اختفاء المستوطنين: كابوس الاختطاف ومصيدة توصيات لجنة "شمجار"

13 يونيو 2014
خشية من تكرار سيناريو شاليط (جاك جويز/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

أطلّت كوابيس اختطاف الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليت، وقبله الجندي ناحشون فاكسمان، الذي قتل خلال محاولة إسرائيل تحريره في قرية بير نابلا في الانتفاضة الأولى، من جديد بعد تأكيد سلطات الاحتلال رسمياً أنباء اختفاء ثلاثة مستوطنين بالقرب من الخليل منذ مساء أمس، الخميس، وتكتمها على القليل من المعلومات المتوفرة لدى أجهزتها.

واستذكر محللو الشؤون العسكرية الإسرائيلية قضيتي شاليت وفاكسمان مع التلميح إلى مخاوف من قدرة خلية فلسطينية على اختطاف المستوطنين ونقلهم إلى قطاع غزة، وفق ما لمّح إليه أحد المحللين الإسرائيليين في القناة الأولى يوم الجمعة.

واعتبر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن "التقديرات، بالاعتماد على التجارب السابقة لعمليات الاختطاف التي وقعت على مدار الـ15 عاماً الماضية في الضفة الغربية، فإن الخاطفين لم يتركوا الرهائن على قيد الحياة".

وأضاف: "الوقائع الميدانية على الأرض مغايرة كلياً عن تلك المتوفرة في قطاع غزة مثلاً. ففي غزة تمكنت حركة "حماس" من الحفاظ على الجندي الإسرائيلي الأسير لديها جلعاد شاليت على قيد الحياة لأكثر من خمس سنوات من دون أن تتمكن إسرائيل من معرفة مكان وجوده، ومن دون أن تتمكن حتى من وضع خطة لتحريره". ولفت إلى أن "هذا العجز وعدم توفر بديل لدى إسرائيل قد أدى إلى الإذعان لمطالب "حماس" وتحرير 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل شاليت".

لكن الواقع الميداني في الضفة الغربية، بحسب هرئيل، مختلف كلياً، وهنا يكمن مصدر القلق والمخاوف التي تساور رجال الأمن والجيش الإسرائيلي، ولا سيما أن جيش الاحتلال يصل إلى كل مكان في الضفة الغربية.

ووفقاً لهرئيل، فإنه على الرغم من أن الـ"شاباك" لا يزال يملك في الضفة شبكة واسعة من المتعاونين ووسائل المراقبة، وفي حالات كثيرة تنشط أجهزة الأمن الفلسطينية التي أحبطت في أكثر من مناسبة عمليات لاختطاف جنود إسرائيليين أو نقلت لإسرائيل معلومات لإفشال مثل هذه العمليات، لكن التنظيمات الفلسطينية وعناصرها يدركون هذه الحقائق هم أيضاً.

وأضاف: "لذلك يقومون، في غالبية الحالات، بقتل المختطفين بعد وقت قصير من عمليات الاختطاف، انطلاقاً من الفرضية بأن الرهينة الحي يترك وراءه "بصمة استخباراتية" عالية تمكّن من الوصول إليها، أكثر من جثة قتيل مدفونة في مكان ما، إذ يجب حراسة المختطَف، وتغذيته وإبقائه في مكان سري، وهي عمليات تترك وراءها علامات وإشارات تمكّن القوات الإسرائيلية من تعقّبها".

وذكّر هرئيل بمصير إسرائيلي اختطف في الأسبوع نفسه الذي اختطف فيه شاليت في يونيو/ حزيران 2005، يدعى إلياهو أشري، وقتل بعد وقت قصير من اختفائه. وتكرر هذا السيناريو العام الماضي مع اختطاف الجندي تومر حزون.

أما المرة الوحيدة التي تمكن فيها جيش الاحتلال والاستخبارات من إنقاذ إسرائيلي بعد اختطافه في الضفة الغربية، فكانت في حالة سائق سيارة الأجرة، إلياهو جورئيل، الذي تمكنت سرية قيادة الأركان من تحريره بعدما أدار خاطفوه مفاوضات ضعيفة بطريقة الهواة مع الشاباك.

وعلى ضوء ما تقدم، رأى هرئيل أن اختطاف ثلاثة أشخاص في عملية واحدة مسألة خارجة عن المألوف. واعتبر أنه "إذا لم يكن ذلك بفعل الصدفة التي ساعدت الخاطفين، فإنه من المنطقي الافتراض أننا أمام خلية منظمة جيداً ومدربة جيداً أعدّت تحضيرات متواصلة للعملية، وبالتالي السؤال كيف حدث هذا تحت أنف وسمع وبصر الشاباك؟". وتساءل: "ألا يعني ذلك وجود مؤشرات تبعث على القلق من تراجع وضعف التنسيق الأمني مع الفلسطينيين في ظل تشكيل حكومة الوحدة مع حماس؟".

