إيف حياة... فنان في قلب السديم

23 مارس 2014
الاستعمار.. في التفاصيل
+ الخط -
كثيرة هي الوسائل التي استخدمها الفنانون التشكيليون العرب للتعبير عن شعورهم ومواقفهم من الأحداث العربية الراهنة. الفنان المصري إيف حياة (مواليد 1946)، اختار التصوير الفوتوغرافي بمختلف إمكانياته وتجلياته وتقنياته، كما يتجلى ذلك في معرضه الحالي في غاليري "مارك هاشم" الباريسية.

المعرض يتألف من أربع سلاسل (series)، أنجزها الفنان حديثاً ورُتّبت قطعها بطريقة تنقل إلينا هواجسه وسيرورة إسقاطه لهذه الهواجس على شكل شهادات تشكيلية فاضحة لوضع منطقتنا والعالم بشكلٍ عام.

في الصور الست التي تتألف منها سلسلة "يجب أن تستمر التجارة"، نرى في البداية مشاهد ساكنة بالأبيض والاسود تتخللها رقعة صغيرة ملونة. لكن حين نتمعّن في هذه الأعمال، يتجلى لنا عالمٌ في حالة دمار مرعب، يطغى عليه صمت مطبق، كما لو أن الحياة والزمن قد توقفا فيه. عالمٌ لم يبق منه سليماً سوى علامة رمزية تجارية أو لافتة متجر لشركة دولية.

ويهدف حياة، من خلال هذه السلسة، إلى مواجهتنا مع واقع تلك الشركات الدولية التي تقرر اليوم أحلامنا ورغباتنا وميولنا، ولا تتأثر بالأزمات أو الحروب، بل تبقى ناشطة في قلب السديم، غير مكترثة للمآسي التي تحيط بها.

وفي سلسلة "عطر تمرّد"، يثبّت الفنان صوراً رمزية لمستحضرات تجميل يمكن للجميع أن يتعرّف إليها، علماً أن هذه الصور المكررة على شكل شرائط شفافة ومعلّبة داخل زجاج طيّع، لا تأخذ كل معناها إلا إذا منحناها كل الانتباه الذي تستحقه. وعند ذلك فقط، تقترح علينا قراءة مقلقة وسوداوية، كصورة زجاجة عطر "شانيل 5" الأنيقة، مثلاً، والتي تصبح مهدِّدة حين ترافقها كلمات "بغداد" و"كابول" و"حمص".

ويهدف حياة، في هذه السلسلة، إلى لفت انتباهنا إلى سعي الغرب إلى فرض نظامه الرأسمالي و"ثقافته" الاستهلاكية على العالم، بما في ذلك المناطق التي تعاني من الحروب والصراعات. بعبارة أخرى، يسلّط الفنان الضوء بحذاقة على تلك الأشكال المختلفة من الإستعمار الغربي، عبر استخدامه صورية نموذجية يمكن التعرّف إليها فوراً وتسمح للمتأمل فيها بقراءة الرسالة التي تحملها من دون الحاجة إلى كلمات.

أما السلسلة التي تحمل عنوان "لأننا نستحق ذلك"، فيطرح الفنان من خلالها تساؤلاً حول المصير الإعلامي لصورة مشحونة عاطفياً، متناولاً صورة "عذراء الرأفة" (Pieta) في أعمال فناني عصر النهضة الإيطالية (بيليني وكاراتشي وتيتيان). سؤالٌ مشروع حين نستحضر لوحة الفرنسي جورج ميريون، "عذراء الكوسوفو" (1990)، التي تظهر فيها مجموعة من النساء المكلومات حول قتيل سقط خلال الحرب الأخيرة في البلقان، وتشكّل بمضمونها وتعبيريتها تكملة منطقية لما سبقها من أعمال حول هذا الموضوع.

وفي هذا السياق تندرج سلسلة حياة المذكورة، التي يستعين فيها بصور لعارضات أزياء شهيرات (كلوديا شيفر، نعومي كمبل، إيفا بيغفورد...)، من منطلق اكتساحهنّ للفضاء الإعلامي، وبالتالي إمكانية أن يمثّلن يوماً مآسي الحروب والبؤس "على أفضل وجه".




وتختم المعرض سلسلة بعنوان "حب نفسك كما تحب جارك"، التي يلجأ الفنان فيها إلى أحدث تقنيات التصوير الفوتوغرافي لإجراء مقابلات تحريضية بين "أيقونات" من تاريخ الفن حاضرة في الذاكرة الجماعية و"أيقونات" راهنة تنتمي إلى ميادين الفن المعاصر والعلوم والدين والسياسة والسينما والإعلام؛ مقابلات يتجلى من خلالها عنف الإنسان على مر الزمن وأنانيته التي تدفعه إلى محاربة أخيه الإنسان وقتله بسبب اختلافات من المفترض أن تكون مصدر غنى للحضارة البشرية وليس مصدر صراع.

وحول عمله، يقول إيف حياة لنا: "أقرّ بأني أهتم بالتلاعب بالواقع وبصوره المُتخيّلة. يقع عملي على تخوم التصوير الفوتوغرافي والتجهيز والسرد التشكيلي، ويقترح رؤى يندمج فيها فنّ الإخراج المسرحي بفنّ التصوير. وكمستهلك بصري كبير، تراني أصوّر وأهذّب وأعيد تأطير مادة أعمالي كمُخرِج حقيقي. وبواسطة لعبة التنضيد والتعديل و"المفاوتة" والاختطاف، أقابل الماضي والحاضر، الجمال والقبح، اللامبالاة والتعصّب الديني أو العرقي، الواقع والخيال. ومن خلال تساؤلٍ حول علاقات الفن والسياسة ووسائل الإعلام، أبتكر أعمالاً نقدية يتجلى فيها ميلٌ تشكيلي لثقافة الإعلام والسينما والإعلانات".

ويضيف الفنان قائلاً: "بفضل التقدم التكنولوجي (إنترنت، التقنيات الرقمية، الطباعة على ركائز جديدة...)، أحاول معاينة تاريخنا ومجتمعاتنا بطريقة تأخذ في الاعتبار ما تم ابتكاره أو تحويله أو تدميره. لكن المهم بالنسبة إليّ هو عدم نسيان أن أي عمل فني يضعنا أمام عالمنا، يحضر لطرح تساؤلٍ، لإثارة ابتسامة أو لخلق ضيق أو إزعاج. فبذلك فقط يفلت من المألوف والمبتذَل، ويأخذ كل قيمته الفنية".

___________________

يستمر المعرض حتى 30 آذار/ مارس الجاري.
Mark Hachem Gallery - 28, Place des Vosges - 75003 Paris

المساهمون