ابنك ومدرسة الحياة.. هل يجتمعان؟

25 أكتوبر 2015
في التعليم الذاتي يكون الطفل هو البطل وليس الوالدين(Getty)
+ الخط -
شاهدت منذ أشهر فيلما تسجيلياً عن التعليم الذاتي، وكان اللافت للنظر- بالنسبة لي - هو عنوان الفيلم، وهو "Schooling The World". ولعل أقرب ترجمة لهذا العنوان هي: أن يتحول العالم الواسع المحيط بالطفل إلى مدرسة أرحب وأوسع من ذلك المبنى الصغير الذي يسمى "مدرسة".
ولعل عنوان هذا الفيلم يعكس الفلسفة الأعمق للتعليم الذاتي، وهو فتح الآفاق أمام العقل ليحوّل العالم بكل ساحاته إلى مدرسة كبيرة ينطلق الطفل أو الانسان بين أرجائها ليتعلم ما يشاء بدلا من أن يحبس عقله أو مصيره داخل أسوار مبنى المدرسة.

بعض الآراء تبالغ وترى أن هذا الأسلوب الذاتي الحر في التعليم هو "البديل" التام عن التعليم النظامي المدرسي، بينما آراء أخرى ترى أنه ليس بديلا وإنما هو فقط "مكمل" لدور المدرسة. وسواء كنا من أصحاب الرأي الأول أو الرأي الثاني، فالمؤكد أنه في كل الأحوال يجب أن يكون حاضرا بقوة، وأن يكون جزءا أساسيا في تعليم أبنائنا.. لماذا؟

ذلك لعدة أسباب، أولا: لأن مصادر التعلم أكبر بكثير مما تجده في أي مدرسة، وهي تتجلى في مئات المواقع الإلكترونية التي تشمل آلاف الدورات التدريبية والأفلام والكتب والوسائل والصور.
وبالإضافة إلى هذا هناك مصادر أخرى للتعلم نجدها في أنشطة المراكز الثقافية والحضارية، والتدريب على رأس العمل والانخراط في المؤسسات الأهلية والمبادرات المجتمعية. هذا بالإضافة إلى السفر والترحال والحوار والتعارف بين الشعوب والأمم والحضارات. بالتالي نستطيع أن نرى أن "المدرسة" مجرد قطرة صغيرة في هذا السيل الهادر من مصادر التعلم.

والسبب الثاني للتعلم الذاتي: هو أننا مختلفون عن بعضنا البعض؛ في قدراتنا وميولنا وأهدافنا وظروفنا الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فإن وسائل ومسارات التعليم التي تناسب أحدنا قد لا تناسب الآخر. ولا تستطيع المدرسة أن تقدم لنا تعليما "مصمما خصيصا" لكل فرد منا حسب ظروفه وقدراته وميوله.

اقرأ أيضا:مواهب وذكاءات الأبناء.. استثمار سليم أم استغلال ربحي

وبالتالي لابد أن يسعى الفرد بنفسه للحصول على هذه الاحتياجات 1) المصممة خصيصا لميوله وقدراته، 2) بأفضل جودة ممكنة، 3) وبالإمكانات المتاحة له. ولعل هذا يفسر أن كثيرين فشلوا فشلا ذريعا في المدارس، بينما حققوا نجاحا باهرا عندما تعلموا تعليما ذاتيا بما يناسب قدراتهم وميولهم وظروفهم.

التطبيق العملي
ولكي يتحول حديثنا لمساحة التطبيق العملي أطرح على الآباء والأمهات أساسيات محددة وهي:

-لا تجعل المدرسة منتهى أملك في تعلم ابنك، ولكن ضعها في حجمها الحقيقي، واعتبرها جزءا بسيطا من خطتك. واحرص على "schooling the world"، فيعتاد الابن أن يكون العالم كله بالنسبة له هو المدرسة الأكبر، سواء كان هذا بشكل بديل أو مكمل - كما ذكرنا-، وتتم ترجمة هذا التوجه في شكل "خطة" عملية يومية وشهرية وسنوية لتفعيل أكبر قدر ممكن من المصادر الأخرى التي ذكرناها منذ قليل.

- تعرف على نقاط القوة في قدرات إبنك (حركية ـ لغوية ـ موسيقية  ـ فراغية ..)، فنقاط القوة هي رأس الحربة في معركتنا ضد الفشل، والتعلم الذاتي غني  بالوسائل التي تغذي تلك القدرات المتعددة، فضع خطة واضحة أيضا لتنميتها واستثمارها.

- ضع يدك أيضا على نقاط الضعف (مثل صعوبات التعلم أو الاضطرابات الاجتماعية والسلوكية)، وفتش أيضا عن التعلم الذاتي الأنسب لكل منها، فهناك كنوز من الوسائل تناسب أي نقطة ضعف تجدها في إبنك، فقط ابحث عنها وستجدها.

- وأخيرا، لا تنس أن كلمة "ذاتي" تعني أنها نابعة من "ذات" الطفل، وليس منك أنت - كأب أو أم - أي أن المكون الأساسي فيها هو الطفل "ذاته"، فهو الذي يبحث، وهو الذي يكتشف، وهو الذي يختار، وهو الذي يسعى بإرادته ومثابرته ودافعيته "الذاتية" للتعلم والنجاح دون دفع من أحد أو ثواب أو عقاب من أحد.

وبالتالي فأنت - كأب أو أم - مجرد "ضيف" على هذه المنظومة الذاتية، كل دورك هو أن تتيح أكبر قدر من الفرص لتيسير الاكتشاف والتنمية لقدراته وميوله، وتقدم الدعم وبعض التوجيه. كل دورك إذن هو بناء هذه الآلة "الذاتية" لتعمل وحدها بعد قليل، ثم يتناقص دورك مع تزايد عمر ابنك، حتى يصل لنقطة يصبح هو مسئولا تماما عن تعليمه "الذاتي".   

اقرأ أيضا: ما المشترك بين ابنك وبيل غيتس؟

المساهمون