ولفت هرئيل إلى وجود خلايا فلسطينية ناشطة في منطقة الخليل بالقرب من كتلة مستوطنات غوش عتصيون، وهي الخلايا نفسها التي اغتالت الضابط الإسرائيلي بروخ مزراحي على الطريق بين ترقوميا وحلحول، في عملية أشارت إلى مستوى عالٍ نسبياً من الأداء العسكري، إذ لم يتم لغاية اليوم الإبلاغ عن التوصل إلى طرف خيط أو معلومات عن الحادث.

وربط هرئيل بين اختفاء المستوطنين الثلاثة، في حال تبيّن نهائياً أنهم اختطفوا، وبين تعثّر المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية من جهة والإضراب عن الطعام الذي يخوضه الأسرى الإداريون احتجاجاً على سياسة الاعتقال الإداري.

وأشار هرئيل إلى أن الحكومة الإسرائيلية باشرت في توظيف علمية الاختطاف الحالية ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتحميله المسؤولية عن مصير المفقودين الثلاثة، ما أوقع عباس في مطب. فهو مُطالب من إسرائيل والولايات المتحدة بالتحرك والعمل، إلا أن مسألة الأسرى المتمركزة في قلب الإجماع الفلسطيني تزيد من تعقيد وضعه، ولا سيما أن الإضراب بات حديث الشارع الفلسطيني. وكان متحدثون وناشطون من "حماس" والجهاد الإسلامي قد أعلنوا في اليومين الماضيين أن اختطاف جنود إسرائيليين ومستوطنين هو الطريق الوحيد لتحرير الأسرى.

بدوره، اعتبر المحلل في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، رون بن يشاي، أن كل الدلالات تشير إلى أننا أمام عملية اختطاف نظمتها خلية مدربة جيداً، تعرف طرق عمل الشاباك والجيش الإسرائيلي، لذلك فإنها تعرف جيداً كيف تخفي آثارها ولا تترك وراءها أدلة.
ووفقاً لبن يشاي، فقد تمت العملية بمهارة عالية، ولا سيما أن العملية تمت تحت "شبكة رادار" الشاباك والجيش الإسرائيلي اللذين يملكان وسائل تعقب ومراقبة في الضفة الغربية.

وتوقع أن تجري عمليات إسرائيلية مكثفة في كافة أنحاء الضفة الغربية، ولا سيما في المنطقة التي يشتبه فيها الجيش والشاباك بوجود المفقودين فيها سواء كانوا على قيد الحياة أم مصابين.
وتوقع أن "تُغرق إسرائيل المنطقة بالقوات العسكرية لجهة جمع المعلومات الاستخبارية ولمنع تحرك الخاطفين برهائنهم". وهي الخطوة الأولى الجارية حالياً بكثافة، معتبراً أن نجاحها  يرتبط بـ"مدى وحجم جمع المعلومات الاستخبارية العلنية والخفية".

وأضاف بن يشاي: "بعد ذلك ستأتي اللحظة التي يعلن فيها الخاطفون عن مطالبهم، وعندها سيكون الامتحان الأكبر لوزير الأمن (موشيه يعالون) والحكومة الإسرائيلية".
واعتبر أنه "سيكون عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا سيتحركون وفق توصيات لجنة "شمجار" التي قدمت توصياتها منذ العام 2012 وتمت مناقشتها في المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية قبل أسبوعين بسبب ضغوط سياسية وحزبية.
وكانت اللجنة قد أوصت "بعدم تحرير أسرى فلسطينيين بأعداد كبيرة، من جهة، وأن يُكلَّف وزير الأمن بإدارة دفّة الأمور في مثل هذه الحالات من جهةٍ ثانية".

وفي السياق، لفت أمير أورن، في صحيفة "هآرتس"، إلى المصيدة التي أوقعت حكومة نتنياهو نفسها بها، عندما أقرّت، تحت ضغط وزير الاقتصاد، نفتالي بينت، قانون منع تحرير الأسرى في صفقات تبادل. وهو ما دفع أورن إلى القول إن هذا الوضع الناشئ عن تمرير القانون يجعل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وبينت، وليس عباس المسؤولين عن سلامة المختطفين واستعادتهم.