اجتماعات فيينا: اقتراحات خلف الكواليس

15 يوليو 2014
خلال الاجتماعات في فيينا (جيم بوراج/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

زادت التعقيدات التي تشوب طاولة جولة المحادثات النووية بين إيران ودول "5+1"، وخصوصاً بعد المؤتمر الصحافي الذي جاء عقب جلسة بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، جمعته بنظيره الأميركي جون كيري في فيينا، والتصريحات التي خرجت من هناك.

ويبدو أن ظريف قد طرح آخر ما عنده ورفع السقف قليلاً، وكيري سيحمل ما نتجت عنه اجتماعاته الثلاثة مع ظريف، إلى واشنطن للتشاور، لتتخذ الولايات المتحدة، وهي الطرف الأساس في هذه المفاوضات، قرارها النهائي إزاء برنامج إيران النووي، ليصبح واضحاً بعدها ما إذا كانت هذه الجولة ستنتهي بخيبة أمل، أو بتمديد سيقوم على أرضية بناءة تنتظر اتفاقاً متوقعاً.

وتشير التصريحات الإيرانية والتسريبات الإعلامية، إلى أن معظم المتفاوضين يرغبون بالتوصل إلى حل، وفي مقدمتهم طهران، التي اجتمعت قبل يومين مع وزراء خارجية الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، وفرنسا في فيينا ضمن جولة محادثات صعبة، والتي بدأت منذ مطلع الشهر الجاري.

من جهته، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، الإثنين، إن طهران تتفاوض بجدية في هذه الجولة، كما نقل كيري، حسن نية بلاده ورغبتها بالتعامل الدبلوماسي مع إيران خلال مؤتمره الصحافي هناك، لكن تقديم تنازلات مصيرية تعتبر تجاوزاً لخطوط حمراء حددتها السلطات العليا في إيران برئاسة المرشد علي خامنئي، أمر صعّب مهمة الفريق المفاوض للغاية، وزاد المحددات التي تعترضها.

ويسعى ظريف، ممثل حكومة "الاعتدال" برئاسة حسن روحاني، إلى التوفيق بين كل الأطراف الإيرانية، فهو يعمل على إلغاء الحظر الذي يعد أولوية بالنسبة لحكومته المثقلة بهموم الداخل، وفي الوقت ذاته لا يستطيع التنازل عن تخصيب اليورانيوم.

فمحافظو الداخل ينتقدون سياسة الحوار من أساسها، ويطالبون بحل مشاكل الاقتصاد بتحقيق اكتفاء ذاتي ويرفضون التنازل للغرب، وهؤلاء فئة ليست سهلة، وتسيطر على معظم دوائر صنع القرار في إيران، وتستطيع أن تحجب الثقة عن ظريف في البرلمان الإيراني، وتصعب مهمات الحكومة في حال قررت ذلك. وكل هذا يزيد من محاولات المفاوضين الإيرانيين للإمساك بالعصا من الوسط.

كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن ظريف، قدم خلف الكواليس اقتراحاً لمجموعة "5+1" يقوم على أن تستمر إيران بتخصيب اليورانيوم بنسب منخفضة، مشترطاً أن يتم التعامل مع طهران بعد سنوات كأي بلد يمتلك برنامجاً نووياً سلمياً، ويتم على أساس هذا تزويد مفاعلات البلاد بالوقود النووي اللازم.

هذا الاقتراح يرضي واشنطن نوعاً ما كونها ستتأكد من عدم امتلاك إيران لوقود كاف لسنوات عديدة أو يورانيوم مخصب بنسب عالية، وهو ما لن يسمح لها بصناعة سلاح نووي. وفي الوقت ذاته سيرضي الداخل المحافظ نسبياً كون عجلة المنشآت النووية لن تتوقف بحكم أن إيران تمتلك حالياً مخزوناً كافياً لتشغيلها.

أما صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فقد نقلت قبول إيران بتخفيض مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، وأن تلتزم بتخفيض إنتاج أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها، وهذا يعني عدم تطوير استخدام الجيل الجديد الذي تمتلكه والموجود في مفاعل "نطنز".

تبقى هذه الأمور في خانة التوقعات، ولكن حضور وزراء الخارجية الأربعة، يوم الأحد الماضي، بعد دعوة منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، والتي التقت ظريف، مباشرة بعد مغادرة كيري، للنمسا، لا يعني فقط أنها كانت مشاركة لحل الخلافات الموجودة أصلاً على الطاولة منذ مدة، ولكنه قد يشير إلى وجود مقترحات جديدة بالفعل جاء الوزراء ليحملوها إلى عواصم بلادهم للتشاور.

