اجتماع باريس يسوّق شروط روسيا...وتركيا تنتقد بحث مطالب النظام

10 ديسمبر 2016
نازحون ينتظرون في شارع الحاووز (جورج أورفيليان/فرانس برس)
+ الخط -
اختصر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، اجتماع باريس، يوم السبت، بعبارات واضحة: داعمو الثورة يناقشون مطالب النظام السوري. وقال بسخرية "قلنا لهم: ما دمنا نحن الدول المتوافقة نناقش ما يقولونه، لتدعوا في الاجتماع المقبل النظام وداعميه لأننا نبحث مطالبهم"، وذلك في الوقت الذي كان فيه وزراء خارجية دول غربية يسلمون ملف حلب إلى روسيا، عبر تركيزهم على ضرورة فتح ممرات إنسانية للمدنيين، فيما احتدمت المعارك بين قوات المعارضة السورية، وبين قوات النظام، ومليشيات طائفية، ومحلية تضم الشبيحة، مدعومة بالطيران الروسي.

وتحاول قوات المعارضة صد هجمات متلاحقة من مليشيات طائفية على أكثر من محور على جبهات القتال، حيث تدور على جبهة حيي الإذاعة وسيف الدولة غربي المدينة أقوى الاشتباكات وأعنفها، حيث تحاول المليشيات دفع قوات المعارضة للانسحاب من الحيين الاستراتيجيين، ولكن الأخيرة تكبد القوات المهاجمة خسائر فادحة. وقال ماجد عبد النور إن المشهد الحلبي لم يتغير منذ أكثر من أسبوعين، حيث القصف العشوائي على المدنيين، والاشتباكات التي لا تتوقف، مشيراً، لـ"العربي الجديد"، إلى مقتل نحو 25 من قوات النظام على جبهة حي الإذاعة، وتدمير دبابتين لقوات النظام على أطراف حي المرجة. وواصل الطيران الروسي، ومقاتلات النظام الفتك بالمدنيين في الأحياء المحاصرة، حيث أشار ناشطون إلى تجدد القصف بالصواريخ المظلية، والبراميل المتفجرة، والمدفعية على أحياء الصالحين، والفردوس، وبستان القصر. كما بث ناشطون مقاطع فيديو تظهر حالات اختناق جراء قصف حي الكلاسة فجر السبت ببرميل يحتوي على غاز الكلور السام من قبل مروحية تابعة للنظام.

وتحاول قوات النظام مواصلة سياسة تقطيع أوصال ما تبقّى من الأحياء التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية، وهي السياسة التي اتبعتها منذ بداية هجومها على الأحياء المحاصرة في مدينة حلب أواخر الشهر الماضي، وأدت إلى انسحاب قوات المعارضة من عدة أحياء تجنباً لإحكام الطوق عليها، والاضطرار للاستسلام. ويرى رئيس المجلس العسكري الثوري السابق في حلب، العميد زاهر الساكت أن قوات النظام تحاول التقدم في حي بستان القصر، ومنه إلى حي الكلاسة والأنصاري الشرقي، في محاولة لعزلهما عن أحياء المعادي والفردوس لمنع قوات المعارضة من المناورة. وأشار الساكت، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن قوات المعارضة "باتت اليوم في وضع أفضل من ذي قبل، خصوصاً بعد توحيد جهود كل الفصائل، واختيار قيادة واحدة"، داعياً إلى بدء أعمال عسكرية من خارج المدينة، خصوصاً من الريف الغربي لتخفيف الضغط عن مقاتلي المعارضة داخلها.


وفي الوقت الذي كانت تدور فيه معارك تُوصف بـ"الضارية" في حلب، كان عدد من وزراء خارجية الدول الداعمة للثورة السورية يؤكدون أن العودة الى المفاوضات هي الحل لتجنيب سورية المزيد من الدمار. وانتقد جاويش أوغلو، في ختام الاجتماع الذي شارك فيه وزراء خارجية فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وقطر وممثلون عن السعودية والإمارات وإيطاليا والأْردن، بالإضافة إلى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، تركيز مناقشات اجتماع الدول المتوافقة حول سورية في باريس، على مطالب نظام بشار الأسد، وداعميه بدلاً من البحث عن حل سياسي للأزمة. وقال "قلنا لهم: ما دمنا نحن الدول المتوافقة نناقش ما يقولونه، لتدعوا في الاجتماع المقبل النظام وداعميه، لأننا نبحث مطالبهم. إن التعامل بهذا المنطق سيؤدي إلى عدم تمخض اجتماع الدول المتوافقة عن أي نتائج". وأشار إلى أن الدول المشاركة في اجتماع باريس بدأت مناقشاتها ببحث مطالب النظام وداعميه، بانسحاب المعارضة من مدينة حلب، بدلا من بحثهم كدول متوافقة في الآراء، سبل إيجاد حل سياسي للأزمة السورية. وانتقد جاويش أوغلو عدم تقديم أي دولة لأي مقترح يتعلق بمصير المدنيين والأطفال، ووقف إطلاق النار في حلب. وقال "لم تقدم أي دولة حلولاً ملموسة لمصير المدنيين والأطفال في حلب. مع مرور الوقت مواقف العالم بأسره بدأت تهتز أمام النظام، رأينا ذلك في الاجتماع، والبعض يريد غسل يديه قبل مغادرته الاجتماع، من دون التفكير بمصير حياة السوريين".

