إيران تبدأ رحلة التحالفات الإقليمية... من السعودية

إيران تبدأ رحلة التحالفات الإقليمية... من السعودية

23 سبتمبر 2014
ستتم معالجة ملفات اليمن والبحرين (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
كأن زمن التحوّلات بدأ، خصوصاً بعد لقاءين جمعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، مع نظيره السعودي سعود الفيصل في نيويورك، يوم الأحد، ومع نظيره الأميركي جون كيري. نوقشت في اللقاءين قضية الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، فضلاً عن تفاصيل الحوار النووي مع إيران. وكان اللقاءان كفيلين بتوجيه الأنظار نحو السياسة الإيرانية الفعلية في وقت تتزاحم فيه الملفات في المنطقة.

من العراق إلى اليمن وحتى البحرين، كلّها قضايا تستطيع إيران أن تؤدي فيها دوراً مؤثراً، فلطالما كانت هذه الدول ساحة صراع سياسية بين طهران والرياض، بينما تتجه المعطيات اليوم، بحسب محللين، نحو الإعداد لسيناريوهات جديدة في المنطقة، تكون للبصمة الإيرانية فيها اليد الطولى، إن فُتح المجال أمام طهران.

وأشار ظريف عقب لقائه الفيصل، إلى أن اللقاء كان مثمراً، وفي وقت نقل فيه "أمله" بتعاون مستقبلي بين البلدين، خرج رئيس دائرة الشؤون العربية والأفريقية في الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، ليقول إن "التخطيط جار لزيارة إيرانية للسعودية".

ويعني هذا أن طهران تتجه اليوم، وبصورة علنية، نحو الرياض، بعد التوتّر الذي ساد العلاقات لسنوات طويلة، فالعلاقة التي يشوبها الكثير من الحذر، تأخذ أيضاً طابعاً تنافسياً على تأدية دور يتوافق مع إيديولوجيا ومنفعة وسياسة كلا البلدين في ساحات مختلفة.

ويُمكن قراءة هذا الأمر على أن طهران تتجه لبناء تحالف إقليمي، يشبه قليلاً التحالف الدولي، الذي شكّلته الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة "داعش"، لكنه تحالف على شكل تقارب سياسي، سينجح، وبشدة، في حال التقارب الإيراني ـ السعودي، والتخفيف من حالة التشنّج بينهما، والاتفاق على ترتيب الأوضاع في اليمن أولاً، ومن ثم البحرين ثانياً.

وتؤكد تسريبات مقرّبين من المسؤولين الإيرانيين، أن "الأمر بات وشيكاً"، فهناك كلام عن مبادرة ستطرح في البحرين، بعد أن تسببت الاحتجاجات في هذا البلد قبل سنوات، بشرخ أكبر بين طهران والرياض التي أرسلت قوات درع الجزيرة إلى هناك لدعم البحرين، وهو ما رفضته طهران علناً.

أما في اليمن الذي تقدّم فيه الحوثيون بشكل كبير، وهو ما لا يصبّ في مصلحة السعودية، فقد شدّد عبد اللهيان أيضاً أن "إيران تدعم الحوار السياسي في اليمن، والاستماع لمطالب الجميع فيه". لكن طهران تدرك جيداً أنه أمر ليس في مصلحة منافستها الإقليمية.

ولكن المعادلة تسير باتجاه تحقيق توافق إقليمي هذه المرة، لا إلى عداوة جديدة، وهو ما سيكون مجدياً أكثر بالنسبة لإيران، بعد سنوات من التشدد في التعامل مع الرياض ومع ملفات أخرى، وهو ما سيلائم أيضا خطاب حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، التي تتبنّى سياسة الحوار والاعتدال والانفتاح.

والأهم، أن هذا التحالف سيجد لإيران المكان المشروع الذي كانت تبحث عنه منذ مدة، وباعتراف إقليمي ودولي، وهو الأولوية الحالية بالنسبة لطهران، فأمر كهذا سينعكس على ملفاتها الخارجية كلها، فأي تحالف إقليمي من هذا النوع لإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، يعني تبنّياً ودعماً دولياً بشكل طبيعي له.

في السابق عرضت إيران مساعدتها في الحرب على "داعش"، أيضاً من باب البحث عن هذا الاعتراف بدورها المؤثر، ولكن تصريحات المرشد علي خامنئي، الأخيرة التي قال فيها إن "إيران رفضت عرضاً أميركياً بالانضمام للتحالفات الدولية لمحاربة داعش"، جاءت بسبب التشكيك بالنوايا، إلا أن السبب الأبرز هو تخوف إيران من توجيه ضربة أميركية لنظام حليف طهران الاستراتيجي، الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما تحدث عنه مسؤولوها بشكل علني.

خرج روحاني بعد تصريح خامنئي، ليُعلن ضرورة محاربة "داعش" بجهود إقليمية ولكن بدعم دولي، لا العكس، وهو ما تبحث عنه طهران الآن في أماكن أخرى.
إلا أن الجلسة التي جمعت ظريف بكيري، وتمّت مناقشة الحرب على "داعش" فيها، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، لا تعني أنهما سيتجهان نحو تحالف علني في هذا الصدد، حتى وإن تمت مناقشة الموضوع على الطاولة، فلدى إيران الكثير لتتجاوزه مع الولايات المتحدة، بالرغم من أن موضوع محاربة "داعش" جارٍ على قدم وساق.

أمام طهران متشددو الداخل من المحافظين، الذين يعارضون التقارب مع واشنطن، وينظرون إلى الموضوع الآن على أنه يبرر الحاجة الأميركية إلى الدور الإيراني، وهو ما كتبته صحيفة "كيهان" المحسوبة على هذا التيار، والتي أفادت أن "ضربات الولايات المتحدة الجوية، والتي لن تكون كافية للقضاء على التنظيم من جذوره، إلا أنها وضعت واشنطن تحت خدمة إيران وحتى الأسد، والنتيجة ستكون لمصلحة الجميع وهي التخلّص من داعش".

كما يرى المحافظون أيضاً، أن "ما يجري يعني تغيير موازين القوى في المنطقة، وحتى في العالم، فبات الجميع يشارك الآن في حلّ عدد من القضايا المفصلية، ولم تعد الولايات المتحدة تمثل الثقل الأكبر".
وبكل الأحوال، فإن ساحة التحليل تتحدث عن أن التخلص من "داعش" سيصبّ لمصلحة الجميع، حتى ولو لم تدخل إيران في تحالف مع الولايات المتحدة لأسباب داخلية وإقليمية، ولكنها في مكان آخر تبحث عن تحالفات أخرى قد تعطي طهران الصيغة التي تبحث عنها في سياستها الخارجية، وهو ما سينعكس إيجاباً على الكثير من الملفات حسب الرؤية الإيرانية.