لا يوجد أمام الطرفين خيارات كثيرة بالفعل، فبعد مغادرة كيري، خرج المتحدث باسم أشتون، مايكل مان، ليتحدث عن بعض الخلافات التي تعطل التوصل إلى اتفاق نهائي.

وفي لقاء له مع قناة "العالم" الإيرانية، قال مان، إنه "فضلاً عن الخلاف حول عدد أجهزة الطرد المركزي التي تريد إيران الاحتفاظ بعدد كبير منها، وهو ما يرفضه الغرب، فإن هناك بعض المسائل المتعلقة بمنشأتين (فردو وآراك) اللتين تثيران الشكوك كونه يوجد فيهما يورانيوم مخصب بنسب عالية".

وأضاف أن إيران تصر على إلغاء الحظر الاقتصادي المفروض على البلاد دفعة واحدة وبالكامل، ويرفض فريقها المفاوض بالمطلق تعليق العقوبات أو إلغاءها تدريجياً وهو ما يعرقل التفاهم أيضاً.

لكن مان رفض الحديث عن تفاصيل طاولة الحوار، معتبراً أن الأخبار التي تتردد حول ما يجري في الغرف المغلقة ليست دقيقة، وعلى الجميع أن ينتظروا النتيجة. وأشار إلى أنه من المبكر الحكم على الخلاصة، أو البت بتمديد هذه الجولة، فالأيام المقبلة ستشهد على معطيات أخرى، والجميع ينتظرون أن تبدد إيران القلق الدولي، بحسب تعبيره.

تصريحات مان، تعني مقترحات وشروط أميركية طرحت على الطاولة وعلى الجميع الآن اتخاذ قرارات سياسية حاسمة بعد التشاور مع سلطات بلادهم العليا.

بدوره قال كيري، يوم الثلاثاء في فيينا، إن المحادثات ستستمر على الرغم من وجود خلافات كثيرة على مواضيع أساسية، إلا أنه اعتبر أن التوصل إلى اتفاق مع إيران ليس مستحيلاً.

ونقلت وكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية عن كيري، قوله إنه لا يفضل الإفصاح عن تفاصيل ما يجري خلف الكواليس، ورفضه الإعلان عن عدد أجهزة الطرد المركزي التي يطالب الغرب إيران بتخفيضها، مشيراً إلى أن الرقم الذي تحدث عنه خامنئي (190 ألف)، لم يكن مستغرباً إلا أنه عدد كبير للغاية.

فقد قال خامنئي، في وقت سابق، إن مفاعلي "طهران" و"بوشهر" بحاجة لـ190 ألف سو (وهي الوحدة القياسية لطاقة التخصيب) لإنتاج الوقود اللازم للمفاعلات التي تولد الكهرباء، وتنتج النظائر المشعة لعلاج مرضى السرطان، مما يعني أنه يصر على أن تمتلك البلاد عشرات الآلاف من أجهزة الطرد التي تسمح بتخصيب اليورانيوم، فيما يصر الطرف الغربي والولايات المتحدة على وجه الخصوص على أن تمتلك طهران بضعة آلاف منها لتبديد القلق المتعلق بالتخصيب بنسب عالية، وهو ما قد يسمح لطهران بإنتاج سلاح نووي.

أما ظريف، "المفاوض العنيد" كما وصفه كيري، فقال لوكالة "الأنباء الإيرانية الرسمية" (إرنا) إن الشروط الحالية تتطلب مفاوضات سياسية جدية من أعلى المستويات. وأضاف أنه على واشنطن اتخاذ قرار سياسي تجاه إيران، مما سيشكل أرضية لمحادثات بناءة. وأشار إلى أن الجهود يجب أن تستمر بعيداً عن الشروط والطلبات غير المنطقية وهو ما قد يوصل الجميع إلى باب مغلق في نهاية الأمر.

وتزامناً مع كل الاجتماعات في فيينا، يستمر مساعدا وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ومجيد تحت روانجي، بالجلوس وممثلي الوفود لصياغة مسودة الاتفاق النهائي، وهذه الجلسات لم تحل حتى اللحظة الخلافات، وهو ما يجعل التفاؤل يتضاءل كلما اقتربت ساعة الصفر في العشرين من الشهر الجاري. فالتمديد محتمل إلا أنه لن يتم إلا بوجود أرضية اتفاق على بعض النقاط الأساسية وفق تصريحات المعنيين، وعلى ما يبدو، فإنّ اقتراحات جديدة تدور في الأفق وتنتظر قراراً سياسياً.

المساهمون