وانصاع المجتمعون في الاجتماع لمطالب روسيا التي تريد إفراغ حلب من أهلها. وطالب وزراء خارجية فرنسا والولايات المتحدة وقطر وألمانيا، في مؤتمر صحافي ختامي، "بوضع حد للحرب الهمجية، ومواصلة التحرك لتخفيف معاناة المدنيين"، معتبرين أن المفاوضات تشكل "الطريق الوحيد للسلام في سورية". واتهم وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، النظام السوري بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب" في حلب، وحض موسكو ودمشق على إنهاء المأساة في هذه المدينة. وقال إن "القصف العشوائي من قبل النظام ينتهك القوانين أو في كثير من الحالات (يعتبر) جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب". وأضاف "يمكن الوصول إلى حل، لكن هذا رهن بخيارات مهمة تقوم بها روسيا"، مذكراً بأن خبراء روساً وأميركيين يلتقون في جنيف في محاولة للتوافق على خطة تكفل "إنقاذ حلب". وقال "المقاتلون لا يثقون في أنهم إذا وافقوا على الرحيل لمحاولة إنقاذ حلب فإن هذا سينقذ حلب ولن يمسهم سوء". وشدد الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا على أولوية إجلاء المدنيين من حلب، معتبراً أن العالم يشهد المراحل الأخيرة لمعركة حلب. وأعلن أن معلومات الأمم المتحدة تتحدث عن إمكانية تعرض مدنيين فروا من المناطق المعارضة باتجاه مناطق قوات النظام للتوقيف أو العنف. وطالب بإنشاء "آلية منظمة لإجلاء مقاتلي الفصائل المعارضة" لضمان التوصل إلى هدنة قبل تدمير المدينة بالكامل.

ويبدو أن الوزراء حسموا وضع مستقبل حلب. وشددوا على أن سقوط حلب لن يكون نهاية للحرب في سورية. وطالب كيري بعودة المفاوضات وفق بيان جنيف الذي صدر في عام 2012، فور انتهاء أزمة حلب، مشيراً إلى أن الحرب لن تنتهي بسقوط حلب بيد النظام، وحلفائه. وتساءل وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت، "أي سلام إذا كان سلام القبور"؟ مشدداً على ضرورة "تحديد شروط انتقال سياسي فعلي من شأنه ضمان مستقبل لسورية يسودها السلام". وقال "يجب أن تستأنف المفاوضات على أسس واضحة في إطار القرار 2254" الصادر عن مجلس الأمن والذي حدد في ديسمبر/كانون الأول 2015 خارطة طريق للتوصل الى تسوية. وأكد أن "المعارضة مستعدة لاستئناف المفاوضات من دون شروط مسبقة"، لافتاً إلى أن ممثل المعارضة رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، الذي شارك في اجتماع باريس، أبدى الاستعداد للتفاوض، لكن مصدراً دبلوماسياً أوضح أن الهيئة لن تجلس إلى طاولة المفاوضات إلا إذا أدرج الانتقال السياسي في سورية بوضوح على جدول الأعمال.

وطالب وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، النظام السوري وحليفيه الروسي والإيراني "بإفساح المجال أمام الناس للخروج" من حلب. وقال "إذا كانت روسيا وإيران والنظام تواصل التأكيد أن مقاتلين متطرفين لا يزالون في المدينة، لا يمكنني أن أشكك في ذلك، لكن وجود مقاتلي فتح الشام لا يمكن أن يبرر تحويل مدينة برمتها إلى رماد". من جهته، شن وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، هجوماً على نظام الأسد، واصفا إياه بـ"فاقد الشرعية"، مشيراً إلى أن هذا النظام يقوم بتدمير سورية برمتها مع مليشيات طائفية تسانده، من خلال الإصرار على الحل العسكري، مطالباً بوقف فوري لإطلاق النار، والعودة للمفاوضات، مشدداً على وحدة سورية.

من جهته، أكد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، أن المعارضة السورية "مؤمنة بالحل السياسي"، مشيراً، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى أن وقف القصف، والحديث عن الانتقال السياسي "ليست شروطاً مسبقة"، مضيفا "هذه مضامين القرارات الدولية، وليست شروطا". وكانت وزارة خارجية النظام أعلنت استعدادها لاستئناف ما أسمته بـ "الحوار السوري السوري"، من دون تدخل خارجي ودون شروط مسبقة. بموازاة ذلك، قال رئيس الائتلاف الوطني السوري، أنس العبدة، إن مقاتلي المعارضة صامدون في حلب، ويقومون بـ "أعمال بطولية" في مواجهة 66 مليشيا طائفية من 49 دولة، مشيراً، في مؤتمر صحافي في إسطنبول، إلى أن قوات النظام والمليشيات الطائفية المساندة لها تقوم بعمليات تهجير وتطهير عرقي، وإعدامات ميدانية في الأحياء التي سيطرت عليها أخيراً في شرقي حلب، موضحاً أن هناك تقارير توثق ذلك. وأعلن دعم الائتلاف الوطني لمبادرة إنسانية تقدمت بها الفصائل المقاتلة في حلب الأربعاء الماضي تدعو إلى إنقاذ المدنيين، وتقضي بإخلاء الحالات الطبية الحرجة التي تحتاج لعناية مستعجلة والمقدر عددها بـ 500 حالة، تحت رعاية الأمم المتحدة، و"إخلاء المدنيين الراغبين في ترك حلب الشرقية المحاصرة إلى ريف حلب الشمالي"، لأن محافظة إدلب لم تعد منطقة آمنة بسبب قصف الروس والنظام للمدن والقرى فيها، ولم تعد قادرة على احتواء المزيد من النازحين. ودعا إلى اتباع "سياسة المدن المفتوحة الخالية من أي وجود عسكري، سواء من المعارضة، أو النظام"، لحماية المدنيين، مشيراً إلى نية المعارضة تشكيل "جيش وطني موحد"، وخطوات من شأنها توحيد قوى الثورة السياسية، والعسكرية.

المساهمون