيارة بصورة مؤسفة وأدت لوفاته، وتابع: "من يشجعون الشباب والمراهقين على مثل هذه التصرفات هم كـ"الوقود" الذي يزيد من نار الإصابات يوماً بعد يوم، لأن من يقومون بهذه التصرفات يطمعون في نيل إعجاب الآخرين المحيطين بهم في سيلين.



ويشدد مساعد مدير إدارة التوعية المرورية في الإدارة العامة للمرور على أن السلوك الفردي يظل السبب الأبرز وراء وقوع الحوادث في سيلين، فلا يمكن التحكم بسلوك الأشخاص، ومراقبتهم بصورة مستمرة، قائلا: "بعض الشباب والمراهقين يصرون على المخاطرة بحياتهم".

وحول الخطوات الأخيرة للإدارة العامة للمرور يشير الرائد جابر عضيبة، إلى أن "أي فيديو يصل للإدارة يتم التعرف على مالك السيارة وتحويله للنيابة فوراً"، موضحاً أن أي شخص يرى مخالفة في مناطق سيلين أو غيرها، ويصورها بهاتفه ثم يرسل الفيديو للإدارة العامة للمرور تقوم بالتحقيق فيه، ومن ثم اتخاذ إجراءات رادعة ضد المخالفين، مشدداً على أن عنصر الردع المتوفر في قانون المرور القطري، إضافة إلى جهود التوعية المستمرة، بدأت تؤتي ثمارها في التقليل من الحوادث المرورية.